أخبار وتقارير

الإثنين - 09 أكتوبر 2023 - الساعة 02:22 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


رفعت الحرب الجارية بين حماس وإسرائيل الغطاء عن كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن)، ولن يخرج كلاهما منها سالمين سياسيا، فالأول أنهكته الفوضى التي افتعلها داخل إسرائيل والمنطقة في الفترة الماضية، والثاني بات عنوانا لفشل السلطة بالمطلق وعجزه شخصيا عن أن يكون مؤثرا.

ولن يشفع لنتنياهو إعلانه رسميا الأحد حالة الحرب جراء هجمات حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين التي أودت بحياة حوالي 600 إسرائيلي وأكثر من ألفي مصاب، لأن الزلزال العسكري الذي أصاب إسرائيل ستكون له تبعات سياسية على حكومته.

وكشف إعلام عبري عن تفاصيل صاخبة لجلسة الحكومة الإسرائيلية التي جرت ليلة السبت ووقعت خلالها اشتباكات لفظية، تخللها صراخ ومشادات كلامية واتهامات.

ويتحمل نتنياهو جزءا كبيرا من الإخفاق الإستراتيجي الذي واجهه الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات المختلفة، فطوال الفترة الماضية كان مشغولا بكيفية تثبيت قبضته على الحكومة والكنيست وامتلاك صلاحيات تخوّل له التحكم في القضاء.

كما منح الفرصة لجيل من السياسيين المتغطرسين والمستوطنين المتشددين للتغول على كل من كانوا يمثلون اليسار أو الطبقة التي لعبت دورا في التوازنات داخل إسرائيل، فقد غلّ نتنياهو يد هذه الطبقة لصالح جيش يتزايد من المتشددين.

وانعكست الاهتمامات السياسية والدينية على أداء المؤسسة العسكرية، ما جعل رئيس الحكومة يتحمل جانبا من زلزال عصف بإسرائيل بمعرفة جيوش غير نظامية ممثلة في الجناحين العسكريين لحماس (كتائب عزالدين القسام) والجهاد (سرايا القدس).

وقد يفلت نتنياهو من المحاسبة السياسية مؤقتا عقب إعلان الحرب على غزة، فلا مجال لإجراء تغيير في الوقت الراهن، خوفا من مواجهة هزة سياسية تضاف إلى نظيرتها العسكرية، فتواجه إسرائيل أزمة معقدة على الجبهتين.

وحقق رئيس الوزراء الإسرائيلي مكاسب مؤقتة بدعوته لتشكيل حكومة طوارئ وطنية تحظى بثقة مئة نائب من الكنيست، ويشي الدعم الذي حظي به من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية أنه سوف يستمر في غروره بحثًا عن تحقيق انتصار عسكري سريع، ونتائج الحرب الجارية هي التي سوف تحسم مصيره.

ويواجه أبومازن مأزقا أشد صعوبة، وقد تكون خسارته بسبب هذه الحرب أكثر فداحة، فقد أثبتت قوى المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، دورها المحوري في القضية الفلسطينية، وجعلت الخيار العسكري مع إسرائيل أقرب من أي وقت مضى، حيث اهتزت جوانب في أسطورة الجيش الذي لا يهزم.

ولم تفلح التصريحات السياسية التي خرجت من قيادة السلطة الفلسطينية في جعلها داخل دائرة الضوء، وربما تحمّلها مسؤولية تغول حماس وسط الفلسطينيين عقب تحول الحركة إلى رقم يعول عليه الكثير من المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأدى إخفاق أبومازن في تبني مقاربة سياسية تفرض سلطته الوطنية على الواقع الفلسطيني إلى تكبده المزيد من الخسائر في الفترة الماضية، والتي تضاعفت مع فقدان الرهان الدولي والإسرائيلي عليه، إلى أن ترك ليواجه مأزقا خطيرا.

ويقول محللون إن لا أحد غربيا، وخصوصا في الولايات المتحدة، سينظر لوضع السلطة بشكل جدي طالما كان عباس العاجز على رأسها.

وتقود النتائج الأولى للحرب إلى تجاوز حقبة أبومازن والقيادات الفتحاوية القريبة منه، لأن حركتي حماس والجهاد قطفتا الكثير من الثمار السياسية، وجذبتا انتباه الكثير من الفلسطينيين والعرب، فما قام به الجناح العسكري في الحركتين في حكم الروايات الخيالية، فلا أحد كان يصدق حدوث هذا النوع من الاختراق لإسرائيل.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب إن بيان الرئاسة الفلسطينية الصادر عقب عملية “طوفان الأقصى” أشار إلى أن أبومازن يحاول أن يصبح جزءاً من المشهد الراهن عبر تحميله الاحتلال مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، غير أن البيان وحده لا يكفي ليعزز حضوره الذي تجاوزته الأحداث على الأرض.

وأضاف الرقب في تصريح لـ”العرب” إذا أراد أبوزمان الحفاظ على قدر من حظوظه في المشهد السياسي عليه تشكيل حكومة طوارئ وطنية تتشارك فيها جميع الفصائل الفلسطينية لتكون خلية أزمة وتنسق بشأن التعامل مع تطورات الأوضاع، والإعلان عن حزمة مساعدات لأهالي غزة، على الرغم من صعوبة وصولها إليهم، لكنها مهمة معنويا للتأكيد على أنه يتواجد في قلب الحدث.

وأكد أن مستقبل أبومازن سوف تحسمه الأيام المقبلة، حال خفف إجراءات الأجهزة الأمنية ضد الفصائل الفلسطينية الموجودة في الضفة الغربية، بما يجعلها رقمًا مهما في معادلة الحرب الحالية، وفي هذه الحالة يمكنه أن يروّج لشراكته في الحرب، لكن ذلك لا ينفي أن سلطته لم يعد بمقدورها الإمساك بزمام الأمور على الأرض.

وذكر الرقب لـ”العرب” أن مستقبل نتنياهو تحاط به شكوك كثيرة، فالمعلومات تشير إلى أنه كان يخطط لحرب شاملة على قطاع غزة تمكّنه من تشكيل حكومة وحدة، وما حدث أن المقاومة الفلسطينية باغتته ولم ينجح في التعامل عسكريا معها، وبالتالي من غير المستبعد خروجه من المشهد السياسي بعد أن تضع الحرب الحالية أوزارها.

ويقول مراقبون إن الجيش الإسرائيلي لن يتهاون مع حماس والجهاد وسوف يكبدهما خسائر فادحة ويسرف في التقتيل، وهذا ضد أبومازن وسلطته وقد يمثل فشلا مضاعفا، لأن الرجل لا يملك التصورات أو الأدوات السياسية التي يمكن أن يضغط بها لوقف الحرب سريعا أو ينقذ بها حماس، فأقصى ما يقدمه مناشدة الدول العربية لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن أسرى إسرائيل لن يكونوا حاجزا لكبح جيشها ضد الحركتين، فما تعرض له نتنياهو من هزيمة سياسية وعسكرية قاسية سيحاول تعويضه من خلال التمادي في القصف الجوي على غزة، وقد يلجأ إلى الاجتياح البري، والذي يضاعف الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين في القطاع، ناهيك عن المزيد من تقطيع أوصال الضفة الغربية وتوسيع نطاق الاعتقالات.

وإذا كان هذا التوجه لن يمكّن نتنياهو من إعادة الاعتبار له سياسيا والبقاء على رأس حكومته فترة طويلة، فهو أيضا قد ينهي دور السلطة الفلسطينية ورئيسها عمليا، لأن النتائج التي يمكن أن تتمخض عن المواجهة سوف تخلق واقعا جديدا يتجاوز “الشرير” نتنياهو و”الطيب” أبومازن بكل ما يحمله هذا الوصف من حماقة سياسية.