منوعات

السبت - 26 مارس 2022 - الساعة 04:53 ص بتوقيت اليمن ،،،

بقلم الدكتور / عوض أحمد العلقمي

لعل كثيرا من الرحلات تقتصر زيارتها على معرفة شيء من المناظر الطبيعية ، مثل مشاهدة الماء الجاري في الوديان ، و الشلالات الجبلية ، والأشجار الباسقة في الغابات ، وغيرها ، أما رحلتنا فقد كانت زيارة لأحد الزملاء  ، واستذكارا للزمن الجميل  في حوطة العبدلي ، وما أدراك ماحوطة العبدلي ؟ في هذه الأثناء سأل صديقي ردفان : اسمعك تتساءل ، وما أدراك ماحوطة العبدلي ؟ فماذا تعني بترديد هذا القول ؟ اشكرك ياردفان على سؤالك أولا ؛ ولأنك صغير  السن ربما لم تدرك شيئا من عظمة حضارة الحوطة ، وزمنها  الذي عرف بالإنتاج الزراعي ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والفاكهة والخضروات ، فضلا عن الإبداع الفكري ، أيام المدرسة المحسنية ، وابتعاث الطلاب المتفوقين إلى مصر  والشام  ، وليالي المناظرات الشعرية والأدبية ، ومزاهر العود والطرب ، وبروز مدرسة الحوطة الفنية القمندانية التي نافست مدرسة الفن الحضرمية ومدرسة الغناء الحمينية الصنعانية ، أنت ياصديقي ردفان أكاديمي الهوى ، ثائر الهوية ، متأثر بالثقافة الحزبية ، لكن ماذا تعرف ياردفان عن حوطة ماقبل الثورة ؟  حقا ياصديقي أنا عرفت الحوطة مابعد الثورة ، إذ قدمت من جبال ردفان الشماء ، وأقمت فيها بمنزل عمي الذي كان يعمل مديرا لجهاز أمن الدولة  ، تعلمت في مدارسها ، وحبيت أزقتها ، ثم التحقت بأشيد ، قرأت كثيرا عن لينين  ، وأعجبت أكثر بالرفيق استالين . هو هذا كل ماتعرفه عن الحوطة ياردفان ؟ أجل هذا ما أعرفه عن الحوطة . غير أني سأكون لك شاكرا  ياصديقي ،  ومنصتا مستمعا  إذا كان لديك ماتخبرني به عن الحوطة . أجل ياردفان ، انظر على شمالك فذلك قصر من قصور السلطنة العبدلية ،  وهذا آخر على يمينك ، إن هذه كلية الزراعة  ياسيدي ، فكيف تعدها قصرا من قصور السلطنة العبدلية ؟ كلا ياردفان ، إنه قصر السلطان علي عبد الكريم العبدلي ، غير أنه قد تبرع به وبتلك الأرض التي تحتضنه لخدمة طلبة العلم ، أهاه معذرة سيدي فلم أكن أعلم ذلك ، لا بأس عليك ياردفان . هانحن قد اقتربنا من منزل صديقنا ، وهذا مسجد الدولة ، تقصد أن حكومة الثورة هي من بنته ؟ كلا ياردفان ، إنما أقصد دولة السلطنة ، فهي التي بنته ومازال يحمل اسمها إلى اليوم ، وهناك الكثير من القصور والمدارس والمشافي  وقنوات الري وغيرها من الآثار التي شيدتها السلطنة العبدلية ، غير أن حكومة الثورة لم تكن تول ذلك الموروث الاهتمام الكافي ليبقى تراثا شعبيا خالدا يعبر عن هوية هذا الشعب ، بل تركته لعوادي الدهر تعبث فيه كيف تشاء . خرجنا من منزل زميلنا بعد صلاة المغرب ، وقبل أن نغادر الحوطة ، سألت صديقي ردفان ، هل تعرف مطعما شعبيا يقدم لنا طبقا شهيا من فاصوليا الزمن القديم الحوطوية ؟ أجل ياصديقي ، إنني أعرف مطعما في وسط الحوطة يقدم الفاصوليا وسمك الباغة اللذيذة ، ذهبنا إليه ، وإذا به يقدم لنا طبقا من الفاصوليا ، واعتذر عن الباغة ، ثم قدم سمك اللخم بديلا عنها ، غير أن الفاصوليا قد تغير طعمها ولونها كحال أهلها ... وكأن العشاء لم يعجبك ياصديقي ؟ آه أجل ياردفان إن الفاصوليا قد تبدلت أو استبدلت ، تماما ، كالزمن وأهله ، أتدري ياردفان ؟ لقد كانت
الفاصوليا لها نكهة عطرة ، تنافس عبق البخور والمشموم في مدينة الحوطة العتيقة .....