اتسع قلق خبراء المؤسسات الدولية من أن يؤدي استمرار الأزمات إلى مراكمة الدول العربية ديونا أكبر قد تقف حاجزا يمنعها من وضع مؤشرات النمو على السكة الصحيحة، خاصة مع تنامي الإجهاد المالي لبعض اقتصادات المنطقة.
وحمل تقرير حديث للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، التي تتخذ من بيروت مقرا لها، في طياته أرقاما محبطة إذا لم تفعل الحكومات العربية إستراتيجياتها على نحو أفضل لمقاومة المخاطر التي تواجهها في ظل الوضع الضاغط حاليا.
وقالت الأمينة العامة للإسكوا رولا دشتي في كلمة ألقتها أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة الجمعة إن “الدين العام في المنطقة العربية يبلغ 1.5 تريليون دولار”.
وأكدت في الاجتماع الذي جاء تحت شعار “تسريع التعافي من جائحة كورونا والتنفيذ الكامل لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 على جميع المستويات” أن اللجنة تعمل مع جهات متعددة لمعالجة الدين العام المتزايد في المنطقة العربية وتقلص الحيز المالي.
واشتمل الاجتماع على عروض تقديمية مميزة ومداخلات وحلقات نقاش تسلط الضوء على عمل المجلس في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والحكمية والمجالات ذات الصلة، من خلال هيئاته الفرعية المختلفة.
وأوضحت دشتي أن الإسكوا تدعم الحكومات في تحسين إستراتيجيات الاقتراض وتوفير الدعم الموجه إلى المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم وتوليد المعرفة للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، فيما لا تزال المنطقة بحاجة إلى العمل والأمل والفرص.
كما شددت على ضرورة أن يعمل الجميع بجدية أكبر خلال السنوات السبع المقبلة لتحقيق خطة عام 2030.
ورجّح محللون في الفترة الماضية تراجع برامج الإصلاح في المنطقة العربية على عدة جبهات خلال السنوات المقبلة، مما سيؤدي إلى عودة عقارب التنمية إلى الوراء لسنوات ويمحو التقدم المهم الذي تم إحرازه.
وأوضحوا أن ذلك يضع الحكومات أمام تحديات سياسية أكبر بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث يقف البعض منها عند مفترق طرق، فإما أن تواجه عدم الاستقرار الذي طال أمده، وإما فقدان مكاسب مهمة تم تحقيقها على مدار العقود القليلة الماضية.
وتجد بعض الدول العربية، مع اتساع رقعة الديون بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، نفسها تائهة بين مواجهة الأزمات المتتالية في الأعوام الثلاثة الأخيرة وحماية الناس اجتماعيا.
ويشير تقرير الإسكوا بعنوان “نقص السيولة وارتفاع الدين: عقبات على مسار التعافي في المنطقة العربية” إلى أن العقد الماضي شهد زيادة غير مسبوقة في الدين العام في المنطقة العربية.
وحتى في دول الخليج العربي ذات الدخل المرتفع، تضاعف إجمالي الدين العام خمس مرات تقريبا، من نحو 117 مليار دولار في عام 2008 إلى حوالي 576 مليار دولار في عام 2020.
وتشير الأرقام إلى أن نصف الديون العامة في المنطقة العربية تقريبا يقع على كاهل البلدان متوسطة الدخل، حيث ارتفع إجمالي الدين العام من 250 مليار دولار تقريبا إلى 658 مليار دولار بين عامي 2008 و2020.
ووفقا لتقديرات صندوق النقد العربي ارتفع الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية المقترضة من نحو 47.1 في المئة بنهاية عام 2010 إلى حوالي 108.8 في المئة بنهاية عام 2021.
وفي ضوء ذلك يعتقد الصندوق أن تحسين القدرة على تحمل أعباء الدين العام، وتخصيص المزيد من الحيز المالي لنفقات التنمية الاجتماعية، باتا اليوم من بين الضرورات الملحة.
وتتوقع دراسات صادرة عن المؤسسات المالية المانحة أن يرتفع إجمالي الاحتياجات التمويلية للبلدان العربية غير النفطية، المصنفة ضمن بلدان الأسواق الناشئة ومتوسطة الدخل، إلى 384 مليار دولار خلال العامين الحالي والمقبل.
ويُرجع الخبراء ذلك إلى أسباب من بينها استمرار العجز المالي الأولي في ميزانياتها السنوية، وأيضا ارتفاع مدفوعات الفائدة، وزيادة الاعتماد على التمويل قصير الأجل.
وتكمن المخاطر التي تهدد دول المنطقة في استمرار ارتفاع أسعار السلع الأولية، مما قد يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وإثارة قلاقل اجتماعية وتعرض المالية العامة لضغوط أكبر قد تفضي إلى مخاطر على الاستقرار المالي.