منوعات

الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 - الساعة 05:49 م بتوقيت اليمن ،،،

عيدروس نصر


ابتداء من اليوم سأواصل معكم نشر فصول الجزء الثاني من مشروعي الروائي الرباعي (حنين الأماكن) والمسمى بـ"شغف الأزمنة"، بعد أن شاركتموني متابعة فصول الجزء الأول من المادة الروائية طوال فترة ليست قصيرة، والذي اتخذ العنوان الرئيسي، للرواية بأجزائها الأربعة (حنين الأماكن)

ولن أغششكم بمحتويات الكتاب- الرواية، فهي ستكون بين أيديكم طوال فترة نشر موادها على هذه الصفحة، فقط أفيدكم بأنني سأكون سعيداً بتلقي تعليقاتكم ومشاركاتكم وإعجاباتكم، (أو عدم إعجاباتكم) عبر هذه الصفحة ، وقبل الولوج في فصلها الأول أرجو أن تتقبلوا تحياتي وتقديري وصادق تمنياتي لكم فرداً فردا بتحقيق كل ما تتطلعون إليه من أحلام وأمنيات وآمال
عيدروس نصر

الفصل الأول

الأزمنة هي دوران الأشياء وحركتها التي لا تعرف التوقف، وعندما تدور الأزمنة يدور كل شيء في هذا الكون الكبير الممتد بلا بداية والمتسع بلا نهاية ، . . إنها سفرٌ أزليٌ أبديٌ يكتسح مسيرة الظواهر والأشياء ويتخلل الأحداث والأفعال ويتحكم في النوايا والرغبات ويغمر الأحلام والآمال والتطلعات، ويصاحب الحيوات والمماتات دون أن نعرف له بداية في المكان ولا نهاية له في الزمان.

الأزمنة ليست فقط الثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع، وليست الأشهر والسنوات والعقود والقرون والحقب الطويلة أو القصيرة، . . إنها عنوان التغيير ووعاء الأفراح والأحزان ومستودع التحولات الكبرى والصغرى، . . إنها حركة المادة بمختلف تمظهراتها وصيرورتها كما يقول الفلاسفة، أما المؤرخون فيسمونها بمعلم الناس تاريخهم ومسارات حيواتهم وحيوات أجدادهم وآبائهم وأبنائهم وأحفادهم منذ بدء الخليقة حتى يرث الله الأرض والكواكب والنجوم والمجرات ومن عليها وما عليها، مثلما إنها نهر الحب ومسار العشق وبوتقة الحنان التي لا تعرف التوقف ولا السكون ولا النضوب، كما يصورها الشعراء الرومانسيون، فالزمن إذن ليس سوى مسارٍ للأحداث وصيرورة أبدية للتغير والتغيير. . . . التغيير الذي يصنعه صانعٌ ما والتغيُّر الذي يجريه الناسُ على ذواتهم وأحوالهم ومسارات حيواتهم.

الأزمنة هي نحن البشر بأفعالنا وأقوالنا وخيالاتنا وسلوكنا وعواطفنا وتمنياتنا، وقناعاتنا وقيمنا التي نؤمن بها ونضحي من أجلها، هي الأفعال والممارسات، والأحداث والتحولات، هي الفرح والحزن، وهي الرضى والغضب، هي السعادة والبؤس والقناعة والطمع، هي الخوف والأمان والطموح واليأس وهي كل ما يفعله البشر وما ينفعلون به من الأحداث والظواهر والعلاقات والتفاعلات والقيم والأفكار.

الأزمنة ليست زمناً واحداً فلا هي يومٌ ولا عام ولا حتى قرنٌ أو مجموعةُ قرون، بل هي الدهر بكاملة ، ولأن تجزأت أحياناً فإنما بسبب اختلاف الأحداث وتباين ميادينها واتجاهاتها، فزمن الحب غير زمن الثورة، وزمن الفرح غير زمن الأحزان، وزمن التراجع والمراجعة ليس زمن الانتصار والزهو بهزيمة العدو، وزمن العشق والهيام غير زمن الصد والخصام، لكن الزمن يظل وعاء كبيراً حاوياً لكل ما يعتمل في حياتنا وقبل حياتنا وبعدها من أحداث وتفاعلات وتحولات وتبدلات .

الأزمنة لا تعرف السكون لأنها في حالة صيرورة أبدية بلا بداية ولا نهاية، وما نعتقده من سكون إنما هو سكون وهميٌ يتقمص مشاعرنا وينزرع في أوهامنا، وربما رغبتنا في السكون حينما تكون الحركة لا ترضينا، أما الزمن الحقيقي زمن الله ومخلوقاته إنما هو زمن الحركة التي شملت كل شيء من حركة النجوم والكواكب والمجرات، إلى حركة الحشرات والكائنات الدقيقة من فيروسات ومخلوقات وحيدة الخلية من أميبا وبكتيريا وغيرها حتى حركة الذرات ومكوناتها من إلكترونات وبروتونات ونيوترونات.

الأزمنة هي نحن، بنو الإنسان بما نعيشه ويعشينا، بما نعمله ويعتمل فينا، بما نشعر به ونحسه وننصهر فيه من أحاسيس الحب والكره، الشغف والنفور، الفرح والحزن ، التفاؤل والتشاؤم ، الإحباط والطموح . . إنها حياتنا ووجودنا ووجود كل المخلوقات الجمادية والنباتية والحيواينة والبشرية، منذ إن خلق الله الكون وما فيه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.