أخبار وتقارير

الإثنين - 20 مارس 2023 - الساعة 05:03 ص بتوقيت اليمن ،،،

الشرق الأوسط


�قرار رجل واحد قاد إلى غزو وحشي وغير مبرر للعراق... - أقصد أوكرانيا�. إدانة مفاجئة، وإن كانت غير مقصودة، جاءت على لسان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن قبل أشهر قليلة. زلة لسان عابرة، لكنها تعكس أثر حرب مرّ عليها 20 عاماً ولا تزال عواقبها ملموسة اليوم، في العراق والمنطقة والعالم.

غربل فشل الغزو في تحقيق أهدافه المعلنة؛ من �تدمير أسلحة الدمار الشامل� التي لم يوجد لها أثر، و�تحرير شعب العراق� الذي عانى على مدى عقدين شرور الإرهاب والعنف الطائفي، أولويات الولايات المتحدة وطرح أسئلة حول جدوى استمرار وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط.

وفي حين كانت التدخلات العسكرية في المنطقة تحظى بدعم متفاوت في الداخل الأميركي تحت مظلة الحرب على الإرهاب، أصبحت اليوم محط شكوك؛ بل إن معارضتها أضحت وقوداً لحملات انتخابية جمهورية وديمقراطية على حد السواء.

من باراك أوباما، إلى دونالد ترمب، وصولاً إلى جو بايدن، لم يتردد الرؤساء الأميركيون في الإقرار بـ�الخطأ الاستراتيجي� الذي ارتكبته الولايات المتحدة بغزو العراق.

فكيف أثّر هذا �الخطأ� على العقيدة العسكرية الأميركية في المنطقة منذ انسحاب آخر القوات من العراق عام 2011؟ وهل يحصل انسحاب تدريجي للولايات المتحدة من المنطقة في خضم توجّه بوصلة أولوياتها إلى آسيا، حيث يتصاعد نفوذ العملاق الصيني؟

وجود عسكري مستمر

تراوح الانتشار العسكري الأميركي في العراق منذ 2003، بين 165 ألف جندي أميركي في أوج عملية الغزو إلى قرابة 2500 جندي اليوم.

وبالتوازي مع تذبذب أعداد القوات الأميركية، تغيّر الخطاب الأميركي خلال العقدين الماضيين بشكل جذري. فبعد أن قامت عقيدة بوش العسكرية على الضربات الاستباقية لحماية الأمن القومي الأميركي من التهديدات الخارجية، تؤكد واشنطن اليوم أن وجود قواتها مرهون بموافقة السلطات المحلية وأن انتشارها استشاري بحت، لا قتالي.

تقول الكابتن آبي هاموك، المتحدثة باسم القيادة المركزية الأميركية: إن عملية �العزم الصلب�، التي تشارك فيها قوات أميركية ضمن تحالف من 80 دولة، متواجدة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية، وتتمتع بتفويض واضح بموجب القانون الدولي لهزيمة �داعش�.

وفي ردّها عما إذا كانت القيادة المركزية نجحت في استعادة ثقة العراق بعد 20 عاماً من قيادتها عملية غزوه، أكّدت هاموك لـ�الشرق الأوسط� أهمية الشراكة والتعاون. وقالت �بالتشاور الكامل مع حكومة العراق، التي تعدّ سيادتها ذات أهمية قصوى، تعمل قوة المهام المشتركة مع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية لمساعدة العراق على تحقيق الاستقرار في المناطق المتضررة من الصراع�.

 وشدّدت هاموك على أن أحد أهم مرتكزات نهج هذا التحالف في العراق هو أنه لا يقاتل نيابة عن العراق، بل إن وجوده المستمر في دور غير قتالي يوفر الدعم، والموارد، والمشورة، والمساعدة؛ بهدف تمكين قوات الأمن العراقية من قيادة المعركة ضد �داعش�. وأكدت �لقد أثبت هذا النهج نجاحه، ونحن على ثقة بأنه سيظل فعالاً�.

وإلى جانب التعاون الأمني، تؤكّد واشنطن التزامها المستمر للعراق على المستويين السياسي والاقتصادي؛ بهدف �تعزيز الاستقرار والأمن والسيادة�.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ�الشرق الأوسط�: إن اهتمام واشنطن ينصبّ حالياً على توسيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق بما يتجاوز الأمن إلى �علاقة 360 درجة� تحقق نتائج للشعب العراقي.

وتابع، أن �رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والولايات المتحدة على الصفحة نفسها في كثير من المجالات. فنحن نتفق على الحاجة إلى ضمان هزيمة (داعش) بشكل مستدام، وترسيخ استقلال الطاقة في العراق، ودعم نمو القطاع الخاص، وتحسين الخدمات العامة�. كما عدّ توسيع البرامج التعليمية والثقافية، ومكافحة الفساد، وكبح جماح الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الحكومة، ومكافحة أزمة المناخ في العراق، هي �أولويات قصوى�.

حسابات داخلية

تحوّل الاجتياح الأميركي للعراق وعواقبه إلى قضية جدلية استقطبت الرأي العام الأميركي وغيّرت وجه السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. وبينما لا يولي الناخب الأميركي اهتماماً كبيراً بالقضايا الخارجية عادة، إلا أن عقيدة واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط أصبحت قضية انتخابية بامتياز، ولا سيما في الحملات الانتخابية الرئاسية في 2012 و2016 و2020.

وفي أحدث استطلاع لرأي الأميركيين والمحاربين القدامى، وجد مركز �بيو� أن 62 في المائة في الأميركيين يرون أن خوض حرب العراق كان خاطئاً. وقُتل 4500 جندي أميركي في الغزو، وفق وزارة الدفاع الأميركية، كما سقط أكثر من 100 ألف قتيل مدني عراقي، وفق تقديرات منظمة �ضحايا حرب العراق�. وكلّفت الحرب الخزانة الأميركية 801.9 مليار دولار، وفق خدمة أبحاث الكونغرس.

ومع تزايد الغضب الشعبي من �مسلسل الفشل� في الشرق الأوسط، من العراق إلى أفغانستان مروراً بسوريا وليبيا، عمدت إدارات ديمقراطية وجمهورية متتالية إلى البحث عن سبل الانسحاب عسكرياً من المنطقة دون التضحية بمصالحها الاقتصادية والسياسية.

فمنذ إدارة باراك أوباما الأولى وحتى الإدارة الحالية، أكّدت واشنطن رغبتها في تعزيز وجودها بشرق آسيا، في حين اعتبره البعض مؤشراً على انسحابها التدريجي من الشرق الأوسط.

إلى سوريا وجولة وزير الدفاع لويد أوستن الإقليمية، شهدت المنطقة هذا الشهر حراكاً أميركياً يهدف إلى طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط حيال التزامها بأمنهم. وفي زيارته إلى كل من الأردن ومصر وإسرائيل، أكّد أوستن التزام واشنطن بدعم دفاعات حلفائها في الشرق الأوسط وزيادة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية. وشدد وزير الدفاع الأميركي على مفهوم �الردع المتكامل� الذي تنصّ عليه استراتيجية الدفاع الوطني، والذي يقوم على تحقيق وتعميق التكامل الأمني متعدد الأطراف.

ويرى ويليام ويشلر، الزميل البارز في مركز �أتلانتك كاونسل� وأحد أبرز المدافعين عن بقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أن الإدارة الحالية في �الطريق الصحيحة بعد سلسلة من العثرات�.

ويعتقد ويشلر، الذي كان نائباً مساعداً لوزير الدفاع لمكافحة الإرهاب حتى عام 2015، أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط كانت ثابتة لا تتغير طيلة عقود، وأن حرب العراق كانت حدثاً �شاذاً� على هذا النهج. يقول ويشلر متحدثاً لـ�الشرق الأوسط�: �إذا نظرنا إلى الفترة الممتدة بين خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم، سنجد اتساقاً نسبياً في الموقف الأميركي تجاه الشرق الأوسط من حيث التواجد العسكري، باستثناء تناقضات صارخة�، كحرب العراق والانسحاب من أفغانستان.

ورغم هذه التناقضات، يعتبر المسؤول الأميركي السابق أن عقيدة واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط ثابتة إلى حد كبير، تماشياً مع المصالح الأميركية في المنطقة. ويقول �قامت الإدارات القليلة السابقة جميعها بمراجعة الموقف العسكري الأميركي في المنطقة، وسط توقعات بأن يؤدي ذلك إلى انسحاب كبير من الشرق الأوسط. إلا أن هذه المراجعات تنتهي في كل مرة دون أي تغيير تقريباً�.

والسبب، وفق ويشلر، هو أن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط لم تتغير، وأن الاستراتيجية العسكرية أساسية لحمايتها. ويختصر الباحث الأميركي هذه المصالح في أربع نقاط: ضمان أمن وحرية استخراج الطاقة، تأمين سبل نقل الطاقة إلى الأسواق العالمية، الحفاظ على استقرار المنطقة بأبعاده الاقتصادية والسياسية والأمنية، وتعزيز ازدهار المنطقة. ويقول �كانت هذه المصالح الأميركية في الشرق الأوسط منذ العثور على الطاقة في هذا الجزء من العالم، ولا تزال كذلك�.

وبدا ويشلر متفائلاً نسبياً حيال عودة الولايات المتحدة إلى �نهج متوازن� في الشرق الأوسط، مستذكراً تغيّر الموقف الأميركي من شرق آسيا في أعقاب حرب فيتنام. وقال �استغرق الرأي العام الأميركي ما يزيد قليلاً على عِقد من الزمان حتى يتوقف عن الحكم على سياسة بلادهم تجاه شرق آسيا من خلال منظور فيتنام�.

وفي انتظار تجاوز الناخب الأميركي تداعيات الأحداث المتوالية منذ 2003، يرى ويشلر، أنه �يتعين على الولايات المتحدة ألا تتخذ أي قرار من شأنه أن يجعل العودة إلى نهج أكثر نموذجية تجاه المنطقة مستحيلاً�. ويتابع �يبقى السؤال ما إذا كان قادة المنطقة سيعملون على تشجيع الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، عبر تعزيز التقرب من روسيا والصين�.