أخبار رياضية

الخميس - 11 ديسمبر 2025 - الساعة 11:27 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


من المتوقع أن يشاهد ملايين الأشخاص حول العالم بطولة كأس العالم 2026 التي تنطلق في 11 يونيو، حيث تُقام معظم المباريات في الولايات المتحدة.

ويسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لينسب هذا الإنجاز لنفسه.

ورغم أنه لا يُعرف بشغفه بكرة القدم، إلا أنه يبدو مقدّرا للاهتمام العالمي الكبير الذي تحظى به اللعبة ونجومها، وقد ظهر ذلك بوضوح حين قضى وقتا مميزا مع نادي تشيلسي بعد فوزه ببطولة كأس العالم للأندية هذا العام، قبل أن يتسلّم كأس البطولة ويضعه في المكتب البيضاوي.

ويقول الباحث المتخصص في شؤون الهجرة أنطونيو دي لويرا-برست في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي إنه بينما يتطلع ترامب إلى كأس العالم، تُهدد سياسات إدارته الاحتفالات المرتقبة خلال الحدث. فالقرار بالسماح بحملات مداهمة واسعة تستهدف مجتمعات مهاجرة كاملة، وكل من يشبه أفرادها، يظل أكبر تهديد للبطولة التي تستضيفها بلاده.

وقد تركزت هذه المداهمات عمدا في مدن ذات أغلبية ديمقراطية ستستضيف مباريات كأس العالم، ممّا ولّد احتجاجات وحركات عصيان مدني واضطرابات عامة، ظهرت بوضوح خلال الصيف الماضي في لوس أنجلوس.

وهكذا نشأت حلقة مفرغة: فالتشدد المفرط لسلطات الهجرة يُثير مقاومة في مدن لا يحظى ترامب فيها أصلا بقاعدة دعم، وهذه المقاومة تدفع الإدارة إلى مزيد من التشدد، وتصعيد الخطاب المناهض للمهاجرين، وصولا إلى نشر قوات عسكرية في وجه جاليات أميركية.

وفي المقابل، بات كثير من المنحدرين من أصول لاتينية، بمن فيهم مواطنون أميركيون، يشعرون بانعدام الأمن في حياتهم اليومية.

وتزايدت التقارير عن توقيف أو احتجاز مواطنين أميركيين من أصول لاتينية، وهو ما خلق مناخا عاما من الخوف امتد إلى مختلف أنحاء البلاد.

وقد ألحق هذا القلق ضررا واضحا بالمشاريع التجارية الصغيرة والأحياء التي تعتمد على الجالية اللاتينية الكبيرة وتخدمها بغض النظر عن وضع أفرادها القانوني.

وهذه بالذات المجتمعات التي تكون عادة الأكثر حماسا لكأس العالم.

وفي الظروف الطبيعية، تكفي مباراة للمكسيك لإنعاش النشاط التجاري في وسط لوس أنجلوس أو حي ليتل فيلدج في شيكاغو. لكن الوضع يختلف اليوم مع انتشار دوريات الحدود وعمليات التفتيش التي تستهدف كل شخص ببشرة سمراء أو متحدث بالإسبانية.

وقد بلغ الأمر حد نقل مباراة استعراضية بين الأرجنتين وبورتوريكو من شيكاغو إلى فلوريدا هذا العام بسبب حملة مكافحة الهجرة التي أثرت على اللاتينيين المقيمين في شيكاغو.

ورغم أن نقل مباراة من شيكاغو إلى فلوريدا قد يبدو خطوة قد يصفق لها ترامب، إلا أن اللاتينيين ليسوا أكثر أمانا هناك. وقد وُثقت حالة لمواطن مكسيكي يحمل تأشيرة سياحية أوقفته الشرطة أثناء القيادة ثم احتجز في منشأة تُعرف بـ"سجن ألكاتراز التماسيح".

وفي حالة أخرى، سُجن مواطن يحمل الجنسيتين الإيطالية والأرجنتينية رغم ترتيب مغادرته الطوعية مسبقا.

ومع تكليف سلطات إنفاذ القانون المحلية بدور وكلاء للهجرة في ولايات مثل فلوريدا وتكساس، باتت أبسط التعاملات مع الشرطة (كالتعبير المفرط عن الفرح بعد تسجيل هدف) خطرا قد ينتهي بصاحبه محتجزا في ظروف تهدد حياته.

وقد طالت هذه الإجراءات مهاجرين ذوي وضع قانوني، بما في ذلك حاملو تأشيرات السياحة، مما يثير شكوكا جدية حول قدرة دول مثل المكسيك وإيطاليا والأرجنتين على ضمان سلامة مواطنيها خلال كأس العالم.

ويتزايد القلق من إمكان استخدام مباريات كأس العالم نفسها كفخاخ.

وسبق أن أكدت كريستي نويم، وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، أن عناصر من وكالة الهجرة والجمارك (آي إس إي) سيكونون حاضرين في مباراة السوبر بول القادمة عام 2026، وذلك في سياق انتقادها لاختيار اتحاد كرة القدم الأميركي (إن إف إل) للنجم باد باني (وهو مواطن أميركي، كما هو حال جميع البورتوريكيين بموجب قانون جونز-شافروث لعام 1917) لإحياء عرض ما بين الشوطين.

وعكست هذه التصريحات احتمالا مقلقا لاستغلال مباريات كأس العالم، خصوصا تلك التي تشارك فيها فرق أميركا اللاتينية، لشن حملات مداهمة.

وقد برز هذا التوتر بالفعل في فعاليات رياضية أخرى. فعندما لعب منتخب المكسيك ضد جمهورية الدومينيكان في كاليفورنيا خلال ذروة حملة التشديد، تزايدت المخاوف من استهداف قوات الأمن للمشجعين.

وخرجت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم تطلب علنا من السلطات الأميركية عدم التدخل في شؤون الحضور. بل واضطر المنتخب المكسيكي لتغيير فندقه بسبب مواجهة بين المتظاهرين وعناصر الهجرة الفيدرالية.

ومن الوارد أن تتكرر مثل هذه السيناريوهات والتوترات الدبلوماسية الصيف المقبل في المدن الأميركية.

وإذا أراد ترامب منع انتشار صور حكومته وهي تُرهب وتميّز وتؤذي من يريدون فقط الاستمتاع بكأس العالم التي تستضيفها بلاده، فعليه اتخاذ خطوات واضحة.

وقد قدمت إدارته بالفعل تنازلا مهما عبر إطلاق "بطاقة فيفا" لتسهيل دخول المشجعين، في إشارة إلى استعداد عملي لمنح أولوية لنجاح البطولة على حساب مطالب دعاة التشدد في الهجرة.

ولضمان سلامة الجميع، عليه أيضا تعليق حملات التفتيش على المهاجرين أو تقليصها بحدة وتنفيذها بدقة وقانونية طوال فترة البطولة.

كما يُطلب من الفيفا دعم هذا التوقف، حتى لو بشكل غير رسمي. فرغم أن المنظمة ليست معروفة باهتمامها الكبير بقضايا حقوق الإنسان، إلا أن عليها ضمان عدم إعاقة الحكومات المضيفة لمهمتها الأساسية، وهي الترفيه عن المشجعين حول العالم.

وقد سعت روسيا وقطر قبل انطلاق بطولتي 2018 و2022 إلى طمأنة المنتقدين بشأن سلامة المشجعين، حتى عبر اتخاذ إجراءات داخلية مؤقتة. وقمعت روسيا مشاغبيها العنيفين والعنصريين وطبقت إجراءات شكلية تتعلق بقضايا مجتمع الميم لطمأنة المشجعين الغربيين. وصرح فلاديمير بوتين لاحقا بأن المخاوف الأمنية لم تتحقق، مصورا بلاده دولة مضيافة وودودة للزائرين.

وقدمت قطر تنازلات مماثلة بشأن مخاوف مجتمع الميم واتخذت خطوات للرد على انتقادات معاملة العمال المهاجرين. صحيح أن هذه التغييرات لم تدم طويلا، لكنها ساهمت في نجاح الحدثين وأمنهما. وبالمثل، يحتاج ترامب إلى التعهد علنا بعدم شن حملات مداهمة واسعة خلال فترة البطولة.

ومع أن فكرة تخفيف تطبيق القانون مؤقتا ستثير غضب دوائر مقربة من ترامب، تبدو فرص الاعتدال ضعيفة. ويُضاف إلى ذلك الإعلان الأخير عن توسيع حظر السفر ليشمل مواطني 19 دولة، من بينها هايتي وإيران المتأهلتين لكأس العالم، كإشارة مقلقة أخرى.

ومع ذلك، تدرك مليارات الجماهير حول العالم أن كأس العالم حدث بالغ الأهمية. إنه مناسبة تستحق أن تُبذل لأجلها أكبر الجهود.

ويهتم ملايين من الأفراد الأكثر هشاشة في العالم (من أطفال غزة وأوكرانيا إلى العمال المهاجرين في المدن الأميركية) بهذه البطولة وبما تمثله.

وتمنح مباريات كأس العالم في أفضل حالاتها كافة البلدان فرصة نادرة للاجتماع والاحتفال بلعبة يعشقها عدد لا يُحصى من المتابعين. والأمل اليوم أن تُقام بطولة 2026 دون خوف من تدخلات سلطات الهجرة الأميركية. بل إن وقفا مؤقتا لحملات التفتيش العنيفة على المهاجرين قد يكون، بحد ذاته، جديرا بجائزة الفيفا للسلام.