أخبار وتقارير

السبت - 07 يناير 2023 - الساعة 10:42 م بتوقيت اليمن ،،،

كرم أمان / أشرف خليفة


المشهد هنا أبلغ من أي كلام، واقع مؤلم يعانيه مركز الغسيل الكلوي في مستشفى الصداقة، في العاصمة المؤقتة عدن جنوبي اليمن، وسط صمت حكومي مطبق منذ سنوات.

عائشة طفلة يمنية ذات 11 ربيعا تنتظر موعدها لإجراء جلسة جديدة لغسيل الكلى كونها تعاني من فشل كلوي منذ أشهر.


"كانت زهرة المنزل وبهجته وحيويته , ومنذ أن بدأنا لها بجلسات الغسيل الكلوي مؤخرا خفتت بسمتها وتوارت بين وجه متعب حزين ، وصمت كامل ، وأنين الامها التي تحاول كتمها بداخلها".

هكذا استقبل المواطن أحمد عبده حسن والد الطفلة اليمنية عائشة، إرم نيوز ، أثناء وقوفه بجانب سرير طفلته في مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الصداقة ، أحد أكبر المستشفيات الحكومية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن جنوبي البلاد .

ويعد مركز الغسيل الكلوي الصغير في مستشفى الصداقة ، ثاني مركز حكومي للغسيل في عدن ، بعد مركز مستشفى الجمهورية ، حيث تم افتتاحه في العام 2014 ، وتحول إلى مركز رئيسي في عدن خلال حرب الحوثيين في العام 2015 ، بسعة سريرية تبلغ 15 سرير ، فيما يبلغ عدد الكادر الطبي في المركز 7 ممرضين و أطباء ، بينهم 2 موظفين أساسيين و 5 متعاقدين منذ سنوات .

معاناة مريرة

ظهر والد عائشة شاحب الوجه ، وآثار السفر والانهاك تبدو واضحة على ملامحه ، وهو يتحدث لإرم نيوز عن معاناة المرض والسفر مع طفلته ، حيث قال أنه يتجرع مع طفلته مرارة السفر وتحمل التكاليف الباهظة للتنقل ثلاث مرات في الأسبوع من مديرية طور الباحة في محافظة لحج إلى مركز الغسيل الكلوي في عدن لاجراء جلسات الغسيل لطفلته منذ شهر يوليو / تموز الماضي .

ويضيف أنه لم يتمكن من ادخال طفلته عائشة إلى المدرسة ، كونها ظلت لسنوات تعاني من المثانة ، وصعوبة التبول إلا باستخدام القسطرة، وجراء الأوضاع المعيشية الصعبة التي منعتنا من استعجال علاجها ، جميعها كانت أسبابا لإصابتها بالفشل الكلوي مؤخراً وتحديدا منذ منتصف العام 2022 ، وبدء جلسات الغسيل الكلوي لها في عدن.

وأوضح أن كان مقررا لها ثلاث جلسات غسيل في الأسبوع ، ولكن بسبب صعوبة التنقل وتكاليف السفر بين لحج وعدن نجري لها غسلتين فقط بالأسبوع ، مشيرا إلى أنه قام خلال الشهر الماضي بترك منزله في لحج واستئجار منزل صغير في عدن ليتمكن من مواكبة علاج طفلته وجلسات الغسيل الأسبوعية .

وأكد والد الطفلة أنه حاول منذ أشهر طرق أبواب وزارة الصحة لمساعدته في علاج طفلته بالخارج وفقا للتقرير الطبي الخاص بها ، إلا أنه يبدي حسرة من عدم تجاوب أي من الجهات الرسمية مع العديد من مناشداته ونداءات الاستغاثة التي يطلقها .

حرام عليكم، أتقوا الله

وعلى امتداد ذلك المركز الكلوي كانت جميع الأسرة مشغولة بحالات الفشل الكلوي من الجنسين ، وسط رعاية صحية من الطاقم الطبي برئاسة الدكتورة جبين عبدالشكور ، التي أبدت حسرتها من عدم تجاوب كافة الجهات الرسمية والمختصة بالمركز والدور الكبير الذي يقدمه منذ سنوات .

وقالت الدكتورة جبين في حديث لإرم نيوز أن المركز يستقبل عشرات الحالات يوميا ، معظمهم يأتون من محافظات ومناطق بعيدة خارج عدن ، مثل المخا والخوخة وباب المندب ولحج والعند وأبين وأحيانا من شبوة ، مشيرة إلى أن المركز يجري 30 غسلة منظمة باليوم الواحد ، وبواقع 960 غسلة خلال الشهر ، هذا بالإضافة إلى استقبال حالات طارئة أخرى تلجأ للمركز من أقسام المستشفى من مستشفيات أخرى .

وأكدت أن المركز يعاني بشكل دائم من اختناقات وصعوبات في إجراء الغسيل لكافة الحالات ، حيث أن المركز يفتقر كليا من أي موازنة تشغيلية ، ولا يوجد أي شكل من أشكال الدعم الحكومي الرسمي ، لافتة أن المركز يعمل بدعم من فاعلين الخير فقط ، أو من خلال تواصل قيادة المستشفيات مع منظمات خارجية أو محلية ، متسائلة "إلى متى سيستمر الترقيع والحال هذا ؟".

وأشارت إلى أن إدارة المركز وإدارة المستشفى تقدموا عدة مرات بمناشدات ونداءات استغاثة ومذكرات رسمية لوزارة الصحة والحكومة والرئاسة وكذلك محافظ عدن وغيرهم ، موضحة أنه في كل مرة يتلقوا وعودا و لم يتم الايفاء بها .

وتشير الدكتورة جبين بيديها إلى الحالات التي تجري عمليات غسيل كلوي ، متحدثة بحسرة عن المعاناة التي يتجرعوها يوميا من أجل الوصول إلى المركز والتكاليف الباهظة التي يتكبدوها في السفر والتنقل ، قبل أن يرتفع صوتها لتقول للجهات المعنية : "حرام عليكم أتقوا الله ، إلى متى سيستمر تجاهل مطالب ومناشدات المركز ومرضاه ، حتى الطاقم التمريضي يعمل بمرتبات زهيدة جدا لا تساوي 55 ألف ريال يمني (50 دولار) ، ومع ذلك نعمل ونواصل عملنا ".


دعم بسيط من متبرعين

وأعلن مركز الغسيل الكلوي في مستشفى الصداقة في أواخر العام 2022 اغلاق أبوابه والتوقف عن استقبال أي حالات مرضية جديدة ، عقب نفاد كافة المحاليل الخاصة بالغسيل ، وهو ما استدعى من بعض الناشطين اطلاق نداءات استغاثة ومناشدات عاجلة على منصات التواصل الاجتماعي .

وكان مكتب الصحة في محافظة المهرة أول المتجاوبين مع المناشدات ، حيث قدم كميات من المحاليل تكفي لـ 1000 غسلة ، قبل أن يقدم عضو مجلس الرئاسة العميد طارق صالح دفعة مماثلة من المحاليل ، حيث تشير رئاسة المركز أن ألف غسلة يكفي لمدة شهر واحد وبضعة أيام .


إلى متى؟

من جانبه , تحدث الدكتور ياسر الوالي القائم بأعمال مدير عام مستشفى الصداقة في عدن ، عن الصعوبات والتحديات الكبيرة التي يواجها مركز الغسيل الكلوي في المستشفى ، حتى وصل إلى الإغلاق الكلي أمام المرضى مؤخراً ، قبل أن يتم تقديم دفعة اسعافية من المحاليل اللازمة من مكتب الصحة في محافظة المهرة شرق اليمن ، ودفعة أخرى مقدمة من العميد طارق محمد صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي ، قائد المقاومة الوطنية في الساحل الغربي .

وأكد الوالي أن الميزانية التشغيلية لمستشفى الصداقة ضئيلة مقارنة مع حجم المستشفى وما يقدمه من خدمات كبيرة ، ومع ذلك فإن إدارة المستشفى تقوم بدفع حوافز بسيطة للطاقم الطبي العامل في مركز الغسيل الكلوي الذي يعاني من عدم وجود أي ميزانية تشغيلية له منذ افتتاحه ، لافتاً إلى أن كافة الجهات المختصة الرسمية لم تلتفت لمركز الغسيل في مستشفى الصداقة ، مثل ماهو معمول به مع مركز مستشفى الجمهورية الذي لديه ميزانية تشغيلية ودعم من مختلف الجهات .

وتمنى الوالي أن يتم تجنيب القطاع الصحي والمستشفيات ومنها مستشفى الصداقة من أي مماحكات سياسية ، مؤكدا أن هذا مرفق حكومي ومؤسسة تابعة للدولة , ويجب أن يخصص له ميزانية تشغيلية ثابتة ، وعدم الاتكال على التبرعات والدعم المقدم من فاعلين الخير والمتبرعين والمنظمات.

وتساءل في ختام حديثه: "إلى متى يستمر ذلك التجاهل الحكومي وتلك المعاناة لمرضى الفشل الكلوي؟".

عدن.. واقع مؤلم ومشهد أبلغ من أي كلام وسط صمت حكومي مطبق "فيديو"