أخبار وتقارير

السبت - 20 ديسمبر 2025 - الساعة 12:17 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


قبل أكثر من عشرة أعوام، وجّه الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي نداءً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لوضع حدّ للانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي المدعومة من إيران على الشرعية اليمنية. ولم يتأخر الملك سلمان – حفظه الله – في تلبية النداء، إذ أعلن عن عملية “عاصفة الحزم” التي انضمت إليها العديد من الدول تضامنًا مع المملكة العربية السعودية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة.

غير أن تحديات عديدة تسببت في إطالة أمد الحرب، التي تحولت إلى حالة استنزاف مادي للمملكة والدول المساندة لها. ويُعدّ تقاعس القوات التابعة لحزب الإصلاح اليمني (فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن) من أبرز أسباب تعثر الحسم. فقد شكّلت القوى التي يسيطر عليها حزب الإصلاح ضمن منظومة الشرعية عاملًا رئيسيًا في تأخير المعركة واستنزاف الموارد، ما أدى إلى تجميد الجبهات ومنع تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في تحرير صنعاء.

اتسم النهج المتّبع في المحاور الخاضعة لقيادة هذه القوى بتجميد الجبهات الحساسة في الشمال، وتحويل الأولوية من التقدم العسكري إلى السيطرة الإدارية والمناطقية في المحافظات المحررة، مستغلةً الدعم السعودي المادي والعسكري الموجّه للتحرير. وقد أثبت هذا التكتيك عدم جدواه في تحقيق أي تقدم نوعي، الأمر الذي أسهم في إطالة أمد الصراع بشكل غير مبرر.

ويمكن ربط الفشل في ترجمة الدعم السعودي السخي إلى إنجازات عسكرية حاسمة بحالة الاستنزاف المالي الهائل، ما أثار تساؤلات مشروعة حول كفاءة الإنفاق. وتشير تحليلات عديدة إلى أن هذه الأطراف وجدت مصلحتها في استمرار حالة “اللا سلم واللا حرب”، إذ يضمن الوضع الراهن تدفق الدعم المالي والعسكري، ويحافظ على نفوذها الاقتصادي والإداري، على حساب المصلحة الوطنية العليا المتمثلة في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب. وقد كان هذا التضارب في المصالح سببًا مباشرًا في إعاقة تقدم المعركة.

في المقابل، استطاعت القوات الجنوبية تحرير محافظة عدن وعدد من المحافظات الأخرى من قبضة الحوثيين، وبدأت العمل على تنظيم صفوفها عسكريًا، وتدريب قواتها وتسليحها بشكل منهجي، بدعم من الحلفاء في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وترافق هذا المسار مع تشكيل كيان سياسي أُطلق عليه “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي شكّل الغطاء السياسي لهذه القوات.

وليس سرًا أن المجلس الانتقالي تأسس بهدف المطالبة باستعادة دولة الجنوب، وهو أمر يتفق الجميع على أنه سيكون مطروحًا على طاولة الحوار بعد تحرير العاصمة صنعاء وجلوس اليمنيين كافة لتقرير شكل نظام الحكم في مرحلة ما بعد الحوثي.

وقد جرى الاعتراف بطموحات المجلس الانتقالي الممثل لأبناء الجنوب في اتفاق الرياض 2019، وكذلك في مشاورات الرياض 2022، حيث عُيّن رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزُبيدي، نائبًا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، الذي يتولى تمثيل اليمن أمام المجتمع الدولي.

إن الخطوات التي أقدم عليها المجلس الانتقالي، من خلال سيطرته على كامل المحافظات الجنوبية الست، والتي بلورت دوره كشريك فاعل ضمن الحكومة المعترف بها، تمثل في حقيقتها مواءمة استراتيجية مع المصالح السعودية العليا لإنهاء الانقلاب الحوثي.

فالمجلس الانتقالي يملك قوة قتالية منظمة وفعالة، تتمتع بعقيدة عسكرية واضحة، وقادرة على المساهمة في تحرير صنعاء، وهو الهدف الذي أعلن عنه رئيس المجلس، عيدروس الزُبيدي، في أكثر من مناسبة، لا سيما بعد السيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة. وقد شكّلت النجاحات الميدانية التي حققتها القوات الجنوبية، مثل قوات العمالقة وقوات الحزام الأمني، في استعادة مساحات واسعة من سيطرة الحوثيين في محافظات شبوة وأبين، إضافة إلى المعارك البطولية ضد تنظيم القاعدة، وعلى رأسها إنهاء سيطرة التنظيم الإرهابي على مدينة المكلا، نموذجًا قابلًا للاستنساخ في معادلة “تحرير الأرض وتثبيت الاستقرار”.

ويأتي هذا الأداء على النقيض من حالة الجمود التي تشهدها جبهات الشمال، ما يجعل هذه القوات خيارًا استراتيجيًا أكثر فاعلية بالنسبة للرياض. ولا شك أن المملكة العربية السعودية سخّرت إمكانياتها المادية والدبلوماسية واللوجستية والعسكرية كافة لتلبية نداء الرئيس عبدربه منصور هادي، كما أن الدول التي وقفت إلى جانبها، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، لم تدخر جهدًا في هذا المسار. غير أن العائق الأبرز، وبإجماع المراقبين، ظلّ يتمثل في تصرفات قوات حزب الإصلاح الإخواني، التي بات واضحًا أنها تقف حائلًا دون إزاحة الحوثي وإنهاء انقلابه.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن الرهان على قوى ذات أجندات حزبية متضاربة لا يخدم هدف تحرير اليمن. واليوم، يمثّل استقرار الجنوب، من خلال شراكة استراتيجية حقيقية مع قيادته، حجر الزاوية الذي يمكن البناء عليه لإعادة توجيه الجهود نحو المعركة الأهم في الشمال. إنها استراتيجية تهدف إلى إنهاء الانقلاب الحوثي بأقل كلفة ممكنة، وبأقصى قدر من النتائج الميدانية، وصولًا إلى تسوية سياسية دائمة تضمن أمن المملكة العربية السعودية واستقرار المنطقة والأمن الإقليمي عمومًا.

كما أثبتت السنوات الماضية أن أبناء الجنوب اليمني يحملون في ذاكرتهم الجمعية عرفانًا لا يُنسى لكل من وقف إلى جانبهم في أحلك الظروف. ولا أدلّ على ذلك من تقديرهم العميق للدعم الإماراتي، الذي تجاوز الإغاثة والدعم العسكري إلى بناء المؤسسات وترسيخ الاستقرار والأمن.

هذا الامتنان، الذي يُلاحظ بوضوح لدى كل جنوبي عند ذكر اسم الإمارات، ليس مجرد مظاهر عابرة، بل قناعة راسخة تُترجم إلى مواقف وأفعال. وقد تجسد هذا الوفاء في مشاهد مهيبة، حيث خرجت في أكثر من مناسبة مسيرات شعبية حاشدة في مختلف مدن الجنوب، تضامنًا مع دولة الإمارات ومواقفها، مؤكدين أن العلاقة الأخوية أعمق من الظروف الطارئة.

إن هذا العرفان الصادق يؤكد أن الروابط المشتركة، الممهورة بدماء الأبطال، تشكّل ركيزة ثابتة في وجدان هذا الجزء من اليمن تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت الذي تنطلق من عدن دعوات صريحة لتوحيد الجبهة الوطنية المناهضة لجماعة الحوثي، بقيادة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُبيدي، لا يزال حزب الإصلاح الإخواني يعمل جاهدًا على عرقلة الاستجابة لهذه الدعوات. وهنا يبرز السؤال المشروع: هل تمثل هذه المرحلة بداية النهاية لمشروع الإخوان في اليمن؟

الشيخ ولد السالك