عرب وعالم

الثلاثاء - 25 أبريل 2023 - الساعة 11:23 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


سرعت الإدارة الأميركية من تحركاتها لتوفير هدنة عسكرية ووقف جديد لإطلاق النار كي يتمكن رعايا دول عديدة من مغادرة السودان بسلام، لكن مراقبين اعتبروا التهدئة لثلاثة أيام أخرى تمنح قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان فرصة لاستقدام المزيد من قوات المشاة من الأطراف وأماكن بعيدة عن الخرطوم، قد تسهم في إنقاذه من ورطة دخلها بعد أن تحولت المعارك إلى كر وفر.

وبدا قائد الجيش عاجزا عن استخدام سلاح الجو والمدرعات والأسلحة الثقيلة على نطاق واسع، بعد أن تحدثت تقارير وصور بثتها قوات الدعم السريع عن خسائر أوقعها الإسراف في استخدام سلاح الطيران في قصف عناصرها، وهو ما أثار غضبا شعبيا، حيث تسبب ذلك في خسائر بشرية كبيرة.

ونجحت قوات الدعم السريع في جر الجيش إلى خندقها بعد أن تمكنت من شل جزء كبير من معداته القتالية الثقيلة، حيث تتمتع بقدرة فائقة على توظيف حرب الشوارع والمدن، ما جعل قائد الجيش يستسلم لهدنة ضغطت الولايات المتحدة من أجلها.

وتبنى الجنرال البرهان خطابا حادا ضد غريمه الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، وتصوير الحرب وكأنها نزهة وسيتمكن من دحره خلال أيام قليلة، غير أن صمود قوات الثاني وتمكنها من التموضع في أماكن حيوية أجهض سيناريو البرهان، ما اضطره إلى البحث عن هدنة جاءته من واشنطن.

ولقي وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام ثباتا نسبيا، الثلاثاء، والتزاما نسبيا من الجيش والدعم السريع بعد عشرة أيام من معارك دامية، فشلت معها كل محاولات التهدئة لوقفها مبكرا، وتواصلت في ظلها عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من السودان.

وبعدما تعهّد البرهان وحميدتي باحترام التهدئة لمدة ثلاثة أيام أخرى، بقي الاختبار الميداني هو المحك، حيث سبق للجانبين إعلان أكثر من هدنة منذ اندلاع المعارك في الخامس عشر من أبريل الجاري، واتهم كل طرف الآخر بخرقها.

وعلى الرغم من اتهام الدعم السريع للجيش بتحليق الطيران الحربي فوق الخرطوم، الثلاثاء، إلا أن أصوات الانفجارات والرصاص تراجعت في العاصمة مقارنة بالسابق. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، موافقة طرفي النزاع على وقف جديد لإطلاق النار، اعتبارا من الثلاثاء، ما يمكن البعثات الأجنبية والدبلوماسية ومواطني دول عديدة من الخروج في هدوء.

وأجرى بلينكن مفاوضات مكثفة على مدار يومين مع كل من البرهان وحميدتي حتى وافقا على تنفيذ وقف جديد لإطلاق النار على مستوى البلاد لمدة 72 ساعة. وحضت الولايات المتحدة قوات الجيش والدعم السريع على “الالتزام الفوري والكامل بوقف إطلاق النار”، والعمل مع شركاء لتشكيل لجنة تتفاوض على وقف دائم للنار.

وقال الجيش السوداني إنه وافق على الهدنة بوساطة أميركية وسعودية، وقالت الدعم السريع إنها وافقت على وقف النار بعد وساطة أميركية لتسهيل الجهود الإنسانية.

وبدأت واشنطن تنخرط كثيرا في الأزمة السودانية أملا في وضع حد سريع لها، خوفا من أن تؤدي الفوضى إلى تدخل قوى إقليمية ودولية لدعم الطرفين المتصارعين، وفي هذه الحالة يمكن أن يعاد تكرار تسلل عناصر تابعة لقوى كبرى إلى السودان، كما حدث في كل من سوريا وليبيا.

ويبدو التحرك الأميركي في ظاهره إنسانيا، غير أنه يمنح الجنرال البرهان فرصة لالتقاط قواته أنفاسها، خشية أن تستمر المعارك فترة طويلة تقود إلى استنزافها ميدانيا. ويقول مراقبون إن خبرة الولايات المتحدة في التعامل مع نزاعات إقليمية أهملتها لم تحقق أهدافها كاملة، وعلى العكس وفرت فرصة لقوى منافسة لتوظيفها سياسيا وعسكريا بما يضر بمصالحها.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن الإدارة الأميركية تستشعر الخطر من دخول تنظيمات متطرفة وفلول نظام الرئيس السابق عمر البشير على الخط لدعم البرهان في حربه ضد الدعم السريع، ما يعني حدوث المزيد من الانفلات الإقليمي، حيث يقع السودان في منتصف سلسلة تمتد من شرق أفريقيا حتى غربها تعج بتنظيمات متشددة وإرهابية مختلفة، وتخوض ضدها واشنطن حروبا متقطعة.

وحذر الجنرال حميدتي من هذه الوضعية مرارا، وخطورة وجود عناصر في المؤسسة العسكرية تنتمي إلى النظام البائد وتتبنى أفكارا أيديولوجية داعمة للحركة الإسلامية، وتعمل على تغذية الحرب، ما أسهم في تطوير علاقة قائد الدعم السريع مع القوى المدنية السودانية وقوى غربية عديدة، إذ لمس خطابه بشأن تسليم السلطة من الجيش لحكومة مدنية ودعم التحول الديمقراطي لب الأزمة التي يعيشها السودان.

ووفر هذا الخطاب قاعدة شعبية وسياسية لحميدتي في صفوف قوى سودانية متعددة، بدت مقتنعة به أكثر من البرهان، والذي يعلن أنه يدافع عن المؤسسة العسكرية بينما هو من فتح الباب لتمكين عناصر النظام البائد للتمترس داخل ما يعرف بالدولة العميقة.

وانتبه البرهان إلى خطورة ما يمثله خطاب حميدتي عليه ونفى مؤخرا وجود فلول في الجيش أو عناصر تابعة للإخوان وعلى استعداد لتسليم السلطة لحكومة مدنية، ورمى الكرة في ملعب الدعم السريع عندما قال إنها فتحت أبواب بعض السجون في السودان وإخراج متطرفين ومجرمين منها.

ونفت قوات الدعم هذه الاتهامات وردت عليها بأنها تساعد في تأمين المنشآت الحيوية، وتسهم في توفير الهدوء على الطرق والمحاور لتسهيل عمليات إجلاء البعثات الدبلوماسية والجاليات الأجنبية، مؤكدة إدانتها لمقتل مساعد الملحق الإداري بالسفارة المصرية في الخرطوم وتعهدها بالتعاون مع القاهرة في إجراء التحقيق.

يتوقف صمود الهدنة الجديدة على مدى استعداد كل طرف للجلوس على الطاولة، وهو ما يبدو بعيدا، إلا إذا نجحت الولايات المتحدة في ممارسة ضغوطها، أو نجح مجلس الأمن في استصدار قرار يمكن تنفيذه على الأرض ويقود إلى وقف دائم للنار.

وكشفت مصادر سودانية لـ"العرب" أن هناك مشاورات أميركية مع كل من مصر والسعودية والإمارات لجمع الطرفين على طاولة واحدة قريبا قبل حدوث المزيد من التفلتات، بما يضاعف من صعوبة السيطرة على الأوضاع في الخرطوم. وأكدت المصادر أن تسارع تحركات القوى المدنية في السودان يدعم التوجه نحو وقف الحرب سريعا، وهو ما لا يرفضه حميدتي شريطة التحقيق في الأسباب التي أدت إليها والتعهد بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.