عرب وعالم

الجمعة - 19 ديسمبر 2025 - الساعة 12:00 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


قطع البيان الصادر عن الرئاسة المصرية، الخميس، مع المضمون الدبلوماسي المعهود في التطرق للمعضلة السودانية، ورسم بشكل واضح وحازم "خطوطا حمراء" لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها، فيما يتعلق بالحرب الدائرة في البلد الجار، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت مصر مستعدة للتدخل العسكري في حال تم تجاوز تلك الخطوط، خاصة وأن الرئاسة أشارت إلى استعدادها لتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين؟.

ويعكس بيان الرئاسة المصرية، الذي جاء بمناسبة زيارة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى القاهرة، وجود تخوفات جدية من أجندة تستهدف تقسيما جديدا للسودان، على ضوء ما يجري على الميدان، حيث نجحت قوات الدعم السريع في فرض قبضتها على إقليم دارفور غرب البلاد، وهي تتمدد حاليا بدعم من "الحليف الجديد" الحركة الشعبية- قطاع الشمال بزعامة عبدالعزيز الحلو في إقليم كردفان المجاور.

وأعربت الرئاسة المصرية في بيانها عن "قلقها البالغ من استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر"، في إشارة إلى سيطرة قوات الدعم السريع في السادس والعشرين من أكتوبر على عاصمة شمال دارفور، وبالتالي خسارة الجيش السوداني لآخر موطئ قدم له في الإقليم الاستراتيجي.

وأكدت الرئاسة المصرية "أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها باعتبار أن ذلك يمس مباشرة الأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطًا مباشرا بالأمن القومي السوداني".

وشددت في البيان "على أن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني هي أحد أهم هذه الخطوط الحمراء، بما في ذلك عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان".

وجددت في ذات السياق رفضها القاطع لإنشاء أية كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه، في إشارة إلى الحكومة الموازية التي شكلتها قوات الدعم السريع مع عدد من القوى المسلحة والسياسية في غرب البلاد.

وقال بيان الرئاسة المصرية إن "الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بهذه المؤسسات هو خط أحمر آخر لمصر، وتؤكد مصر على حقها الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين الشقيقين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها".

وإلى وقت قريب حرصت مصر على تبني لغة دبلوماسية هادئة نسبيا، رغم تأكيدها المستمر على دعمها للمؤسسة العسكرية السودانية وباقي مؤسسات الدولة، لكن تسارع الأحداث الميدانية، وما يرافقه من تسريبات عن قيادة الدعم السريع لمخطط تقسيمي، دفع مصر إلى الخروج من مربع الدبلوماسية "الناعمة" وتبني "لغة خشنة".

ويشير محللون إلى أن الموقف المصري الأخير يعكس استعداد القاهرة لجميع السيناريوهات، ومنها فرضية التدخل العسكري، في حال تم المساس بأحد الخطوط الحمراء التي أعلنتها الرئاسة المصرية.

ويقول المحللون إن موقف القاهرة وإن بدا مفاجئا للبعض، لكن له دوافعه فما يحدث بالسودان يشكل تحديا كبيرا للأمن القومي المصري، وينذر بفرض وقائع جديدة على خارطة النفوذ في المنطقة.

ويوضح المحللون أن المخاوف المصرية تنسحب أيضا على السعودية التي لا تخفي بدورها هواجسها حيال ما يجري في السودان بالنظر لتأثيراته المباشرة على أمنها القومي.

وقبل زيارته إلى القاهرة، كان البرهان زار الرياض بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وأجرى قائد الجيش السوداني هناك لقاء مع المبعوث الأميركي للسودان مسعد بولس، أعلن بعده البرهان عن استعداده للتعاون مع الإدارة الأميركية لتحقيق السلام وإنهاء الحرب في بلاده.

وفي نوفمبر الماضي، حرص ولي العهد السعودي خلال لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض على طلب تدخل الأخير بشكل مباشر لوضع حد للصراع الدائر في السودان.

ويقول المحللون إن هناك تنسيق مصري- سعودي على أعلى مستوى فيما يتعلق بالسودان، حيث يدرك الجانبان أنهما معنيان مباشرة بأي مخططات يجري العمل عليها في هذا البلد.

ويلفت المحللون إلى أن الرياض تحرص على معالجة الصراع السوداني دبلوماسيا وهي تقود حاليا جهودا حثيثة للدفع نحو تهدئة يتم من خلالها التوصل إلى تسوية مستدامة، لكن الأمر يبقى رهين مدى تجاوب طرفي النزاع ولاسيما قوات الدعم السريع التي تشعر حاليا أنها في موقع قوة يتيح لها تحقيق المزيد من الانجازات العسكرية، وإن أبدت في السابق ترحيبها بهدنة الرباعية.

ويوضح المحللون أن مصر تتابع عن كثب الجهود الدبلوماسية الجارية لكونها طرف أيضا في الرباعية الدولية المعنية بالسلام في السودان، لكن أي فشل قد يدفعها إلى تبني التدخل العسكري، باعتباره خيار الضرورة.

وجددت الرئاسة المصرية في بيانها حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار الرباعية الدولية بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية.

وأكدت على دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار في السودان، وذلك في إطار توجه الرئيس ترامب لإحلال السلام وتجنب التصعيد وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم.