أخبار وتقارير

الثلاثاء - 13 سبتمبر 2022 - الساعة 11:34 ص بتوقيت اليمن ،،،

إرم نيوز / كرم أمان


مضى شهر ونصف على بدء العام الدراسي الجديد في مدينة عدن وباقي محافظات جنوب اليمن، بينما مازالت العملية التعليمية تترنح ، في ظل استمرار تنفيذ نقابة المعلمين الجنوبيين إضرابا وإغلاقا للمدارس الحكومية، احتجاجا على عدم التزام الحكومة اليمنية بتنفيذ مطالبها وصرف مستحقاتها المالية المتأخرة. وفقا لبيانات صحفية متكررة صادرة عن النقابة.


وكانت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين أعلنت مطلع العام الدراسي الجديد، في 7 أغسطس / آب الماضي، بدء الإضراب الشامل وإغلاق المدارس الحكومية للعام الثالث تواليا ، مرجعة أسباب ذلك إلى ما وصفته بتنصل الحكومة والسلطات المحلية عن مسؤولياتها ووعودها السابقة المتعلقة بالاستجابة لمطالب المعلمين والمحصورة في 6 مطالب رئيسية، منها إطلاق العلاوات السنوية المتأخرة وبأثر رجعي، وبدل طبيعة العمل، وتسوية مستحقات المتعاقدين والمتقاعدين وغيرها.


حلول مؤقتة

تدخل محافظ عدن أحمد لملس مؤخرا، لحل المشكلة القائمة، من خلال لقاءه بنقابة المعلمين في عدن، نتج عنه توافق مبدئي على رفع الإضراب مقابل صرف مبلغ 156 مليون ريال من ميزانية السلطة المحلية شهريا لمعلمي عدن البالغ عددهم نحو 10 آلاف معلم، كعلاوات وطبيعة عمل تضاف إلى مرتباتهم الشهرية، كحل مؤقت، إلى حين إطلاق الخدمة المدنية ووزارة المالية، العلاوات السنوية المتأخرة للمعلمين وبأثر رجعي، أسوة بباقي وحدات الجهاز الإداري للدولة، والتي سبق وأن صدر بها قرار حكومي نهاية العام الماضي.

تسبب ذلك في حدوث انشقاق بين المعلمين ونقابتهم ، فبينما رفض عدد من المعلمين وعناصر في النقابة قرار استئناف الدراسة ، وامتنعت عن استلام مخصصاتها التي دشن محافظ عدن صرفها واستمرت بالاضراب، معتبرة ذلك الاجراء انتقاصا لمطالبها ، استجاب معلمون آخرون للقرار وبدأوا بتأدية عملهم واستأنفوا العملية التعليمية وفتح المدارس.

وصل الأمر إلى إصدار قيادة نقابة المعلمين بيانا أعلنت فيه تجميد عضوية الأمين العام للنقابة في عدن حسين الجعدني، الذي قام بالرد على ذلك الإجراء بإعلان استقالته عن النقابة، معللا أسباب إلى تعرضه لضغوط قوية، بينما استمرت النقابة بتنظيم وقفات وتظاهرات احتجاجية في عدن ولحج وباقي المحافظات.


المعلم يعاني

وفي هذا الشأن، يشكو توفيق، وهو معلم في احدى مدارس العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، منذ 18 عاما، يشكو من الحالة المعيشية الصعبة التي وصل إليها، كحال الكثير من المعلمين والمعلمات في جنوب اليمن، في ظل تدني القيمة الشرائية لمرتبه الشهري الثابت الذي لم يشهد أي زيادة منذ سنوات طويلة، وحرمانه مع باقي زملاءه المعلمين من مستحقاتهم المالية المتأخرة.

يقول توفيق، وهو معلم يدرّس مادة اللغة العربية لطلاب المرحلة الإعدادية، في حديث لإرم نيوز ، أن "راتبه الشهري يبلغ 79 ألف ريال يمني "70 دولار"، ولا يعمل في أي مدرسة خاصة، ولديه ثلاثة أبناء "ولدين وبنت"، يدرسون في مدارس حكومية، كون حالته المادية لا تسمح بادخالهم في مدارس خاصة، التي ارتفعت تكاليفها بشكل كبير ومبالغ فيه مؤخرا، مستغلة إغلاق المدارس الحكومية بفعل إضراب المعلمين ونقابتهم الجنوبية".

وتابع : "والله أني معلم، وضد آلية الاضراب الحالية، ولا اعمل بمدرسة خاصة، وقلبي يقطر دماً على جميع الطلاب، ولكن اتساءل، كيف لي أن أدرّسهم في المدارس الخاصة وانا لم أجد مايكفيهم من القوت، ناهيك عن الإيجار والملبس والتطبيب..... إلخ؟".

ويرى العديد من المعلمين وبينهم توفيق أن "مطالبهم مشروعة ومستحقاتهم قانونية، لكن في ذات الوقت لايضعون ثقتهم الكاملة في نقابة المعلمين ومن يتخاطبون باسمهم وبحقوقهم ، كونها كسائر النقابات التي لم يتم انتخابها، وبعض قياداتها حديثي عهد، ممن لايجيدون العمل النقابي الذي كانت عدن السباقة اليه منذ منتصف القرن الماضي".


خلل في نقابة المعلمين

ترى صفاء علي، وهي احدى المعلمات المتعاقدات في عدن منذ العام 2011 ، أن: "هناك خلل في النقابة الخاصة بالمعلمين، وبشكل عام عملها ليس نقابي بحت، على الرغم من المطالب والحقوق المشروعة للمعلمين، لكن بعض قرارات القائمين على النقابة خاطئة، وأساءت للمعلم وجعلت منه خصم صريح أمام المواطن".

وأضافت: "وهذا نتاج طبيعي لعمل النقابات العمالية بصورة عامة في عدن وجنوب اليمن منذ مابعد العام 1994، التي فقدت أهميتها ومكانتها وفاعليتها وتاثيرها، وأيضا ضاع العمل النقابي بين الصراعات والسياسات، بعكس ماكان عليه عمل النقابات ماقبل العام 1990".


النقابة بعد الوحدة

تغير اسم النقابة من نقابة المهن التعليمية إلى نقابة المعلمين بعد الوحدة التي تمت بيت دولتي اليمن في 1990، وتم تقييد حريات النقابات العمالية وتفريخها وتشتيت عملها.

بهذا الشأن، يقول خالد أمان النقابي السابق والقيادي في الإتحاد العام لنقابات عمال الجنوب الذي تشكل في العام 2012، : "كان مصير نقابة المهن التعليمية وكافة النقابات العمالية بعد العام 1990، كباقي مؤسسات الدولة في الجنوب، التي تعرضت لعمليات تفكيك وخلخلة وطمس ونهب وفصل وإنهاء كلي، وبالتحديد بعد العام 1994، حيث طال الفصل التعسفي العديد من القيادات النقابية ومنهم رئيس الإتحاد العام للنقابات راجح صالح ناجي وأكثر من 22 آخرين في الجنوب، فضلا عن تدمير منشآت نقابية وتخريب بيئة العمل النقابي ومنها المبنى التاريخي للنقابات في عدن الذي بني في الخمسينات ، كما تم تشتيت وتفريخ النقابات التي أصبحت جزءا من سيطرة وهيمنة الحزب الحاكم والأحزاب المؤيدة له، حتى بات للمعلمين ثلاث نقابات تقريبا وبمسميات مختلفة".

ويرى أمان أنه "لم يعد هناك عمل نقابي حقيقي بعد العام 1994، فقد تحولت النقابات إلى أدوات للأحزاب ، وبات القائمين عليها محصورين في هذه الأحزاب ، ومنها نقابة المعلمين التي تم تفريخها إلى ثلاث نقابات، وفقدت مكانتها، ولم تعد بيئة نقابية حقيقية تناصر المعلمين وتدافع عن حقوقهم، وهو الأمر الذي ساهم في تدهور العملية التربوية والتعليمية في مدارس عدن والجنوب عامة، حتى وصل الحال إلى مانعانيه اليوم" حد قوله.


إحياء النقابة من الساحات

وأوضح أمان: "مابعد العام 2011 وعند اشتعال الحراك الشعبي الجنوبي في عدن، بدأت فكرة إحياء النقابات العمالية في الجنوب تتوسع وتلقى ترحيبا كبيرا، فكنت أنا وكوكبة من النقابيين والناشطين أحد المؤسسين للإتحاد العام لنقابات عمال الجنوب من داخل ساحات عدن في العام 2012، بفعل الزخم الجماهيري والضغط الشعبي الذي كان سائد حينها، وتمكنا من تنظيم تظاهرة عمالية وشعبية إلى بوابة ميناء عدن ومبنى الإتحاد العام للنقابات في المعلا ".

وتابع أمان : "برزت نقابات مهنية من الساحات مثل المعلمين والمهندسين والمحامين والأطباء، وأخرى عمالية في داخل مرافق ومؤسسات الدولة، مثل نقابة مطار عدن ونقابة موانئ عدن ونقابة شركة النفط والمصافي والبنوك والمصارف والمياه والكهرباء وغيرها، لكنها ظلت غير نظامية ويشوبها العشوائية ، وانحصرت بالفعاليات الثورية ، وتنظيم بعض الإضرابات الجزئية، ورفع علم الجنوب على واجهة المؤسسات ، والنزول إلى المدارس وترديد النشيد الوطني الجنوبي، حينها شعر النظام السابق وقياداته النقابية بخطورة الوضع الذي بات يهدد كيانه في كافة المرافق الحيوية، فحاول إلى خلخلة النقابات واختراقها عبر تحريك عدد من خلاياه لتشتيت وتفريخ الاتحاد العام لعمال الجنوب ".

مابعد حرب 2015

وحول أوضاع النقابات فيما بعد حرب 2015، لفت أمان إلى أنه " بعد حرب 2015 مباشرة استغل البعض حالة الفراغ الكبير التي كانت سائدة، لركوب الموجة، فحدث للنقابات تماما ماحدث لمؤسسات ومرافق الدولة، وبصورة مفاجئة وجد الوسط العمالي نفسه أمام قيادات فرضت نفسها كأمر واقع في قيادة النقابات الجنوبية، وهي من العناصر التي كانت مقربة من القيادات الحزبية السابقة للنقابات، واستمرت بالعمل الشكلي فقط ".

وأضاف: "ثم جاء المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي تمكن من احتواء كافة النقابات المهنية والعمالية في عدن، ومع ذلك مازالت النقابات مغيبة بصورة كبيرة عن المشهد، وتفتقر للفاعلية والعمل النقابي الحقيقي والمهني، كونها تخلو من النقابيين المؤثرين القادرين على انتشال النقابات وإعادة تفعيل دورها النقابي الريادي، وهو ما أفقدها أهميتها ومكانتها وقدرتها على حل مشاكل العمال ، تماما كنقابة المعلمين التي تتخبط في اجراءاتها وقراراتها غير المسؤولة، نتيجة استمرارها بالعمل وفق عقليات العمل المكوناتي".


لا مقارنة

ولفت أمان : "لا مقارنة بين النقابات والعمل النقابي في الجنوب ماقبل الوحدة ومابعدها، فقد كان للنقابات العمالية ومنها نقابة المهن التعليمية، دورا متميز في سبعينات وثمانينات القرن الماضي على المستويين المحلي والخارجي، ويمكن التأكيد أن نقابة المهن التعليمية كانت تضم العديد من القيادات والكوادر التربوية والتعليمية، برئاسة التربوي مراد علي أحمد اسماعيل، رئيس النقابة، وكذلك الشخصية التربوية عبدالجبار سلام، وراجح صالح ناجي رئيس الإتحاد العام للنقابات وغيرهم الكثيرين".

وأكد أن : " الدولة الجنوبية السابقة، حققت انجازات عديدة في قطاع التعليم، حيث سبق وأن أعلنت منظمة اليونيسكو في العام 1985 عن تحقيق جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المراتب الأولى بالتعليم في المنطقة، وتقلصت نسبة الأمية إلى نحو 2%".

وأختتم أمان : "الصراعات السياسية في تلك الفترة آثرت سلبا على الأوضاع الداخلية للنقابات العمالية وبنيتها القيادية، لكن هذا لم يؤثر على عمل النقابات المحكوم بنظم وقوانين ولوائح منظمة لعملها وتسير في نسق واحد، وهو مافقدناه كليا بعد العام 1990".

ومن الجدير ذكره، أن مستوى التعليم في اليمن تدنى وتدهور كثيرا خلال العقدين الماضيين، وارتفعت نسبة الأمية القرائية في الأرياف إلى نحو 70% وفي المدن إلى 40%، بينما تقارير مختصة غير رسمية إلى ارتفاع نسبة عدد المعلمين ممن لايحملون شهادات أو يحملون شهادات ثانوية عامة إلى 18 و 30% تواليا.