كتابات وآراء


الجمعة - 25 فبراير 2022 - الساعة 02:45 ص

كُتب بواسطة : د. يوسف سعيد - ارشيف الكاتب



غالبا ما يشار في الادبيات الاقتصادية الى ان التضخم هو تضخم سعري و بانه ارتفاع الاسعار . على رغم ان هناك انواع اخرى من التضخم ومنها تضخم التكاليف وغيره وله اسبابة الاقتصادية .

ويعرف التضخم على نطاق واسع بانه "ارتفاع في المستوى العام للاسعار ". بمعنى انه عندما تشهد جميع اسعار السلع والخدمات ارتفاعا كبيرا وفي وقت واحد وخلال فترة زمتية معينة يشهد الاقتصاد حالة تضخمية ينعكس اثره على اوضاع الناس الاجتماعية والمعيشية وتتاثر اوضاع المنتجين والمصدرين والمستوردين على حدا سواء.

لكن عندما يتعلق الامر باليمن فآن الحرب التي تدخل الآن عامها الثامن لها ايضا تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية . حيث تتعاظم الا ختناقات في الخدمات العامة وترتفع مستويات الاسعار في ظل بقاء الاختلالات الاقتصادية العميقة وتنسحب على اسعار سلعة النفط الاستراتيجية .

بعد ان اصبحت اليمن مستور صافي للنفط ومشتقاتة فإن غلا هذه السلعة الاستراتيجية التي تصاعدت اسعارها في الوقت الراهن تاثرا بمايحدث في العالم من تطورات سلبية حيث وصل اسعار برميل برنت 97 دولار للعقود الآجلة في الاسبوع الاخير من شهر فبراير 2022.

وحتما فان هذا المستوى من الاسعار سيؤثر ذلك على مختلف القطاعات والشرائح والدول وعلى مختلف اسعار السلع والخدمات ايضا بما في ذلك اسعار النقل وفي كل المجالات والانشطة الاقتصادية التي تعتمد النفط ومشتقاتة كمدخل من مدخلاتها بمافي ذلك اسعار الاصطياد السمكية.

والتضخم المستورد المقصود فيه ارتفاع تكاليف واسعار المستوردات من بلدان ماوراء الحدود. و هنا يمكن القول ان بلادنا تشهد تضخما حقيقيا وبمستوى يفوق معدلات التضخم العالمية . خاصة وان هذا يحدث بالتزامن ايضا مع تدهور القوة الشرائية للعملةالوطنية. هذا الحال هو مايعانية الاقتصاد اليمني حيث ارتفعت اسعار السلع الاستهلاكية بنسبة بين 100% و 200% بل ارتفعت بعض اسعار السلع الى 300% مقارنة بعام 2020 بمافي ذلك اسعار النفط التي نتج ايضا عن إعادة تنظيم استيرادها وتسويقها اختناقات كبيرة وارتفاعا جنونيا في اسعارها.

اسعار القمح ستتصاعد ايضا:

على الرغم ان الاسعار العالمية للسلع الغذائية وغير الغذائية كانت قد تحركت في الولايات المتحدة وفي اوروبا على وجه الخصوص كنتاج لانتشار كوفيد 19 والذي اثر على سلاسل الاستيراد والخدمات اللوجستية وبالتالي انعكس على ارتفاع اسعار الخزن وتكاليف الشحن العالمي بين مواني الاستيراد والتصدير بالتزامن مع تاثر الاقتصاد بضعف الانتاجية وتباطؤ الانتاج العالمي.والذي كان من المفترض ان يكون العالم قد تجاوزة نسبيا . لكن العالم بدلا عن ذلك دخل في مرحلة تضخم طويلة المدى مع بقاء متحورات كورونا. غير ان الوضع العالمي غير المستقر سيعزز من وضع التضخم واستدامتة عالميا. فالتوتر القائم بين الغرب وروسيا وخاصة فيما يحدث بشأن اوكرانيا والذي تعد الولايات المتحدة شريكا اصيلا في تاجيجة له آثارة العالمية ايضا .

خاصة انه يترافق مع قعقعة السلاح والحشود العسكرية مع حملة اعلامية مكثفة و غير مسبوقة ضد روسيا البلد المصدر للنفط والغاز الى اوروبا والحبوب الى آسيا وافريقيا .

وفيما يتصل بتصدير الحبوب فاكورانيا ايضا تعتبر البلد الرابع المصدر للقمح عالميا ومصدر رئيسي لليمن.

ومع تهديد الولايات المتحدة بوقف صادرات الطاقة الروسية الى اوروبا. حيث تعتبر الولايات المتحدة خط انابيب الغاز نورد استريم 2 الروسي تهديدا مباشرا لمصالحها في وروبا ومع قرار برلين الاخير بتجميد رخصة انبوب الغاز الروسي المشار اليه آنفا.

في هذا السياق تبدو اوروبا المتضرر الاكبر من االعقوبات الاقتصادية الامريكية والاوربية .والدليل على ذلك ان النزاع اطلق موجه ارتفاعات للغاز المصدر الى اوروبا. لكن المشكلة ان اوروبا لاتستطيع ان تقاوم الارادة الامريكية وخاضعة لها باحكام .

غير ان هذا الوضع غير المستقر عالميا سينعكس سلبا على كل البلدان و بشكل اكبر على البلدان الاضعف اقتصاديا في شكل تصاعد سعري و على بلادنا بشكل خاص .والتي ستواجه ارتفاعا كبيرا في اسعار السلع المستوردة خاصة وان اليمن تستورد 90% من حاجاتها الغذائية وغير الغذائية من الخارج وبذلك ستشكل الزيادة المتوقعة في اسعار المستوردات بين 15 و20 % في ظل السيناريو المتفاءل وخاصة في سلعتي الحبوب والنفط.

لكن عندما يتصل الامر بالقمح فإن بلادنا تستورد نحو 800 الف طن من القمح الاوكراني والروسي واللتان تشهدا نزاعا خطيرا في الوقت الراهن وحتما سيؤدي ذلك الى ارتفاع اسعار القمح العالمية المستورد وهذا سيزيد من تعقد الاوضاع المعيشية في اليمن وفي بلد يعيش 80% من سكانة تحت خط الفقر ويواجه اكثر من اربعة ملايين من سكانة مستوى حاد من المجاعة بحسب تقارير الامم المتحدة .

ارتفاع الطلب في الشهر الكريم

ومع قدوم شهر رمضان الكريم فان من الطبيعي ان يرتفع الطلب على السلع الغذائية الاساسية والسلع الاستهلاكية الاخرى حيث عادتا يزيد الاستهلاك في رمضان وهذا سيزيد من ارتفاع مستوى الاسعار خاصة مع وجود اختناقات تموينية وندرة في بعض السلع وعدم تحسن القوة الشرائية للعملة الوطنية بشكل ملموس.

ومؤكد ارتفاع طلب المستهلكين في رمضان سينعكس على زيادة الاسعار وخلق دفق جديد من العوامل السلبية التي تستمد مكانتها من الاختلالات الاقتصادية القائمة وارتفاع الطلب هذا
يضاعف في المحصلة من تردي المستوى المعيشي للسكان في اليمن. الذي هو في الواقع يعيش في وضع معيشي صعب . حيث سيكون من المستحيل على الاسر تدبير حاجة الشهر الكريم وتوفير احتياجاتهم الطبيعية بحدها الادنى.

ومع ذلك نتامل اذا ماسارع الاشقاء في المملكة السعودية والامارات الماسكين بالملف اليمني مع بريطانيا والولايات المتحدة بتنفيذ وعودهم التي طال انتظارها بشان وضع وديعة خليجية لدى البنك المركزي وعلى الاقل خلال شهر مارس القادم لوحدث ذلك فسيكون من شانه ان يسهم بحدوث تحسن في القوة الشرائية للعملة الوطنية.

ووفقا لذلك من المؤمل حينها ان يستقبل الناس شهر رمضان الكريم وغيرة من الاشهر على المدى القصير بوضع وحالة افضل نسبيا .لكن في حالة بقاء الاوضاع على حالها بعدم وجود متغيرات اقتصادية ايجابية تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي وفق هذا السيناريوا الحذر والاسوأ فان من المتوقع ان تزداد الاوضاع المعيشية سوءا وهو وضع كارثي لا نتمناه .

د.يوسف سعيد احمد