الإثنين - 24 نوفمبر 2025 - الساعة 12:07 م
حينما يصل الأمر ببعض الأسر إلى اختزال الوجبات التي تتعاطاها إلى وجبتين، وأحيانا إلى وجبةٍ واحدةٍ في كل ساعات النهار والليل، وحينما تقتصر الوجبتين أو الوجبة الواحدة على الخبز والشاي وأحيانا الخبز والماء، بل وحينما تضطر بعض الأسر إلى استدانة الدقيق والزيت من الجيران الذين هم مرشحون ليغدوا قريباً عند نفس المستوى من الإملاق، وحينما تضطر بعض الأسر إلى البحث عمَّا تقدمه لأطفالها في قمامات المطاعم، فإن كل هذا لا يعبر إلا عن بلوغ الأزمة لإنسانية والمعيشية في الجنوب درجة الاختناق الذي ليس من بعده إلا الانهيار أو الانفجار، ما لم يبادر القائمون على شؤون البلاد إلى المعالجة العاجلة لأسباب هذه الأزمة.
طوال الأسابيع القليلة الماضية تلقيت عبر خدمات التواصل الاجتماعي عشرات الرسائل التي يشتكي أصحابها من سوء الأحوال وبلوغها حالة المجاعة الحقيقية، بعضها من أسماء محترمة لأصحابها حضورهم السياسي والاجتماعي والوطني في مختلف مراحل الحياة السياسية الجنوبية على مدى عقود، وأخرى من مواطنين عاديين تربطني بالبعض منهم معرفة شخصية وأخرى من أرقام هواتف أو حسابات على تويتر وفيس بوك، لا أعرف أصحابها، بعضهم يطلب النصيحة والبعض يطلب الإعانة المادية والكثير من أصحاب هذه الرسائل يتصورون أنني على مقربة من صناع القرار بل إن بعضهم يعتقد أنني مساهم في رسم السياسات القائمة وجميعهم يشكون مما وصلوا إليه من الانهيار المعيشي والإنساني، بل أن بعضهم يتهكم ويتهجم على شخصي باعتقاده أنني من المساهمين في إيصال الأوضاع إلى هذا المستوى المروع من الانهيار.
ليس هذا هو المؤلم بل المؤلم والمؤسف معاً هو أن يقف المرءُ عاجزا عن تقديم أي مساعدة مادية أو حتى نصيحة يمكن أن تسعف من يطلب النصيحة، أما الوصول إلى المسؤولين الذين يفترض أنهم ساهرون على حياة الناس ومعيشتهم وكرامتهم، فلا يملك المرء منا إلا قلمه ولوحة مفاتيحه ليخاطب عبرها الممسكون بعنق هذا الوطن وأهله، وما زلت أراهن على بقايا ضمير حي لدى بعضهم ليتحرك بخطوات إنقاذية جادة للحيلولة دون الانهيار أو الانفجار وكلاهما إذا ما حصل لا سمح الله لا يمكن التحكم بعواقبه المدمرة.
أيها السادة الحكام!
لقد جيء بكم إلى هذا الشعب دون اختياره، وإن كان قد قبل بكم، فقد ظنَّ أنكم جئتم لخدمته وتدبير متطلبات حياته، ولن نقول لتنهضوا به إلى مصاف الشعوب الأخرى القريبة من مسوانا ووضعنا فهذا المطلب لا يمكن أن يخطر على بالكم.
قال لي أحد الزملاء الأكاديميين المعروفين ونحن نناقش الأزمة التي يعيشها الجنوب والجنوبيون: "نحن لم نقبل بهؤلاء ليحضروا المؤتمرات الدولية واجتماعات منظمات الأمم المتحدة، ولا ليشاركوا في مؤتمر البيئة والبيئة في بلادنا عند أسوأ المستويات، ولا ليمثلونا في مؤتمر الطاقة النووية ونحن لا نتلقى الطاقة الكهربائية التقليدية إلا أقل من ساعتين في اليوم والليلة، ولا ليمثلونا في مؤتمرات الطاقة النفطية، ونحن نعيش على الوقود الذي نتلقاه صدقة من الدول الشقيقة".
ويواصل زميلي الأكاديمي: "لقد قبلنا بهم لينقذوا لشعب من الأزمة التي كان يعيشها في 2019م ثم في 2022م، لكنهم ذهبوا بهذا الشعب المغلوب على أمره القهقرى حتى صار البعض يتمنى لو إن اتفاق الرياض لم يوقع، وبيان نقل السلطة لم يصدر".
واختتم صديقي حديثه قائلاً: "لقد قبل الشعب بهؤلاء ليس لأنهم أفضل من فيه، فلدى الشعب من هو أفضل منهم وأكثر نزاهةً ومهارةً ودراية بشؤون الحكم، بل لقد قبل بهم لاعتبارات هم يعلمونها وهي اعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة ولا بالنزاهة ولا بالخبرة ولا بتاريخ تجربتهم في الحكم".
أيها السادة الحكام!
لا يسعنا في الأخير إلا أن نذكركم بقول الخليفة عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه " لو عثرت بغلةٌ في العراق لسألني الله عنها، لمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر؟"، قال عمر هذا وهو في المدينة والبغلة المفترضة في العراق، وأنتم لستم أمام بغلة تتعثر في الطريق، بل أمام ملايين من البشر المكرمين الواعيين الشرفاء الذي لا يتعثرون فقط في الطرقات بل يتعثرون في الحصول على ما يسدون به رمق أطفالهم المتضورين جوعاً والمكلومين مرضا ورعبا من المستقبل
فماذا أنتم فاعلون؟؟؟