أخبار وتقارير

الجمعة - 07 نوفمبر 2025 - الساعة 12:21 م بتوقيت اليمن ،،،

أسامة عمر


ماذا لوكان صرح بأن الجنوب قاب قوسين أو أدنى؟! هل كان الجنوب سيأتي بتصريحات الزنداني؟!!

أشعلت كلمات وزير الخارجية اليمني، الدكتور شائع الزنداني، جدلاً واسعاً حين نفى وجود أي مقترحات فعلية لـ "حل الدولتين" على طاولة المفاوضات؛ وهو ما أثار حفيظة المجلس الانتقالي الجنوبي ودفع به إلى إصدار بيان حاد؛ لكن، هل يمكن أن تكون هذه الصراحة الدبلوماسية، رغم مرارتها، قد قدمت خدمة غير مقصودة للقضية الجنوبية؟!

دعونا نتأمل المشهد بهدوء.

بدايةً، من المهم أن نفرق بين دور الدبلوماسي ودور السياسي الثوري؛ الوزير الزنداني، بصفته الرسمية، تحدث بلغة رجل الدولة الذي يصف الواقع كما هو، لا كما يتمناه البعض؛ ففي حديثه الصحفي، أوضح ببساطة أن ما يتردد عن "حل الدولتين" يفتقر إلى أي خطوات عملية أو دعم دولي ملموس؛ وهذا توصيف للواقع أكثر منه موقف شخصي ضد تطلعات الجنوبيين.

فالحقيقة أن المرجعيات التي تحكم المشهد، مثل اتفاق الرياض ومشاورات مجلس القيادة الرئاسي، لم تضع خيار الانفصال على الطاولة بشكل صريح، بل ركزت على الشراكة وتوحيد الصف؛ والمواقف الدولية والإقليمية، بما فيها بيانات مجلس التعاون الخليجي، ما زالت تؤكد على وحدة اليمن كإطار مفضل للحل.

من هذا المنظور، تبدو تصريحات الزنداني أشبه بجرس إنذار قوي للمجلس الانتقالي ولقيادات الجنوب؛ لكي لايضطروا لسماع نفس الكلام من الزنداني أو غيره بعد خمس أو عشر سنوات أخرى؛ وكما قال أحدهم فبدلاً من الغضب من "البائع الذي يخبرك أن سلعته غير موجودة"، ربما حان الوقت للتساؤل عن سبب عدم وجودها أصلاً.
لقد كشفت هذه التصريحات بوضوح أن الشراكة الحالية ضمن هياكل الشرعية لم تحقق تقدماً حقيقياً نحو هدف استعادة الدولة.

وهنا تكمن المفارقة؛ فبينما يتبنى المجلس خطاباً انفصالياً، فإن ممارساته على الأرض، كشريك في الحكومة ومجلس القيادة، هي وحدوية بحكم الأمر الواقع؛ تصريح الزنداني لم يفعل شيئاً سوى أنه وضع مرآة أمام هذه الحقيقة المؤلمة.

إن اختزال الأزمة في تصريح وزير هو تبسيط مخل، لأنها أكبر من الزنداني؛ تخيل ما إذا ذهب الزنداني للقول بأن القضية الجنوبية على طاولة الحوار وأن قضية عادلة وأنها أولوية الأطراف بينما الحقيقة عكس ذلك؛ أكان هذا الأمر سيرضي تلك النفسيات الثورية ويجعلها تشعر بالرضى، بينما كل بناءها على أرضية من زجاج؛ هل كان الزنداني سيأتي بالجنوب بتصريحاته؟!!

القضية أعمق من ذلك بكثير. بيان الانتقالي نفسه أشار إلى مسألة لا تقل أهمية، وهي إقصاء الكوادر الجنوبية من المناصب الدبلوماسية. هذه الشكوى، بالإضافة إلى تصريحات سابقة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي ربطت مصير القضية الجنوبية بمرحلة ما بعد استعادة صنعاء، تكشف عن نمط متكرر من التهميش والتأجيل المستمر إلى حين استقرار الأوضاع مع الحوثيين وكذلك تآكل المجتمع الجنوبي من الداخل وتهشين وحدته "فرق تسد", ثم الالتفاف عليها مجدداً وهو أمر واضح للقاصي والداني من أن جميع النخب السياسية الحالية متقلبة ولاتؤتمن.

في نهاية المطاف، لم يأتِ الوزير الزنداني بجديد، بل أجبر الجميع على النظر إلى حقيقة المشهد السياسي دون أقنعة أو مجاملات؛ لقد أثبت أن الشعارات وحدها لا تصنع دولة، وأن التضحيات الجسيمة على الأرض يجب أن تُحترم و تُترجم إلى مكاسب سياسية حقيقية ومكتوبة تتعدى حتى الاتفاقيات الملزمة إلى بدايات عملية وجدية...

ربما تكون هذه الصدمة هي ما كان مطلوباً تماماً لإعادة تقييم الاستراتيجيات؛ وقد يكون الوقت قد حان لفتح حوار جنوبي-جنوبي حقيقي، وإعادة ترتيب الأوراق السياسية والعسكرية، والضغط لوضع القضية الجنوبية كبند جوهري لا يقبل المساومة في أي مفاوضات قادمة؛ بل والبدء في أمور جدية تمثل بدايات حقيقية عملية لأي حل سيعطي شرعيةاجرائية فقط لما هو كائن وواقع ومعمول به؛ بدلاً من الاكتفاء بردود فعل غاضبة على كلمات لم تفعل سوى أنها وصفت الواقع.

#المواطن_أسامة_عمر