منوعات

الجمعة - 18 نوفمبر 2022 - الساعة 11:09 ص بتوقيت اليمن ،،،

إرم نيوز


على الرغم من كل التغييرات التي نمر بها، لا تزال لدينا القناعة والشعور بأن هناك شيئًا باقيا في الخفاء يمكننا التعرف عليه دائمًا، هل هو جوهرنا؟. ما هو جوهر الشخص حقًا؟.

إننا نعيش دومًا في عالم متغير، إذ نواجه تحديات جديدة كل يوم، على الرغم من أن الروتين قد يجعلنا نعتقد أن الأيام هي نفسها، إلا أن كل يوم يمر يختلف عن اليوم السابق حتمًا، والواقع يتغير ونحن كذلك، فلماذا لدينا إحساس بالتغيير أقل مما هو موجود بالفعل؟.


هذا الإدراك بالثبات والاستمرارية هو بالتحديد ما يدفعنا إلى حد كبير نحو هذا الشعور بالديمومة، ما هو هذا الجوهر بالضبط؟. هل نولد به أم إننا نبنيه باستمرار؟. إذا ولدنا به، فهل نحن مصممون على أن نظل كما نحن؟. أما إذا كان بناءً، فكيف نبنيه؟.

وفقًا للتقرير الذي نشره موقع nospensees يوم الخميس، نقصد بـ "جوهر الشخص"، مجموعة الصفات أو السمات أو الخصائص التي تجعل هذا الشخص على ما هو عليه، والجوهر ثابت أو غير قابل للتحول عمليًا. بالفعل قد يكون الشخص مختلفًا عن الطريقة التي يتعرف بها على نفسه ويتم التعرف عليها إذا هي تغيرت.

يمكننا مماثلة هذا المفهوم بمفهوم الهوية، والذي يُعرف بأنه مجموعة من المعتقدات والسلوكيات وطرق الشعور التي تجعلنا كما نحن عليه وتميزنا عن الآخرين، وتصبح هذه الهوية بمثابة بناء يمنحنا شعورًا بالديمومة والتفرد.

لكن ما الذي يدعم هذا الشعور بالديمومة؟. هل هو تكويننا الجسدي أم سماتنا السيكولوجية؟. دعونا نتأمل ذلك، بدأنا من الافتراض القائل إن الجوهر يعني كل ما هو ثابت فينا، أي ما يبقى في الشخص، فهل مورفولوجيتنا ثابتة؟.

تبين لنا التجربة العملية كل يوم أن الأمر ليس كذلك، وبمرور الوقت تتغير أجسادنا وتتقدم في العمر. لذلك فإن هذا الشعور بالديمومة لا يأتي من بيولوجيتنا.

هل خصائص سماتنا السيكولوجية هي أساس هذا الشعور بالديمومة؟

فليكن!. تتغير أفكارنا وتتغير طرق إحساسنا بالعالم واختباره من لحظة إلى أخرى. على أي مستوى، وحتى سيكولوجيًا، نحن متطابقون في سن الخامسة وحتى سن العشرين، حيث يتقلب التطور المعرفي والعاطفي من مرحلة إلى أخرى في الحياة. لذلك من الناحية السيكولوجية نحن لسنا متماثلين دائمًا. هناك اختلافات، وإن كانت طفيفة، لذلك فإن إدراكنا للديمومة لا يأتي من التجربة المباشرة لصفاتنا السيكولوجية.

إذا كان كل شيء يتغير، الجسد والعقل، فمن أين يأتي هذا الشعور بالديمومة؟. إنه يأتي من الاعتقاد بأننا لا نتغير، ومن التحيز التأكيدي الذي يدفعنا إلى البحث عن معلومات تؤكد لنا هذا المفهوم. هذا الاعتقاد هو الذي يبدو أنه لا يتغير، ولكن ليس لأنه كذلك في الأساس، لأننا نقاوم تغييره ونقاوم التغيير نفسه.

عندما يتغير كل شيء ولا يتغير الشخص، يمكننا القول إنه لا يعني ذلك أن الشخص نفسه لا يتغير، بل إنه يقاوم التغيير. هذا لا ينبغي أن يفاجئنا، فنحن جميعًا بالفعل نفعل ذلك لأن فكرة الثبات التي ربطناها بالهوية تمنحنا الأمان بأننا الشخص الذي نريد. إذا كنت أتغير باستمرار، فمن أنا الآن؟. من الأفضل تجنب قلق عدم المعرفة والشعور بالأمان بأنني حقًا شيء قائم بذاته.

الجوهر.. فطري أم مصطنع؟

هل نأتي إلى العالم ونحن محدَّدون مسبقًا بجوهر يحدد من نحن لبقية حياتنا، أم أننا نحن من نبني هذا الجوهر؟. من وجهة النظر الوجودية والنفسية يمكننا القول إن كل الجوهر يبني نفسه انطلاقًا من الوجود. كما قال جان بول سارتر: "الوجود يسبق الجوهر"، فنحن موجودون أوّلًا، ثم نصبح كما نحن الآن. نحن لا ندخل هذا العالم مهيّئين مجهَّزين مسبقًا، بل نهيَئ ونشكَل ذواتنا فيه.

إذًا، نحن موجودون أوّلاً، أي أننا نطفو في العالم، ونظهر وندخل المشهد في بنية اجتماعية راسخة، ثم نعرّف أنفسنا: "أنا طبيب"، "أنا أب"، "أنا شخص ذو شخصية كاريزمية".

وبالتالي، فإننا لم نولد بالفعل على ما نحن عليه الآن. نحن نصنع أنفسنا من خلال الارتباط بالعالم وبالآخرين. نحن نعلم الآن بالفعل أن الأساسيات في حياتنا يتم بناؤها. ولكن كيف؟. لمعرفة ذلك، سنركز على التفسير البيولوجي النفسي الاجتماعي، والذي سوف نفهم فيه أن بناء جوهر الشخص يتم من التفاعل المتبادل أو العلاقات المتبادلة لعدة عوامل بيولوجية وسيكولوجية واجتماعية.

البناء البيولوجي النفسي الاجتماعي لجوهر الشخص

بيولوجيتنا جزء مهم من شخصيتنا، حيث تلعب الجينات دورًا مهمًا في شخصيتنا، وبالتالي فإن جزءًا من جوهرنا يعتمد على التراث الجيني لوالدينا.

لكن هذا التأثير لا ينبغي أن يُفهم على أنه محدَّد وثابت، بل يُفهَم على أنه احتمالي. أي لدينا قابلية جاهزة تنشط أو لا تنشط بحسب البيئة.

يلعب العامل النفسي دورًا مهمًا آخر في بناء الجوهر، حيث إن ما نفكر فيه وما نؤمن به، وكيف نشعر ونتأثر في العالم، كل ذلك يشكل نمطًا إدراكيًا وسلوكيًا وعاطفيًا لشخصيتنا وعلاقتنا بها.

على المستوى المعرفي، فإن القصص التي نبنيها حول ما يحدث لنا وحول أنفسنا تؤدي إلى تقوية الجوهر المذكور. من خلال هذه القصص نظل نحافظ على قصة متماسكة تعزز مَن نحن.

هذان العاملان ينتشران ويتعززان في سياق معين، ضمن هيكل اجتماعي لا تتدخل فيه المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية فحسب، بل المتغيرات العائلية أيضًا.

إن التعليم الذي يقدمه لنا آباؤنا أو أحباؤنا عنصر أساسي في تأكيد مَن نحن وفي تفعيل استعداداتنا الجينية. تؤسس لنا البيئة نموذجًا مثاليًا للوجود، وتقويه، وتشكله، وتحدده وفقًا لتوقعاتنا الخاصة.

الجوهر والتغيير

إذا أردنا تحديد جوهر الشخص أو الكائن البشري بشكل عام، يمكننا المجازفة بالقول إنه التغيير والتفاعل البيولوجي والاجتماعي والنفسي. على الرغم من أننا نشعر بأننا لا نتغير، أو أننا لا نقاوم حتى نستمر في إعادة التأكيد على أن ما نعتقد أننا عليه، فإن هذا لا يعني أننا لسنا تغييرًا مستمرًا، وتحوّلًا مستمرًا.

وإذا كان صحيحًا أن بعض عناصر البعد الإنساني لدينا أكثر استقرارًا من عناصر أخرى، مثل الجينات أو الحمض النووي، فإنه يجب ألا نأخذها كأمر مسلم به، لأن عاملًا واحدًا ليس هو الجوهر، بل بالأحرى هو العلاقة المتبادلة بين مختلف العناصر.