كتابات وآراء


السبت - 06 ديسمبر 2025 - الساعة 11:58 م

كُتب بواسطة : د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب



حوارات مع مثقفين شماليين حول أحداث حضرموت الأخيرة

لست مستغرباً ولا منزعجاً مما يبديه النائحون والمتباكون على هزيمة قوات المنطقة العسكرية الأولى أمام القوات الوطنية الجنوبية التي أثبتت على مر عقدٍ من الزمن أن لديها قضية وطنية عادلة وأنها وفية لهذه القضية مهما كلفها الأمر من ثمن، وأثبتت بنفس الوقت أنها الشريك الأكثر صدقاً مع الأشقاء في التحالف العربي على قاعدة مكافحة الإرهاب بشقيه الحوثي والداعشي، واحترام حق الشعب الجنوبي في خياراته المستقبلية، أقول لست مستغرباً أن يتوافق نواح إعلام الجماعة الحوثية في صنعاء مع إعلام اسطنبول وممثليه في الدوحة وعمان والقاهرة وغيرها من المدن والبلدان.

ما يثير الاستغراب أن يلتقي مع هؤلاء مجموعة من المثقفين المدنيين من أنصار الحريات العامة وحقوق الإنسان ودعاة الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية كما يقدمون أنفسهم، فيكررون ما يقوله (إعلاميو صنعاء وإسطنبول) وإن بلغة أكثر نعومة وزئبقية وأقل شططاً وفجاجةً.

على منصات التواصل الاجتماعي كانت لي نقاشات مع مثقفين شماليين، لا يخفون غضبهم مما جرى خلال الأسبوع الفائت في حضرموت، فيقول أحدهم وهو دبلوماسي وناشط سياسي مدني محترم: يجب على قوات المجلس الانتقالي الانساحاب من حضرموت، قلت له: يا أستاذنا العزيزأنت تعلم أن قوات المنطقة العسكرية الأولى دخلت يوم ٧/٧ /١٩٩٤م ولم تتحلحل من هناك، وأنها تحولت إلى حاضنة للإرهاب ومراكز تهريب الأسلحة والمخدرات وكل الممنوعات للجماعة الحوثية في صنعاء التي لا يراودني الشك أنك لن تقبل بنهجها ومشروعها العنصري السلالي.

إذن من الأولى به أن يرحل من حضرموت؟ الوافد الغازي المغتصب الذراع العسكري للحوثيين في هذه المحافظة؟ أم من جاء ليدعم أهل حضرموت في تحرير أرضهم من هؤلاء الغزاة القتلة والمجرمين وداعمي الإرهاب ومقاولي التهريب؟

وأوضحت له رأيي بأن المجلس الانتقالي الجنوبي ليس مؤسسة عسكرية بل كيان سياسي جنوبي ، ومن ذهب لدعم ابناء حضرموت في مكافحة الأرهاب ورعاته هم القوات الجنوبية وحضرموت جنوبية وليست جزء من عمران أو حاشد أو بكيل ليحتلها أبناءهذه القبائل، أما القوات القادمة من عدن وابين ولحج وشبوة وحضرموت الساحل فإنها ستسلم مناطق المواجهة لأهلها بعد استتباب الأوضاع واندحار الجماعات الإرهابية وهذا مطلب جنوبي عام.

زميل آخر أستاذ جامعي يشكو من تمزق الوطن وفقدان الشعب اليمني لسيادته على أيدي من أسماهم ممن لا صلة لهم بالوطن وأهله ويعتقد أن الجنوبيين يشعرون بمظلوميتهم وحدهم معتقدين أن الشعب الشمالي يعيش في بحبوحة من العيش الهنيئ والحُرية والديمقراطية، ويرى أن المصيبة أن كل طرف يُفكر كيف ينجو بنفسه حتى ولو على حساب أهله وشعبه وكل الآخرين.

وكان تعليقي على حديثه إن غالبية أهلنا الشماليين لا يشعرون بما عاناه الجنوبيون منذ ١٩٩٤م حتى اليوم جراء نظام الغزو والاستباحة والاحتلال.

لا تستطيع أن تتصور يا صديقي مواطنا جنوبياً يحصل على مقابلة الطبيب والفحص والأشعة والعملية الجراحية المعقدة والخطيرة والدواء والمجارحة والمنحة العلاجية في الخارج كل هذا مجانا، فيتفاجأ بأن مقابلة الطبيب وحدها بالنسبة له أقرب إلى المعجزة لأنه مطرود من عمله وليس لديه مصدر دخل يسد منه أبسط حاجاته الضرورية، وقد يفقد أحد أفراد أسرته بسبب عدم قدرته على توفير كلفة العلاج..

لا تستطيع أن تتصور أن موظفاً عنده شهادة عليا وخدمة ١٥ أو ٢٠ سنة وربما أكثر وأكبر من عمر الدولة اليمنية، يتفاجأ بأنه ممنوع من دخول مرفق عمله الذي خدم فيه كل عمره الوظيفي، لأنه محسوب على الطرف السياسي المهزوم في حرب ظالمة، ولا إن ترى عسكرياً أمياً وافداً من أقاصي عمران أو المحويت أو سنحان يتحكم في ما تقوله وما تفعله ويمكن يصدر أمراً باعتقالك، ولا تدري متى تستعيد حريتك؟

قال لي لا تتصورون أن الشمال والشماليين لا يعانون من الظلم مثلكم وأكثر منكم لكنكم تفكرون بأنفسكم فقط وتنسون إخوتكم الشماليين.

قلت له :
يا صديقي! الجنوب دخل الوحدة اليمنية الموؤودة، كدولة وليس كمجموعة محافظات، دخل كدولة يتمتع فيها الشعب بكل ما تعرضت له من مزايا ومصالح واعتبارات اخرى يطول الحديث فيها.

والجنوب وقع في المظلومية بفعل حرب وغزو واجتياح وإسقاط دولة ولم يكن محافظة شمالية ورث الظلم منذ عهد الإمامة.

دولة الجنوب العادلة ستكون مكسباً للشماليين والجنوبيين على السواء، ولذلك يفترض على المثقفين ودعاة الدولة المدنية والمدافعين عن الحريات العامة وحقوق الإنسان أن يدعموا نضال الشعب الجنوبي لا إن يقفوا في طريقه بحجة الدفاع عن "الوحدة اليمنية" التي لم يعد لها وجود لا على الأرض ولا حتى في وعي الناس ومشاعرهم، وهذا بطبيعة الحال، لا يعني أن الشعب الشمالي يعيش في النعيم.

شخصياً أشعر بالتضامن والتعاطف مع ضحايا الظلم والحرمان من أهلنا أبناء الشمال، ويوم ما يثورون ضد الوضع القائم هناك سنكون سنداً لهم، وهذا ما برهنناه أثناء الثورة الشبابية السلمية ويكرره القادة الجنوبين في خطابهم السياسي كل يوم، لكن الجنوبيين الذين هزموا المشروع السلالي التابع لإيران الفارسية، لن يناضلوا منفردين لتحرير الشمال نيابةً عن أبنائه إذا ما كانوا مقتنعين بوضعهم القائم أو عاجزين عن تغييره،

المشكلة أن بعض المثقفين الشماليين، وليسوا جميعهم، لا يشعرون بالأمان والطمأنينة إلا إذا بقي الجنوب تحت احتلال جماعة ١٩٩٤م، ولا أدري ماذا سيخسر المثقف الشمالي إذا ما استعاد الشعب الجنوبي دولته وبقي شعباً صديقاً وشقيقاً وشريكا مع شقيقه الشعب الشمالي.

وتعقيبا على ما قال صديقي بأن قوات( الإنتقالي )تستكمل استلام قصر معاشيق بالكامل ومغادرة آخر كتيبة من الحماية الرئاسية بسلاحها الشخصي، قلت لصديقي:

ليتك أيها العزيز تنظر إلى الأمور بمنظار الموضوعية والواقعية.
إذا صح هذا الخبر فهو تصويب لوضع مختل دام ٣٦ سنة.

بالله عليك قل لي كيف يرأس البلاد المحررة رئيس نازح، قريته تحت سيطرة الحوثي ومديريته ومحافظته وحاضنته الاجتماعية تردد الصرخة؟ ولا يستطيع حشد ألف نفر من بين أكثر من مائة ألف سكان مديريته، ولا أقول محافظته وجمهوريته (السابقة) لمواجهة صاحب الصرخة، هذا فضلاً عن سجله السيئ في علاقته مع الشعب الجنوبي قتلاً وتنكيلاً واعتقالاً ومحاكماتٍ صورية ثم يأتي بعد نزوح ثماني سنوات ليتحول إلى حاكم على ضحايا قمعه.

إذا ما صح أن رشاد العليمي غادر قصر المعاشيق بصورة نهائية، فأعتقد أنه استشعر بقايا ذرة من الحياء فانسحب بهدوء وهذه تحسب له، لأنه لو بقي هناك قد يلاقي الأسوأ من ذوي ضحاياه، الذين تحملوا مع كل الشعب الجنوبي حربه الصامتة ضدهم منذ أبريل 2022م.

وأضفت:
الزمن ماكر، يا صديقي وحلم اليمن الجميل الذي حلمنا به أنا وأنت وملايين البسطاء، تعرض للوأد والدفن على أيدي المتباكين عليه اليوم، الذين لا يمكن أن نكون أنت وأنا منهم.

وأخيراً
أطرف ما يقوله من يدَّعون أنهم مثقفون شماليون (ومن حسن الحظ هم أقلية) هو إنهم يتباكون على الوحدة
فقط حينما ينتصر الجنوبيون على جلاديهم، أما حينما يلغي الحوثيون مضمون الجمهورية ويعلنون حكم السلالة ويدعون الوصاية الإلهية على الشعب اليمني فهذا لا يقلقهم كثيراً، بل إنهم يدعون الشعب الجنوبي إلى الإلتحاق بهم للخضوع لتلك الجماعة ونظريتها السياسية العنصرية المقيتة. . . . .والحديث يطول ويطول.