اندفع المنظمون الأميركيون إلى معاينة أصول سيلكون فالي (أس.في.بي)، أحد أكبر البنوك المقرضة لقطاع التكنولوجيا، وهو ما يمثل أكبر فشل لمؤسسة مصرفية في الولايات المتحدة منذ ذروة الأزمة المالية قبل 15 عاما تقريبا.
وشكل تجميد نشاط البنك رقم 16 من حيث الأصول بين أقرانه الأميركيين صدمة للقطاع، بعد أن سارع المودعون لسحب الأموال وسط قلق بشأن تأثيرات ثاني أكبر صدمة قاسية في تاريخ البلاد بعد انهيار بنك واشنطن ميوتشوال في عام 2008.
وتضافرت أسباب عديدة لتؤدي إلى انهيار البنك الذي أنشئ في عام 1983، لكن أبرزها هي خطوات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) العنيفة نحو رفع أسعار الفائدة منذ العام الماضي، التي دمرت بيئة عمل الشركات الناشئة التي يخدمها البنك بالأساس.
وخدم أس.في.بي الذي أسسه بالتشارك كل من بيل بيجيرستاف وروبرت ميديريس في الغالب العاملين في مجال التكنولوجيا والشركات المدعومة برأس المال الاستثماري، بما في ذلك بعض العلامات التجارية الأكثر شهرة في الصناعة.
ويتسبب إفلاس البنك بتجميد مليارات من الدولارات التي أودعتها فيه شركات ناشئة وصناديق أسهم خاصة، مما أثار الخشية من حصول ارتدادات عنيفة في قطاع التكنولوجيا.
ووُضع البنك، الذي لطالما كان يقدّم نفسه على أنه “الشريك المالي لاقتصاد الابتكار”، تحت سلطة المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع (أف.دي.آي.سي)، لتجنّب حصول انهيار.
ويقول الأستاذ في جامعة ستانفورد ومؤسس الكثير من الشركات الناشئة جوزيف ديسيمون لوكالة الصحافة الفرنسية إن “بنك سيليكون فالي كان على دراية بأوساط المستثمرين”.
وأوضح أن مسؤولي البنك “كانوا يساعدوننا في التوظيف ويعطون النصائح المالية للمسؤولين الجدد وغيابهم خسارة كبيرة”. وأضاف لقد كان البنك “شريكا حقيقيا لم أر مثله من قبل”.
وظل مسؤولو أس.في.بي يتفاخرون بأن “قرابة نصف” شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة، التي يموّلها مستثمرون أميركيون، هي من بين زبائنه.
كما كانوا يتباهون بصلات البنك بشركات التكنولوجيا الرائدة مثل شوبيفاي، وأيضا زيبريكريوتر، وهي واحدة من أكبر شركات رأس المال الاستثماري.
وما يقرب من نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية الأميركية التي تم طرحها للاكتتاب العام العام الماضي بعد الحصول على تمويل مبكر من شركات رأس المال الاستثماري كانت من عملاء أس.في.بي، وفقا لموقع البنك على الإنترنت.
وستسمح التصفية المنظّمة للبنك لكل زبون باستعادة ما يصل إلى 250 ألف دولار، وهو المبلغ الأقصى الذي تضمنه المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع.
لكن بحسب التقرير السنوي لسيليكون فالي بنك، فإن الجزء غير المؤمّن من الودائع يصل إلى 96 في المئة من القيمة الإجمالية للودائع البالغة 173 مليار دولار.
وأعلنت المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع الجمعة الماضي أن إعادة هذه الأموال تعتمد على المبالغ التي ستجنيها من بيع أسهم البنك، وهي عملية غالبًا ما تكون طويلة ونتيجتها غير مؤكدة.
وكتب غاري تان رئيس مجلس إدارة شركة واي كومبينايتر التي تساعد الشركات الناشئة في تغريدة أن “الضحايا الفعليين لانهيار سيليكون فالي بنك هم المودعون”.
وأوضح أن شركات ناشئة تضمّ بين عشرة ومئة موظف لم تعد تتمكن من صرف الرواتب، وسيتعيّن عليها وضع الناس في حال بطالة تقنية أو صرفهم اعتبارا من الاثنين.
وحذّر من أنه في غضون شهر أو اثنين، سيكون قد اختفى جيل من الشركات الناشئة الأميركية ما يجعل “سنوات من الابتكار الأميركي على المحك”.
وقدر تان أن ما يقرب من ثلث الشركات الناشئة لن تكون قادرة على تقديم كشوف الرواتب في وقت ما في الشهر المقبل إذا لم تتمكن من الوصول إلى أموالها.
وكان روكو مزود خدمة الإنترنت التلفزيوني من بين ضحايا انهيار البنك. وقالت الشركة في بيان تنظيمي الجمعة الماضي إن “حوالي 26 في المئة من أموالها النقدية أي ما يعادل 487 مليون دولار تم إيداعها في بنك سيليكون فالي”.
وأشارت الشركة إلى أن ودائعها لدى أس.في.بي غير مؤمنة إلى حد كبير ولا تعرف “إلى أي مدى” ستكون قادرة على استعادتها.
وأكد الناشط في مجال الاستثمار بيل أكمان في تغريدة أن اختفاء البنك “قد يدمّر محركا مهما للاقتصاد على المدى الطويل، لأن الشركات المدعومة من صناديق أسهم خاصة، كانت تعتمد عليه في قروضها وأموالها”.
ورأى أنه في حال لم تضع أي مؤسسة مالية يدها على ما تبقى من البنك، “فسينبغي التفكير في خطة إنقاذ عامة”.
وأفادت وسائل إعلام أميركية أن المسؤولين عن البنك ناقشوا الخميس والجمعة الماضيين احتمال استحواذ بنوك أخرى عليه، لكن دون جدوى.
وكشف تشامب بينيت وهو أحد مؤسسي منصة كابسول للفيديوهات أن “5 ملايين دولار تمّ ضخّها منتصف فبراير الماضي خلال أول عملية جمع أموال للشركة، مودعة لدى بنك سيليكون فالي ولا يمكن الوصول إليها”.
وكتب في تغريدة “من الصعب تخيّل ما هو التالي، لكن لا يبدو أمرا جيدا”، مندّدا بوجهة النظر القائلة إن “خطة إنقاذ البنك ستأتي لنجدة واحد في المئة من الأكثر ثراء، أي رجال الأعمال والمستثمرين الأثرياء، أو شركات التكنولوجيا العملاقة”.
وتحدث عن تواصله في الساعات الأخيرة مع المئات من أصحاب الشركات الناشئة. وقال إنهم “يكافحون. إنهم أناس مثلكم ومثلي. يعملون جاهدين والكثير منهم يتقاضون أجورا أقلّ من تلك المطروحة في السوق”.
وأفاد موقع سيمافور الإخباري أن شركات الاستثمار البديل (صناديق التحوط) تقترح أن تحل محل البنك وأن تدفع فورا أموالًا للشركات التي تتعامل مع أس.في.بي.
وللقيام بذلك، يجب أن يوافق البنك على التنازل عما بين 20 إلى 40 في المئة من ودائعه، إذ أن صناديق التحوط تأمل في استرداد جزء أو كامل المبلغ الذي يشكل الفرق من البنك.
وإضافة إلى ذلك، حذّر مدير منصة وايف للعروض الموسيقية الافتراضية زملاءه رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا قائلا “إن كانت لديكم أموال لدى بنك سيليكون فالي أو لا، فلن تسلموا. إن ذلك سيؤثر بشكل خطير على الجميع”.
وعلى غرار آخرين، يعرب تشامب بينيت عن قلقه حيال مصير البنوك الأخرى في قطاع التكنولوجيا خصوصا بنك فرست ريبابليك الذي تراجع سعر سهمه بحوالى 30 في المئة خلال يومين.
ويعتبر بعض المحللين أن إفلاس بنكين خلال بضع ساعات الأسبوع الماضي وهما سلفرغيت وبعده بيومين أس.في.بي، يشكل درسًا للمتانة المزعومة للنظام المصرفي.
وكتب المستثمر الأميركي أرجون سيثي في تغريدة “لماذا فجأة لم يعد أحد يتحدث عن واقع أن البنوك آمنة وأفضل من التمويل اللامركزي”، وهو النظام المالي البديل الذي يرتكز على العملات المشفّرة وتقنية سلسلة الكتل (بلوكتشين).
ونظريا يسمح نظام التمويل اللامركزي بالوصول إلى الأموال المودعة فيه في أي لحظة ودون وسيط، لكن دون حماية الودائع ولا إشراف هيئات ناظمة.