أخبار عدن

السبت - 03 مايو 2025 - الساعة 06:48 م بتوقيت اليمن ،،،

بلال غلام


منذ اندلاع ما سُمي بـ"ثورة 14 أكتوبر 1963"، التي تم تأريخها كبداية لتحرر الجنوب اليمني المحتل من الاستعمار البريطاني، لم تنعم مدينة عدن بالحرية التي وُعدت بها، بل انتقلت من هيمنة استعمارية خارجية إلى استحواذ داخلي يتسم بالتمييز الطبقي والإقصاء الجهوي ..

كانت عدن، قبل الثورة، حاضرة اقتصادية وثقافية وتنويرية في الجزيرة العربية، تمتعت ببنية تحتية متقدمة، ونظام إداري وقانوني حديث، وحياة مدنية استثنائية بالمقارنة بمحيطها.

لكن عقب الانسحاب البريطاني عام 1967، بدأت مرحلة جديدة من التهميش الممنهج للمدينة، حيث تم وصم أبنائها بأنهم "عملاء الاستعمار"، لا لشيء إلا لأنهم كانوا يشكلون العمود الفقري للإدارة والخدمات المدنية في عهد الإستعمار البريطاني، وتم تسريح مئات الموظفين العدنيين من وظائفهم، ومصادرة ممتلكاتهم، بل وحتى تشويه سمعتهم الوطنية ..

لقد كان ذلك أول أشكال الحقد الطبقي الذي مارسته القوى القبلية الصاعدة آنذاك، التي استولت على السلطة، وكانت ترى في عدن نموذجاً مغايراً لثقافتها الريفية والانقلابية، ويجب محوها.

وما زاد الطين بلة أن كل مرحلة سياسية تلت ذلك، من مرحلة الجبهة القومية، إلى الحزب الاشتراكي، ثم ما بعد الوحدة في 1990، فحرب 1994، وحتى المراحل التي تلتها، كانت تعيد إنتاج شكل من أشكال "الاستعمار الداخلي" لعدن، حيث يتم استخدامها تحت مسميات فضفاضة، ومنها؛ عاصمة مؤقتة، أو ميناء استراتيجي، أو منفذ اقتصادي، دون أن تُمنح حقها في تقرير مصيرها أو إدارة شؤونها بيد أبنائها.

إن ما يجري في عدن ليس مجرد صراع سياسي، بل هو امتداد لحقد طبقي دفين، قائم على كره المدينة المدنية الحديثة التي تمثل نموذجاً مختلفاً عن البنى التقليدية المحيطة بها .. وقد أدى هذا الحقد إلى محو هوية عدن، وتشويه ذاكرتها، وحرمانها من التنمية، وتفكيك نسيجها الاجتماعي.

عدن لا تحتاج فقط إلى "تحرير سياسي"، بل إلى مصالحة حقيقية مع تاريخها، تعترف فيها القوى المختلفة بمظلومية المدينة وأبنائها، وتُعاد فيها الحقوق المعنوية والمادية، ويتم الاعتذار العلني عن ما لحق بهم من إقصاء وتشهير وتشويه .. وحدها هذه المصالحة قد تفتح الباب أمام عدن لتنهض من جديد وتستعيد دورها الحضاري كما كانت في السابق.