كتابات وآراء


الخميس - 01 فبراير 2024 - الساعة 01:35 ص

كُتب بواسطة : د. هيثم الزبيدي - ارشيف الكاتب



كنت أقرأ موضوعا إخباريا من وكالة الأنباء المغربية عن مناسبة ثقافية في مدينة بني ملال. المناسبة الثقافية أقيمت في المجمع الثقافي في المدينة والذي يحمل اسم “الأشجار العالية”. لفت انتباهي اسم المجمع الثقافي، ولا أعرف بالضبط كيف تمت تسميته. ربما يعود ذلك إلى أنه يرتبط بالمكان الذي أقيم فيه حيث تكون الأشجار عالية. اسم بسيط لكنه، برأيي، جميل وهادئ.

لطالما اهتممت بالأسماء، أسماء الشوارع والأبنية والأماكن. مدينة مثل أبوظبي تزدحم بأسماء الأحياء والشوارع البسيطة؛ إذ يمكن أن يقابلك شارع المسك أو الورد، أو تمر بحي سكني اسمه “شاطئ الراحة”. توحي لك هذه المسميات بأريحية من أطلق الأسماء وحُبّه للحياة.

يقولون “لكل امرئ من اسمه نصيب”، ولا شك أن في الكثير من مناطق العالم يمكن تعميم المقولة بتعديلها إلى “لكل مكان من اسمه اللطيف نصيب”.

الحالة الثورية التي اجتاحت أرجاء عالمنا العربي قبل الاستقلال وأثناءه وبعده، خلقت الانطباع بأن الأسماء يجب أن تكون “رنانة” و”تاريخية”، بل و”مأساوية”. نحن أصحاب قضايا كبرى، ويجب أن تنعكس هذه المسميات على حياتنا، شئنا أم أبينا. أنا شخصيا تلقيت دروس المرحلة الابتدائية بمدرسة في حي جديد من أحياء العاصمة العراقية. كان اسم المدرسة الابتدائية هو “الصمود العربي”.

لا شك أنك والآخرين بمرور الوقت ستجدون أنفسكم قد فقدتم الإحساس بمعنى المسمى. يصبح الاسم اسما تردده دون ارتباط بالمعنى. الحي الجديد الذي كان يشيد في غرب بغداد لا علاقة له بأي صمود من أي نوع. ويستمر الأمر هكذا إلى أن تجد قضية أو كارثة تعيدك إلى ما يتضمّنه الاسم من معنى، إنْ كان لهذه الأسماء معنى.

في أواخر عام 1987 سقط صاروخ إيراني على مدرسة ابتدائية في حي الدورة جنوب بغداد. لوهلة حين انتشر الخبر، وما يحمله من مأساة لمقتل عشرات التلاميذ وجرح الكثير غيرهم، ساد الاعتقاد أن في لحظة متزامنة مع وصف المعلقين للمشهد المروع تمّت تسمية المكان بـ“بلاط الشهداء”. لكن في نهاية اليوم اكتشفنا أن اسم المدرسة الأصلي هو “بلاط الشهداء” على مسمّى المعركة التي دارت بين الفاتحين المسلمين والجيش الفرنجي جنوب فرنسا.

صارت المدرسة اسما على مسمى وزادت شعورنا بالكآبة حيال الحدث الجلل. هذا لا يعني أنها لو كانت تحمل اسم مدرسة “الورود” -مثلا- لَنجتْ من القصف الإيراني. لكن هل كان من الضروري تسميتها بهذا المسمى المأساوي، مهما كانت دلالاته التاريخية؟

عندما قرأت اسم “الأشجار العالية” أحسست بأن من الضروري أن تشي المسميات بدلالات الأمل، خصوصا ما ارتبط منها بالفعل الذي يحمل صيغة الأمل. في ذروة الحرب المجرمة على غزة يقف اسم مستشفى “الشفاء”. اسم يجعل الهدف والمسمى متحدين. اسم يحمل الأمل. أما الإصرار على ربط أسماء المستشفيات بالموتى والشهداء، فلا أرى أن هذا يبث الأمل في نفوس الناس.

ما المغزى من تسمية مستشفى “الشهيد محمد الدرة للأطفال” أو مستشفى “الشهيد كمال عدوان” أو مستشفى “الشهيد أبو يوسف النجار”. بالحد الأدنى، أرى أن من الأفضل أن نبتعد بهذه المسميات عن مآسينا التي نغرق فيها يوما بعد آخر. ما العيب في مسميات من ثقافة الحياة؟