عرب وعالم

السبت - 13 ديسمبر 2025 - الساعة 12:09 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


تحتل المبادرة السعودية موقعاً محورياً في المشهد السياسي والإقليمي المرتبط برفع العقوبات عن سوريا، إذ لم يكن إلغاء قانون “قيصر” الأميركي مجرد قرار أحادي الجانب، بل تتويجاً لمسار دبلوماسي عربي طويل تقود فيه المملكة دوراً حاسماً.

وبعد سنوات من العزلة الاقتصادية والسياسية التي فرضها القانون على دمشق، جاءت الجهود السعودية لتعيد رسم العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة، وتفتح آفاقاً جديدة للتعافي الاقتصادي والاستقرار الإقليمي.

وكانت السعودية، وفق مصادر سورية وأميركية، من أبرز الداعمين للخطوة الأخيرة، التي شهدها مجلس النواب الأميركي مؤخراً، حيث أقر مشروع موازنة الدفاع الوطني للعام المالي 2026 بنداً يقضي بإلغاء العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر”.

ويعتبر هذا القرار تتويجاً لجهود مشتركة بدأت منذ عدة أشهر، اتسمت بالتنسيق المستمر بين الدبلوماسية السورية والمملكة العربية السعودية، وتوسعت لتشمل جهداً تركياً وعربياً إضافياً، مما عزز وزن المبادرة وجعلها محركاً أساسياً للتغيير.

ويرى خبراء سوريون أن الدور السعودي لم يقتصر على الضغط السياسي أو تقديم المشورة، بل كان استثماراً استراتيجياً لتأمين استقرار سوريا باعتبارها دولة مركزية في المنطقة.

وكان اجتماع مايو الماضي، الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره السوري أحمد الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نقطة تحول أساسية، حيث أعلن ترامب خلاله عزمه رفع العقوبات، في خطوة اعتبرت تتويجاً للجهود السعودية المبذولة على مدار الشهور السابقة.

ويشير الخبراء إلى أن الرياض نجحت في تحويل قضية اقتصادية محضة إلى أداة للتقارب السياسي، وفتح مساحة للولايات المتحدة لإعادة النظر في علاقتها بسوريا ضمن منظور أوسع يرتبط بالاستقرار الإقليمي.

وبحسب طارق كتيلة، رئيس لجنة الكونغرس بالتحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار، فإن إلغاء قانون قيصر يمثل خطوة هامة لتحريك عجلة الاقتصاد السوري، وبدء ضخ استثمارات خارجية ضخمة، ليس فقط في القطاع التجاري، بل في البنية التحتية والمشاريع التنموية الكبرى.

وأضاف كتيلة أن “الاقتصاد هو عصب السياسة، وهو المدخل الأساسي لتعزيز السلم الأهلي والوحدة الوطنية”، مشيراً إلى أن الجهود السعودية ساهمت في تمهيد الطريق أمام دمشق لاستعادة دورها الإقليمي والاقتصادي، وتسهيل دخول رؤوس الأموال الأجنبية، بما في ذلك الشركات الأمريكية الكبرى.

وفي هذا السياق، أوضح الكاتب السوري علي عيد أن رفع العقوبات يفتح مرحلة جديدة من الشراكة بين سوريا والولايات المتحدة، بحيث تتحول العلاقة من توتر وعزلة إلى تعاون اقتصادي وسياسي متدرج.

وأضاف عيد أن الشركات الأميركية، مثل شيفرون في قطاع الطاقة، بدأت بالفعل إرسال وفود لاستطلاع الوضع الاقتصادي في دمشق، وهو مؤشر على أن المبادرة السعودية نجحت في خلق بيئة مناسبة للاستثمار وتحريك عجلة التنمية.

ويشير المتابعون إلى أن الدور السعودي تمثل في عنصرين أساسيين: الأول، الضغط السياسي المباشر على الإدارة الأميركية لإقناعها بأهمية رفع العقوبات، والثاني، تعزيز الثقة بين الأطراف العربية والدولية بأن سوريا الجديدة ستكون شريكاً مستقراً ومساهماً في الأمن والتنمية الإقليمية.

وقد أدى هذا المسار إلى تغيير الموقف الأميركي تدريجياً، بحيث أصبحت العقوبات الاقتصادية مجرد أداة يمكن تعديلها وفق تطورات الواقع على الأرض، وليس عقوبة دائمة ضد الدولة والشعب السوريين.

ومن جهة أخرى، لفت كتيلة إلى مساهمة الجالية السورية في الولايات المتحدة، التي لعبت دوراً مكملاً للدبلوماسية السعودية، حيث عملت على توجيه الضغوط إلى الكونغرس والتأكيد على أهمية إزالة العقوبات لتمكين سوريا من التعافي.

ويضيف أن هذا التعاون بين الرياض والجالية السورية ساهم في تحويل القرار إلى مشروع متكامل يحمل بعداً سياسياً واقتصادياً وأمنياً في آن واحد.

ويرى الخبراء أن هذه المبادرة السعودية تعكس رؤية أوسع للسياسة الإقليمية، حيث يتم التعامل مع سوريا بوصفها جزءاً من منظومة أمن واستقرار تمتد من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا.

ولا يعيد رفع العقوبات فقط دمج سوريا في النظام الاقتصادي الدولي، بل يشجع على تقوية مؤسسات الدولة، ويعزز فرص التنمية المستدامة، ويمهد الطريق أمام سياسات بناء الثقة بين دمشق والعواصم العربية والغربية.

وعلى المستوى الرسمي، أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن رفع العقوبات هو “انتصار للحق ولصمود السوريين”، واعتبر الخطوة “تجسيداً لنجاح الدبلوماسية السورية التي عملت بصبر وإيمان على رفع المعاناة”. كما رحبت وزارة الخارجية السورية بالقرار الأميركي، واعتبرت أنه نتاج مباشر للانخراط الدبلوماسي البناء الذي قادته الحكومة السورية مع الولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية، مما يعكس نجاح المسار الذي تقوده المملكة العربية السعودية في هذا المجال.

ولا يمكن إغفال الأبعاد الاقتصادية للقرار، حيث يشكل رفع قانون قيصر بوابة لعودة الاستثمارات والمساعدات الأجنبية، وتحفيز الاقتصاد السوري على بدء مرحلة التعافي بعد سنوات من الأزمة.

ويؤكد الخبراء أن هذه الخطوة ستسهم في تحسين الواقع المعيشي للمواطن، وإعادة تشغيل المشاريع المتوقفة، وتشجيع الشركات الدولية على الدخول إلى السوق السورية، بما يخلق دينامية اقتصادية جديدة.

وبذلك، يمكن القول إن المبادرة السعودية لم تكن مجرد مسار دبلوماسي تقليدي، بل عملية استراتيجية عميقة استثمرت فيها المملكة كل أدواتها السياسية والاقتصادية لضمان تحرك الولايات المتحدة نحو رفع العقوبات.

والنتيجة هي خلق بيئة جديدة تسمح لسوريا باستعادة مكانتها الإقليمية، والانخراط مجدداً في النظام الاقتصادي الدولي، وفتح آفاق شراكة أمريكية–عربية تدعم الاستقرار والتنمية.

ويمثل رفع قانون قيصر تتويجاً لمسار طويل قادته المملكة العربية السعودية، وهو مثال حي على كيفية استخدام الدبلوماسية الذكية لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض. كما يعكس القرار إدراكاً أميركياً متزايداً لأهمية دعم سوريا في مرحلة إعادة البناء والتعافي، مما يضع البلد على أعتاب مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والسياسة الاستقرار، ويؤكد أن التعاون العربي مع الإدارة الأميركية قادر على إحداث تغييرات استراتيجية كبيرة في المنطقة.