عرب وعالم

الأحد - 21 ديسمبر 2025 - الساعة 06:46 م بتوقيت اليمن ،،،

محمد عودة


ما حدث في تحديد بداية شهر رجب لهذا العام يستدعي وقفة تأمل! فعلى غير المتوقع حدث انقسام ملموس في الدول الإسلامية في تحديد بداية الشهر، فالبعض جعلها اليوم الأحد 21 ديسمبر والآخر جعلها يوم غد الإثنين 22 ديسمبر. الملفت للنظر هو عدد الدول التي أعلنت إكمال العدة لعدم ثبوت رؤية الهلال مساء يوم أمس السبت.

بالرجوع إلى الناحية العلمية والفلكية فإن رؤية الهلال يوم أمس السبت كانت غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا بالتلسكوب من أي مكان في الدول العربية، فقد كانت ممكنة بالتلسكوب فقط من بعض الدول الإسلامية في جنوب وجنوب غرب القارة الإفريقية. ونظرا لقلة وجود الراصدين هناك خاصة المستخدمين للتلسكوب، فلم ترد يوم أمس أي رؤية صحيحة للهلال من أي مكان في العالم الإسلامي.

ولندع تقنية التصوير الفلكي جانبا، خاصة وأنها غير معتمدة في الجل الأعظم من العالم الإسلامي، فقد كانت هي الوسيلة الوحيدة التي تم من خلالها تصوير الهلال يوم أمس السبت بحسب تقارير المشروع الإسلامي لرصد الأهلة ( astronomycenter.net/icop/raj47.html‎ )، حيث تم تصويره نهارا قبل غروب الشمس في ألمانيا وفي أبوظبي، وفي موقعين في السعودية (مدينة أملج على ساحل البحر الأحمر ومدينة السويرقية بالقرب من المدينة المنورة).

فالدول التي بدأت شهر رجب اليوم الأحد قد بدأته إما بسبب وجود إمكانية لرؤية الهلال من مكان ما في العالم الإسلامي أو العالم بشكل عام، أو بسبب وجود القمر في السماء بعد غروب الشمس (حتى وإن لم ير الهلال)، أو بسبب قبول شهادات خاطئة برؤية الهلال.

أما الملفت للنظر حقيقة، والذي بدأ بالظهور مؤخرا، هو ازدياد عدد الدول التي ما عادت تقبل بداية الشهر إلا برؤية صحيحة للهلال سواء من دولتها أو مكان مجاور لها تثق برؤيته، فالدول التي ستبدأ شهر رجب يوم الإثنين هي بروناي واليابان وبنغلادش وإيران وباكستان وعُمان والأردن وسوريا وليبيا والمغرب وموريتانيا، والعديد من الدول الإسلامية في إفريقيا.

فأما بالنسبة لبروناي واليابان وبنغلادش وإيران وباكستان وعُمان والمغرب وموريتانيا، فهذه دول معروف عنها منذ أمد بعيد أنها -على تفاوت بينها- لا تبدأ الشهر إلا برؤية حقيقية وصحيحة للهلال، وبالتالي لا عجب في أن تبدأ الشهر يوم غد الإثنين. ولكن الأمر مختلف بالنسبة للأردن وسوريا وليبيا، فهذه دول لطالما اشتهرت ببدئها الشهر بناء على شروط تختلف من دولة إلى أخرى، إلا أنها لم تكن تكترث كثيرا بالرؤية الصحيحة للهلال، ولكن لاحظنا مؤخرا أن هذه الدول أصبحت لا تبدأ الشهر إلا إن تحققت رؤية صحيحة للهلال سواء من داخل أراضيها أو من الدول المجاورة لها.

وهذا الواقع يستحق وقفة للتأمل! فالبعض كان يراهن على أن الدول الإسلامية ستتحول تدريجيا من اعتماد الرؤية أو حساب الرؤية إلى القبول بحساب الاقتران ومجرد وجود القمر في السماء، إلا أن هذا الواقع يثبت عكس ذلك، وربما يشير إلى ازدياد الوعي والثقافة العلمية بين الشرعيين بشكل عام. فقد كنا في الماضي نلاحظ عدم تفريق معظم الشرعيين بين القمر والهلال، وبين الاقتران وبين الرؤية، ولم يكن معظمهم على دراية بأن بعض الدول التي تعلن رسميا ثبوت رؤية الهلال، إنما تستند على شهادات واهنة أثبت الزمن أنها شهادات واهمة أو خاطئة فما عادت تقبلها. وما حدث في شهر رجب الحالي ليس حالة فريدة، بل هو تكرار مصغر لما حدث في إعلان عيد الفطر الماضي (شوال 1446 هـ)، حيث انضم إلى هذه الدول كل من العراق ومصر وتونس والجزائر.

إننا ندعو منذ أمد بعيد إلى التوفيق بين الرؤية الشرعية الصحيحة للهلال وبين العلم القطعي، فنحن لا نريد إهمال الرؤية، بل إننا نؤكد عليها، وغاية ما نطالب به هو عدم قبول شهادات برؤية الهلال تتعارض بشكل صارخ مع ما يثبته العلم القطعي. بل إنه يمكن إعداد تقويم هجري نعرف من خلاله بشكل مسبق متى ستكون مناسبتنا الدينية دون الانتظار إلى آخر ساعة، ويكون في نفس الوقت مطابقا للنتيجة الشرعية لتحري الهلال، فالحسابات الفلكية أضحت قادرة على حساب إمكانية الرؤية بشكل دقيق، يحول دون التفرقة والأخطاء التي تعاني منها بعض الدول في وقتنا الحاضر.

فالأمل منعقد على اعتماد تقويم هجري مسبق يوافق بين الحقائق العلمية وبين المتطلبات الشرعية. أو على أقل تقدير عدم قبول شهادات برؤية الهلال يؤكد العلم القطعي أنها غير صحيحة.

هذا ويمكن زيارة صفحة شهر رجب على موقع المشروع الإسلامي لرصد الأهلة على العنوان التالي للاطلاع على نتائج تحري الهلال يوم أمس السبت من مختلف دول العالم.

رئيس مركز الفلك الدولي