كتابات وآراء


الإثنين - 20 ديسمبر 2021 - الساعة 01:39 ص

كُتب بواسطة : صالح البيضاني - ارشيف الكاتب


هناك فرضية قد تكون مرادفة للشعور بالإحباط والملل من طول وتعقيدات الحرب في اليمن والرغبة في إغلاق هذا الملف الشائك الذي بات يؤرق المنطقة والعالم، والفرضية تلك تقوم على تساؤل مفاده: هل يمكن أن يعدل الحوثيون من سلوكهم وقبل ذلك أن يتخلوا عن ارتباطهم بالمشروع الإيراني؟

وقد تجاوز هذه السؤال حدّه قليلا ليتحول في الأيام القليلة الماضية إلى تسريب صحافي عن خلاف مزعوم بين الحوثيين وسفير طهران غير الشرعي لديهم حسن إيرلو، الذي نشرت صحيفة غربية خبرا غير مترابط ولكنه ذائع الصيت عن مطالبة حوثية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية بالسماح لإيرلو بمغادرة الأراضي اليمنية التي دخلها متسللا قبل ذلك وأعلنت طهران عن تعيينه سفيرا لها في صنعاء؟

ومن يتوقف قليلا عند تفاصيل هذا الخبر الذي ملأ وسائل الإعلام اليمنية والعربية وهلل البعض له باعتباره بارقة أمل محتملة على عودة الحوثيين إلى محيطهم العربي وتخليهم عن الارتباط بالمشروع الإيراني في المنقطة، سيدرك منذ الوهلة الأولى أن مصدر هذا الخبر المضلل هم الحوثيون أنفسهم الذين فشلوا في تهريب الضابط في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو بنفس الطريقة التي أدخلوه بها، عن طريق الطائرات الأممية والطائرات التي تحمل الوسطاء والتي كان هديرها لا يتوقف في مطار صنعاء، قبل أن يطلق التحالف العربي حملة جديدة من العمليات الجوية التي استهدفت مواقع حوثية في المطار وحدّت إلى درجة كبيرة من سيل الطائرات المتدفق.

وحول تفاصيل هذا الخبر المثير للاهتمام، تقول المصادر إن الظروف الصحية التي يمر بها إيرلو كانت تتطلب سرعة عودته إلى بلاده لتلقي العلاج، في الوقت الذي يتواجد بديله في صنعاء بانتظار عودته إلى طهران للإعلان عن هذا البديل الأكثر سطوة ونفوذا وشبابا!

والخلاصة أن الحوثيين فقدوا الأمل في تهريب السفير الإيراني لديهم، فسربوا خبرا عن خلاف مزعوم قد يساعد في تسهيل متطلبات عودته إلى بلده، فيما ارتباطهم العضوي بطهران ومشروعها التدميري في المنطقة لم يتغير قيد أنملة.

ويبدو الرهان على خلاف بين طهران وصعدة مثل الحديث عن صراع بين النجف وقم، أو تباين بين “التيار الإصلاحي” و”التيار المحافظ” في طهران اللذين يستظلان تحت عمامة ولي الفقيه، ويختلفان فقط في موقعهما تحت تلك العمامة السوداء التي تخيم على كافة مناحي الحياة في إيران.

ومن يقرأ جيدا تاريخ الجماعة الحوثية ومنطلقاتها الفكرية والسياسية لا يخالجه شك بأن تلك الجماعة هي نتاج تحورات جينية أصابت المدرسة الزيدية التقليدية اليمنية في صعدة، وأنتجت في نهاية المطاف نموذجا هجينا بين الزيدية والإمامية فكرا، ولكن في قالب مأخوذ ومفتون تماما بتعاليم ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران التي أطلقها الخميني، الذي يمكن وصفه بالأب الروحي لمؤسس الجماعة الحوثية وباني مداميكها الفكرية.

ولا يتوقف الأمر عند ملامح التأثر الفكري والسياسي فقط الذي نشأ منذ بروز الحوثية في صعدة كحراك سياسي فكري متطلع لتكرار نموذج الخمينية في إيران، بل إن النفوذ الإيراني أصبح في مرحلة لاحقة جزءا حاسما في مفاصل الجماعة العقائدية والعسكرية، من خلال قادة يدينون بالولاء لطهران وقم والقابعين فيهما أكثر حتى من الولاء لقادة الجماعة في صعدة وصنعاء.

ويبدو الرهان على عودة الحوثيين إلى محيطهم العربي وتخليهم عن إيران، وهو رهان حقيقي لدى بعض النخب السياسية في الخليج، انعكاسا طبيعيا لحالة الجهل بالتطورات المتسارعة التي حدثت في بنية المجتمع اليمني الثقافية والأيديولوجية، وخصوصا في مناطق شمال الشمال حيث كان الملكيون في تلك المناطق حتى مطلع السبعينات حلفاء للسعودية في حربهم ضد الجمهوريين الذين دعمهم جمال عبدالناصر آنذاك، غير أن زيود الأمس الذين استعانوا بالرياض في الستينات ليسوا هم زيود اليوم في صعدة وما جاورها، بعد أن تجاوزوا فكريا الخيط الرفيع الذي كان يفصلهم عن مدارس التشيع الكلاسيكي في إيران والعراق، وكذلك تشربهم مبادئ الثورية الخمينية التي باتت اليوم العمود الفقري لمناهجهم الثقافية والسياسية الثورية التي ورثوها من تحت عمامة الخميني بدءا من شعار الموت لأميركا وصولا إلى العداء المحكم لدول الخليج وحكوماتها.