كتبه أ. د. عبدالله بن عبدالله عمر
الناس أجناس من أروع أبياتها، قوله:
وحد جاهل ضار بجهله يضر الناس
وحد تلقاه بتخبط دوب من إفلاس
كونها تحكي واقعنا المرير المعاصر
هذه إحدی قصائد بوضاح ناصر مشبح -رحمه الله - يتحدث فيها عن أجناس الناس وأصنافهم، فقد أجاد وأفاد بكلمات يسيرة متواضعة تشخيص أفراد في المجتمع.
يستهل ناصر مشبح -رحمه الله - منظومته المتواضعة في كلماتها الهادفة في معانيها، بقوله:
بوضاح بن مشبح يقول الناس أجناس
حد يمتلك قلب كالصخرة وحد حسّاس
قسّم الناس وفق صلابة القلب وليونته، فقال: الناس أجناس
الأول: لهم قلوب كالصخرة وأبدّع حين عبّر بالفعل (يمتلك) فالقلب القوية يقال فيه: يمتلك؛ لأنّ الامتلاك يفيد السسطرة وحُسن التحكم، و هو يشبه قول المتنبي:
متی تمتلك القلب الذكي
وصارمًا تجتنبك المظالم
فالذكاء والصلابة يحسن معها الامتلاك بخلاف نقيضاتها؛ لذا قال: وحد حسّاس، وقد عرف الشاعر عن ذكر القلب، في مقابلة صاحب القلب الصخرة، فلم يقل وحد قلبه حسّاس، بل جعل حساسًا أخبارْا عن الشخص لا عن القلب. و سبب هذا أنه أراد أن تكون حسّاس لكل أجزاء الشخص فلا تقتصر صفة حساس علی القلب فقط بل تنطبق علی كل الشخص، فهي صفة لا تُمتلك؛ لصعوبة انضباط المتصف بها.
ومن أجناس الناس عند ناصر مشبح - رحمه الله - قوله:
وحد فيهم مداس دايم
وهو محني الراس
جمع الشاعر في هذا البيت صفات سيئة يتصف بها بعض الناس، فهو مداس لا رأي له ولا شخصية، ثم هو بعد ذلك محني الراس، لا يرفعه، وهو كتاية عن الذل والهوان.
وقد ضمّن الشاعر قصيدته أمثال فقال: خلي بالك يقول: لا تبنِ علی منياس. وفيه كناية عن أنّ الإنسان لا يعتمد علی الأشياء الواهية فقد تودي به في المهالك.
ومن أبيات الشاعر ناصر مشبح -رحمه الله - الرائعة قوله:
وحد جاهل ضار بجهله يضر الناس
يا سلام تأمل تقسيمه الناس الجهلة علی قسمين;
الأول جاهل ضار فيقابله جاهل غير ضار ، وهذا تقسيم جميل و بديع، وله واقع في حياتنا، فمن الناس من هو جاهل لا يضر بجهلة الناس، ومن الناس جاهل يضر بجهله الناس، وهم كثيرون، فكم من الجهلة يُقدِّم نفسه بأنّه عالم، وهو جاهل، وهو في الأصل متعالم وضرره علی الناس كبير وشره مستطير.
ثم ذكر قسم آخر من الناس، فقال رحمه الله:
وحد تلقاه بتخبط دوب من إفلاس
يا سلام علی الكلام فكم من أناس في يومنا هذا تلقاه يتخبط بسبب الإفلاس لا سيما مع تأخُر الرواتب. فكم من إنسان يتخبط يبحث عمّا يسد جوعه ومن يعول، فهو يتخبط من الإفلاس،
وهذا السياق فيه تأثُّر بسياق القرآن في سورة البقرة.
وبعد ماذا تری يا صاحبي بهذه الناس
صاحبي رد قال: صحيح الناس أجناس
وأخبر في ختام قصيدته موافقة صاحبه في تقسيمه الناس إلی أجناس، غير إنّ صاحبه عاد عليه بعتاب ناعم فقال له:
وأنت فوق الحد يا صاحبي حساس
رحم الله ش اعرنا المعلم الحكيم بوضاح ناصر بن مشبح رحمه الله رحمةً واسعة فقد كان من رجال حارة سوق الذهب الذين يمتلكون ثقافة ومعرفة ظمرت في شعره.