السبت - 06 ديسمبر 2025 - الساعة 02:45 م
(1)
عندما يكون استقرار الوطن وانتصار قضاياه هو الهدف الأول لأبنائه، فالمؤكد أنهم سيتجاوزون الحلول القائمة على قتل بعضهم وإقصائهم، وسيتجهون إلى الوسائل الأقل كلفة لتجاوز اختلافاتهم حول تلك القضايا. وسيدركون أن وسائل إسقاط المناطق واغتصاب إرادة أهلها لم تعد صالحة لتحرير وبناء الأوطان، وأنها تمثل انتحاراً لمن يعتنقها اليوم!!
(2)
ما حدث ويحدث اليوم لحضرموت وأهلها لا يمكن لعاقل أن يصفه بالتصرف الوطني أو يبني على تداعياته آمالاً لاستقرار مستقبلي، أو يتوقع أن ما حدث سيفضي إلى تصالح مجتمعي وسياسي جنوبي، أو ينتج دولة مستقلة ومستقرة وذات سيادة. فسفك الدماء لا يفضي إلا إلى المزيد منها، هكذا يعلمنا تاريخنا القريب!!
(3)
ما تشهده حضرموت اليوم ليس جديداً ولا يمثل سابقة، فهو يأتي في إطار مخطط دولي يستهدف الأمة عامة وليس اليمن والجنوب خاصة. وقد شهدته قبلها أخواتها عدن وأبين وشبوة وبعض مناطق لحج، يقوم على تمزيق النسيج الوطني الجنوبي لخدمة مشاريع لا يعلم الكثير من الأدوات عنها شيئاً. وسيجد رعاة هذا المخطط صعوبة كبيرة في إقناع كل من له عقل ببراءة مخططهم ومثالية مقاصده وكذلك تمريره!!
(4)
اعتاد متشددو المناطقية في الجنوب الانطلاق في سلوكياتهم العدوانية تجاه محافظات عدن وأبين وشبوة وأجزاء من لحج، من موقفهم تجاه من يصفونهم بتيار (الزمرة) التي ما زالت تمثل لهم صداعًا لم يستطيعوا التعافي منه حتى اللحظة، وأعتقد أنهم سيجدون صعوبة في تبرير اعتداءاتهم على حضرموت وخديعتها والتآمر عليها خارج أهداف الجنوب وقضيته، فهي التي لم تكن يومًا إلا بلسماً يعالج جراحات الوطن التي ألحقها ويلحقها به المتصارعون على السلطة!
(5)
استماتت حضرموت بحكمة ونضج أهلها وتماسك مجتمعها وفاعلية مرجعياتها، وما زالت في الدفاع عن خصوصيتها أمام المشاريع المتطفلة على تلك الخصوصية، وذلك على مدى سنوات الحرب غير الشريفة التي تعصف بالوطن. وكانت حضرموت تمثل الإشراقة المتجددة لنصرة قضايا الجنوب، والمحطة التي يلتقط فيها الجنوبيون أنفاسهم بعد كل خطوة عبث مناطقي يتعرضون لها على أيدي أدوات المشاريع المشبوهة، وهو الأمر الذي أزعج البعض فتجشم عناء إنتاج وإخراج مسرحية الفتح والتحرير لمحافظة كانت هي الوحيدة المحررة فعلًا!!
(6)
ما حدث ويحدث اليوم في حضرموت بأهميتها السياسية والاقتصادية للداخل والخارج يضع حجر أساس لصراع طويل لن ينتهي إلا بسقوط حضرموت من خارطة الجنوب السياسية والجغرافية، فلا تحريراً ولا استقلالاً كما يروج البعض في إعلامه لتبرير جريمته ومداراة انكشاف عورته، وللسخرية من أتباعه. وستكون لهذه السقطة تبعاتها بدءاً من إطالة أمد الحرب والفوضى والعبث بالسيادة والثروة، إلى المزيد من المعاناة للشعب الذي بات يرى في الموت سفينة نجاة مما يعانيه!!
(7)
عندما يكون دافع الفعل وطنياً، فالشفافية تكون عنواناً لذلك الفعل، ولكن عندما تتم الأمور على أساس خالٍ من الوطنية ومخالف للمصلحة العامة، ويكون في الأمر ما يعيب، فإن الشفافية تكون شاهد إثبات غير مرحب به، وتصبح صورة المشهد كما نراها اليوم في حضرموت وغيرها من محافظات الجنوب!!
(8)
يعلمنا تاريخنا الجنوبي أن الدم لن يجلب إلا الدم، وبناءً على هذه الحقيقة المؤلمة، اجتهدنا ومعنا الكثير من رفاقنا أثناء مشاركاتنا في لجان التأسيس للممثل الوطني الجنوبي في وضع مجموعة من الأسس التي رأينا أنها تحمي الجنوب من العودة إلى مربع صراعاته. ومن تلك الأسس: التمثيل الوطني للمحافظات الجنوبية وفقًا للمساحة والسكان، وأن تتولى كل محافظة اختيار مرشحيها دون وصاية، وأن يتم انتخاب الهيئات من الأدنى إلى الأعلى بالاقتراع السري، وتدوير المهام والمسؤوليات حتى لا نقع في أخطاء صناعة الأصنام!
(9)
كانت دائمًا تواجه الجنوبيون عقبة كأداء تتمثل في تيار (الطغمة) الذي يرى أن تاريخ ميلاد الجنوب السياسي يبدأ من 13 يناير 1986م، وأنهم يمثلون أهل الحق بالولاية على هذا الجنوب، وهم ذاتهم اليوم من يتصدرون مشهد العبث بحضرموت لنفس تلك القناعات ولصالح مشاريع لا علاقة لها بالجنوب!
(10)
كيف لأبناء الجنوب بعد كل هذا العبث أن يأمنوا لمستقبل تدعو إليه جماعة تتخذ من اقتحام محافظاتهم وانتهاك حرمات بيوتهم وتمزيق أواصر الأخوة معهم وقتل أبنائهم وسائل للتعامل معهم، لمجرد أن كفيلها الإقليمي أمرها بذلك، أو لمجرد أنها رأت فيهم عائقًا أمام آمالهم الخاصة، أو لمطالبتهم بأسس للشراكة في إدارة شؤون الوطن، أو لمجرد أنهم عبروا عن رفضهم لتركيبتها المناطقية والقروية؟ كيف لهم أن يقبلوا بالعيش مع جماعة تعيد تكرار صور الماضي الجنوبي السوداء وتؤسس لمستقبل يحاكي ماضي المقابر الجماعية والمحاكمات الصورية والفرز المناطقي؟
(11)
سيواصل العابثون رقصهم على جثامين أبناء حضرموت كما رقصوا على جثامين أبناء عدن وأخواتها الجنوبيات، وسيمعنون في تمزيق الممزق من النسيج الجنوبي. وبعد كل حالة غياب عن الوعي تمسهم، سيفيقون على واقع لن يجدوا فيه أمامهم إلا المزيد من الرفض والرافضين لسلوكياتهم. فالجنوب بإرثه الثقافي والسياسي والاجتماعي لا يمكن لعصابة أو حزب أو جماعة أو قبيلة أو منطقة أن تخضعه أو تحتويه، حتى وإن كانت الصهيونية لها ظهير!!
عبدالكريم سالم السعدي
6 ديسمبر 2025م