عرب وعالم

الإثنين - 04 سبتمبر 2023 - الساعة 06:03 ص بتوقيت اليمن ،،،

وكالات


تتعرض البلدان النامية في العالم لمشاكل مالية كبيرة، حيث تتراكم عليها الديون بشكل كبير، وتجد صعوبة في سداد هذه الديون. وتعد هذه المشكلة من أكبر التحديات التي تواجهها هذه البلدان، وتؤثر بشكل سلبي على اقتصادها. وسيكون استمرار مشكلات الديون التي تواجه عددا من دول العالم النامي وتداعياتها موضوعا أساسيا خلال قمة مجموعة العشرين التي تعقد في نيودلهي الشهر المقبل.

و يؤكد محللون اقتصاديون أن حل هذه المشكلة يتطلب تعاوناً دولياً فعالاً يتمثل في إعادة هيكلة الديون وتخفيض الفوائد المترتبة عليها، بالإضافة إلى زيادة المساعدات المالية والتنموية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر فيها. كما يتطلب أيضاً تحقيق إصلاحات اقتصادية من خلال تحسين الإدارة المالية والمالية العامة وتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات.

وخلال العقد الماضي، ازدادت مديونية البلدان النامية بأكثر من الضعف لتصل إلى تسعة آلاف مليار دولار في العام 2021، وقد ازدادت بلا شك في 2022، وفقا للتقرير السنوي للبنك الدولي عن الديون الدولية الذي نشر في ديسمبر. وأسباب ذلك متعددة:، ومنها انخفاض قيمة عملة الدول مقابل الدولار، في حين أن ديونها غالبا ما تكون مسعرة بالدولار، وارتفاع معدلات وأسعار الطاقة والأغذية والأسمدة، وكل ذلك يؤدي إلى تجفيف احتياطاتها من العملات الأجنبية.

وأظهرت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فبراير الماضي أن 52 بلدا مثقلة بالديون ويواجه بعضها خطر التخلف عن السداد. وينفق نصفها 20 في المئة من ميزانيته لسداد الفائدة على ديونها. وتواجه تونس الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، والتي مرت بالكثير من الصعاب منذ ثورة 2011، أزمة اقتصادية شاملة. وأغلب ديونها داخلية لكنّ أقساطا لقروض أجنبية يحل موعد استحقاقها في وقت لاحق هذا العام. وقالت وكالات تصنيف ائتماني إن تونس ربما تتخلف عن السداد.

وانتقد الرئيس التونسي قيس سعيد الشروط المطلوبة للحصول على 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ووصفها بأنها “إملاءات” لن يفي بها. وتعهدت السعودية بتقديم قرض ميسر بقيمة 400 مليون دولار ومنحة بقيمة 100 مليون دولار، لكن لا يزال الاقتصاد التونسي المعتمد على السياحة يعاني نقصا في المواد الغذائية والأدوية المستوردة. وعرض الاتحاد الأوروبي دعما بنحو مليار يورو (1.1 مليار دولار) لكن يبدو أن ذلك مرتبط في معظمه باتفاق صندوق النقد الدولي أو الإصلاحات.

وتظل مصر إحدى الدول الكبرى الأخرى التي يُنظر إليها على أنها معرضة لخطر الوقوع في براثن مآزق اقتصادية. ولدى أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا نحو 100 مليار دولار من الديون بالعملة الصعبة، معظمها مقوّم بالدولار، والتي يتعين على مصر سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليار دولار العام المقبل. وتنفق الحكومة أكثر من 40 في المئة من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط.

ولدى القاهرة برنامج مع صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وخفضت قيمة الجنيه بنحو 50 في المئة منذ فبراير2022. لكن خطة للخصخصة لا تزال تسير ببطء، وحادت الحكومة الشهر الماضي عن خطة الصندوق بقولها إنها ستبقي أسعار الكهرباء المدعومة دون تغيير حتى يناير. ويتم تداول بعض سندات الحكومة بنصف قيمتها الاسمية، ويعتقد محللون أن العامل الرئيسي الذي قد يحدد إمكانية عودة القاهرة إلى المسار الصحيح هو مقدار الدعم الذي تقدمه دول الخليج الغنية مثل السعودية.

ويرى الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن هناك تأثيرا لديون الدول على المواطنين العاديين وقدرتهم الشرائية ووضعهم المعيشي. ويقول إنه "عندما تقوم الدول بتسديد الديون فإنها تحتاج إلى موارد، ولا يمكن للدول أن تسدد ديونها، إلا عندما تضغط على المواطنين وترفع الضرائب".

ويوضح أنه "عندما تلجأ الدول إلى الاقتراض، ولا تتمكن من توجيهه إلى غايات استثمارية، وتوجهه إلى غايات استهلاكية، تصبح في حاجة إلى موارد إضافية لتسديد هذه الديون، خاصة عندما تكون هذه الديون داخلية. وفي مثل هذه الحالات تلجأ الدول إلى رفع الضرائب لكي توفر الموارد اللازمة لتسديد هذه الديون". ويضيف أنه “عندما تكون الديون خارجية، فإن ذلك يتسبب في تراجع على مستوى قيم العملات المحلية، حيث تسدد الديون بالعملة الصعبة، وهو ما يؤدي لخروج العملة الصعبة إلى خارج هذه الدول، وهذا يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين".

ويشير إلى أن "تراجع قيمة العملة المحلية يؤدي إلى ارتفاع على مستوى التضخم المالي، وبالتالي فإن المواطن بالنتيجة هو المتضرر من ذلك (..) واللجوء إلى الاقتراض يدفع المواطنين نحو الخوف والريبة من المستقبل". وتخلّف لبنان عن سداد ديونه منذ عام 2020 ولا يوجد سوى القليل من الدلائل على أن مشكلاته في سبيلها إلى الحل.

وكان صندوق النقد الدولي قد أطلق تحذيرات قوية. واقترح مصرف لبنان المركزي قبل شهرين إلغاء ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي المعمول به منذ فترة طويلة، فيما يعد خطوة إلى الأمام في مسعى لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وتحتاج باكستان إلى ما يزيد على 22 مليار دولار لخدمة الدين الخارجي ودفع الفواتير الأخرى للسنة المالية 2024.

وتتولى حكومة تسيير الأعمال وهي المسؤولية حتى الانتخابات التي يتعين إجراؤها بحلول نوفمبر. وقد وصلت معدلات التضخم وأسعار الفائدة إلى مستويات ارتفاع تاريخية. كما تبذل البلاد جهودا مضنية لإعادة الإعمار بعد فيضانات مدمرة شهدتها العام الماضي. وتوصلت في يونيو إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة مع صندوق النقد الدولي يتعلق بخطة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وتلا ذلك تعهد السعودية والإمارات بضخ نقدي بقيمة ملياري دولار ومليار دولار على التوالي.

وكانت الاحتياطيات، التي انخفضت إلى 3.5 مليار دولار، قد انتعشت إلى 7.8 مليار دولار بحلول أواخر أغسطس. ويقول المراقبون إنه قد يكون لدى باكستان ما يكفي لوصولها إلى مرحلة الانتخابات، لكن هناك أسئلة رئيسية حول المدة التي ستتمكن فيها من تفادي التخلف عن السداد دون الحصول على الكثير من الدعم. وجمدت أوكرانيا مدفوعات الديون في أعقاب الغزو الروسي العام الماضي، وقالت إنها من المرجح أن تقرر في أوائل العام المقبل ما إذا كانت ستسعى لتمديد الاتفاق المتعلق بالمدفوعات أو تبدأ النظر في بدائل أخرى أكثر تعقيدا.

وتقدر المؤسسات الكبرى أن تكلفة إعادة البناء بعد الحرب ستبلغ تريليون يورو على الأقل. ويقدر صندوق النقد الدولي أن أوكرانيا تحتاج إلى ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار شهريا لمواصلة تسيير شؤونها. وإذا لم يكن النصر في الحرب مع روسيا حليفها أو على الأقل خفت حدة القتال كثيرا بحلول العام المقبل، فإن معضلة إعادة هيكلة ديون أوكرانيا يجب أن تأخذ في الاعتبار أيضا الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر 2024 ودرجة الدعم الذي ستتلقاه في حالة فوز مرشح جمهوري بالمنصب، سواء كان الرئيس السابق دونالد ترامب أو غيره.

وكانت زامبيا أول دولة أفريقية تتخلف عن السداد خلال جائحة كوفيد - 19. وبعد سلسلة من الخطوات التي طال انتظارها خلال الأشهر الماضية، يبدو أنها تقترب أخيرا من خطة للإصلاح. وتوصلت في يونيو إلى اتفاق لإعادة هيكلة ديون بقيمة 6.3 مليار دولار مع الدول الدائنة في “نادي باريس” ومع الصين التي حصلت منها أيضا على قروض ضخمة.

ولا يزال العمل جاريا على التفاصيل لكن الحكومة تأمل كذلك في التوصل إلى اتفاق خلال الأشهر المقبلة مع صناديق دولية تحتفظ بسنداتها السيادية غير المدفوعة. ولاقى هذا التقدم ترحيبا باعتباره نجاحا لمبادرة إطار العمل المشترك لمجموعة العشرين التي تم وضعها خلال الجائحة لمحاولة تبسيط عمليات إعادة هيكلة الديون لكنها تواجه صعوبة لتطبيقها.

وعندما لا تعود دولة ما قادرة على سداد ديونها تواجه خطر قطع المؤسسات المالية الدولية أو المستثمرين من القطاع الخاص وصولها إلى الائتمان. ولكي تتمكن من الاقتراض مجددا يجب على هذه الدولة أن تتوصل إلى اتفاق مع دائنيها لإعادة هيكلة ديونها، وغالبا على حساب التزام الحد من نفقاتها. وفيما يخص الحلول لهذه المشكلة المتفاقمة يرى الخبير الاقتصادي بيير خوري أن “هناك بابين للحل لا ثالث لهما، أول باب هو داخلي، فهذه المجتمعات الغارقة في الديون تتميز في الغرق بالفساد أيضا، وبعدم المسؤولية لدى السلطات السياسية".

وأضاف خوري أن "هذه الدول في حاجة إلى إعادة هيكلة بناها السياسية في سبيل حوكمة أفضل للقطاع العام، وشفافية أكبر في المعاملات الحكومية، ويجب أن تكون هناك عاطفة دولية من الدول الغنية تجاه الدول الفقيرة لتلطيف آثار الديون، وإن كانت هذه الديون في النهاية قد دفعها دافع الضرائب في الغرب". وتابع أن "الديون سحبت من أموال دافعي الضرائب لتمويل اقتصادات أخرى، لكن هذا لا يلغي حقيقة أساسية، وهي أنه لا يمكن أن نترك نصف البشرية في هذا الوضع".