كنس إسماعيل غارسيا شوارع مدريد المزدحمة منذ 24 عاما، لكنّ شيئا ما تغير هذا الصيف، فقد كانت أسرته تشعر بالقلق كل مرة ينطلق فيها للعمل في العاصمة الإسبانية.
وقال غارسيا البالغ من العمر 42 عاما “كان أفراد أسرتي يقولون لي، ‘اعتن بنفسك، لا تجهد نفسك’.. كانت هذه النصائح تُطرح في كل مرة على مائدة العشاء”.
وثبت أن مخاوفهم كانت مبررة في يوليو عندما انهار عامل نظافة آخر في مدريد يبلغ من العمر 60 عاما وتوفي بضربة شمس، مما دفع إلى اتخاذ تدابير جديدة لحماية العمال في موجات الحر القياسية.
وسجلت أوروبا ارتفاعا في درجات الحرارة هذا الصيف، مع موجات حر أشدّ وأطول أصبحت أكثر تواترا مع تغير المناخ، مما زاد من مخاطر الحوادث والأمراض والوفيات المرتبطة بالحرارة.
وساهمت الحرارة المفرطة بوفاة تسعة عمال في إسبانيا وستة في فرنسا هذا العام، وفقا لاتحاد النقابات الأوروبية نقلا عن وسائل الإعلام المحلية.
وقالت بريطانيا الجمعة الماضي إنها سجلت أكثر من 2800 حالة وفاة إضافية بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر هذا الصيف، وهو أعلى رقم منذ 2004 عندما بدأت في وضع خطط لحماية صحة الناس أثناء موجات الحر.
وكان هذا هو الصيف الثالث الأكثر حرارة على الإطلاق في الولايات المتحدة، حيث حفز الحملات للتعرف على الحرارة باعتبارها خطرا مهنيا.
وقال إغناسيو دوريست أحد كبار المستشارين في الاتحاد الأوروبي للنقابات العمالية، “إنها قضية ستدعي التحرك بسرعة لإنقاذ حياة العمال”.
وحذّر عمال النظافة مثل غارسيا لسنوات من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة، وقالوا إنهم حُرموا من الماء وفترات الراحة.
وقال “في فصول الصيف الأخرى، يمكنك القول إن لديك أسبوعا أو 15 يوما شديدة الحرارة.. ولكن هذا الصيف كان عكس ذلك. باستثناء 15 يوما عندما انخفضت فيها الحرارة قليلا، كان باقي الصيف شديد القيظ”.
ووافقت مدريد بعد وفاة عامل النظافة في يوليو على نقل العمل خارج ذروة الحرارة والسماح باستراحة ماء كل 90 دقيقة.
وقال غارسيا إنها خطوة صغيرة يمكن أن تنقذ أرواحا كثيرة.
ويمكن أن تؤدي تداعيات الحرارة المرتفعة عدة أمراض منها السكتة الدماغية وأمراض القلب وأمراض الكلى المزمنة واضطرابات الجهاز التنفسي التي تؤدّي إلى الإعاقة أو الوفاة.
ويحدث الإجهاد الحراري في درجات أعلى من 35 درجة مئوية في الرطوبة العالية، وفقا لمنظمة العمل الدولية.
ورغم المخاطر المعروفة، لم تواكب التشريعات التي تحكم درجات الحرارة القصوى للعمل والحد الأدنى من فترات الراحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وفقا لنقابات العمال الأوروبية التي وجدت مجموعة متنوعة من القواعد التي تغطي العمال في الأيام الحارة في بلجيكا والمجر ولاتفيا وسلوفينيا وإسبانيا، التي وجدت أنه لا يوجد لدى الدول الأوروبية الأخرى تشريعات محددة على الإطلاق.
واختارت بلجيكا التركيز على مستوى النشاط البدني، وتحديد درجات حرارة العمل القصوى عند 29 درجة مئوية للأعمال الخفيفة، و18 درجة مئوية للأعمال البدنية الشاقة.
وفي إسبانيا، يجب أن تظل حرارة المكاتب أقل من 27 درجة مئوية وتبلغ درجة الحرارة القصوى للأعمال الخفيفة 25 درجة مئوية، لكن القواعد لا تغطي جميع أنواع العمال أو جميع المباني.
كما أن تعريف “العمل الخفيف” ليس واضحا أو عالميا. أضف إلى ذلك مجموعة من المتغيرات الأخرى (التأثير الإضافي للرطوبة أو الإشعاع الشمسي أو معدات الحماية الشخصية) وأن حماية العمال تبدو أبعد عن المتصوّر، كما يقول خبراء الصحة والسلامة.
ويريد اتحاد النقابات الأوروبية قواعد ملزمة قانونا تحافظ على سلامة جميع عمال الاتحاد الأوروبي في ظل الحرارة المفرطة، ولكن قد يستغرق الأمر حتى خمس سنوات للتفاوض على مثل هذا الجهد في الاتحاد الأوروبي وسنتين أخريين حتى تدخل حيز التنفيذ، وتعمل مع المفوضية الأوروبية في غضون ذلك بشأن توصية من شأنها أن تحدد مبادئ توجيهية لممارسات العمل الآمنة في درجات الحرارة العالية.
وقال نائب الأمين العام لاتحاد نقابات العمال كلايس ميكائيل ستال “لا يمكننا انتظار صيف آخر من موجات الحر”.
وكان العمال عبر المحيط الأطلسي يضغطون من أجل الاعتراف بالحرارة على أنها خطر مهني خاصة بعد 2021 شديد الحرارة، حيث أدت درجات الحرارة القياسية إلى التواء الطرق وإذابة خطوط الكهرباء في شمال غرب المحيط الهادئ.
حتى أن باسل دارلينغ السائق لدى شركة يو بي إس اضطر إلى نقل أحد زملائه إلى المستشفى بينما كان يكدح تحت درجات الحرارة المرتفعة في نيويورك.
وقال دارلينغ، وهو أيضا منظم في الفرع المحلي لاتحاد تيماستر يونيون، “يمكنك أن تلاحظ عندما تنظر إلى وجهه أنه لم يكن في حالة جيدة، كأنما سُلبت منه الحياة”.
وتغيّب زميله، الذي كان في الأربعين من عمره ويعاني مصاعب صحية موجودة مسبقة جعلته معرضا للخطر في الطقس الحار، عن العمل أسبوعا على الأقل.
وقال دارلينغ، الذي شبّه شاحنة التوصيل التي يعمل عليها بـ”الفرن المتنقل”، إنه “عندما ترتفع درجات الحرارة قد يكون من الصعب جعل الإدارة تستمع إلى مخاوف العمال. المرة الوحيدة التي يأخذون فيها الأمر بجدية هي عندما تقول لهم إنك في سيارة الإسعاف”.
ويطالب العمال بجعل الحماية من الحرارة جزءا من مفاوضات العقود الأوسع.
وعلى عكس بعض الشركات، لا تركب يو بي إس مكيفات الهواء في جميع شاحنات التوصيل الخاصة بها، حيث تقول الشركة إنها لن تكون طريقة فعالة للحفاظ على برودة السائقين نظرا لتصميمها.
وقال المتحدث باسم الشركة ماثيو أو كونور، إن صحة الموظفين وسلامتهم هي “أولويتنا القصوى”، مستشهدا بالزي الرسمي المقاوم للحرارة ومناشف التبريد التي وزعتها يو بي إس، والمراوح في بعض الشاحنات من بين مبادرات أخرى.
واتخذت الحكومة الفيدرالية العام الماضي خطوات لوضع أول معيار وطني للحرارة في محاولة لتفادي إجبار العمال على العمل أثناء درجات الحرارة القصوى.
وقالت إليزابيث ستراتر، مديرة الحملات الإستراتيجية في يونايتد فارم ووركرز، “إنه لأمر رائع أن يكون لدينا معيار حراري فيدرالي في وقت ما، لأننا كنا نطالب به منذ عقود”.
وأكدت على أهمية السير في طريق الولاية “لأنه أسرع” على عكس تمرير القواعد الفيدرالية الذي قد يستغرق سنوات.
وقال دارلينغ، إن صانعي السياسة قد يحتاجون إلى وضع مسودات تشريعية قبل حلول الصيف المقبل وموجات الحر.
وتابع، “ما لم نضع هذه القوانين أو اللوائح.. فقد لا يرغب الكثير من الناس حتى في هذه الأعمال. هذه هي الظروف التي تؤثر علينا ولن يختفي تغير المناخ”.