عرب وعالم

السبت - 17 مايو 2025 - الساعة 06:08 م بتوقيت اليمن ،،،

وكالات


يثير الحديث عن إمكانية حصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب على طائرة فاخرة بقيمة 400 مليون دولار من دولة قطر موجة من الجدل القانوني والسياسي في الولايات المتحدة، حيث تعيد هذه المسألة إلى الواجهة جدلية العلاقة بين المنافع الشخصية للمسؤولين المنتخبين والنفوذ الأجنبي، ضمن سياقات دستورية لم تُختبر بالكامل حتى اليوم.

وبحسب دستور الولايات المتحدة، يُمنع الرئيس أو أيّ مسؤول فيدرالي من قبول “أيّ هدية أو مكافأة أو منصب من أيّ ملك أو أمير أو دولة أجنبية” دون موافقة صريحة من الكونغرس.

ويندرج هذا البند المعروف بـ”بند المكافآت الأجنبية” ضمن الجهود الدستورية المبكرة لمنع الفساد والتأثير غير المشروع على المسؤولين الأميركيين من قبل قوى خارجية.

وبالمثل، هناك بند داخلي في الدستور يمنع الرئيس من قبول أيّ مدفوعات أو هدايا من الحكومة الفيدرالية أو حكومات الولايات، باستثناء راتبه.

وبالتالي، فإن قبول ترامب طائرة بهذه القيمة دون موافقة الكونغرس، من الناحية القانونية، يشكل على الأقل مخالفة دستورية محتملة، خصوصًا إذا لم يتم تقديمها نيابة عن الولايات المتحدة أو دفع قيمتها العادلة للخزانة العامة.

ورغم وضوح النصوص الدستورية نسبيًا، فإن مسألة “من يملك صلاحية تنفيذ هذه البنود؟” لا تزال غير محسومة.

ولم تحسم المحكمة العليا الأميركية بعد إذا ما كان بإمكان جهات مثل أعضاء الكونغرس أو المدعين العامين في الولايات أو حتى الشركات المتضررة، ملاحقة الرئيس قضائيًا على تلقي هدايا أجنبية.

وعلى سبيل المثال، تم رفض عدة دعاوى ضد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، بما فيها دعوى رفعها أعضاء من الكونغرس في 2017 حول قبول فنادق يملكها ترامب لمدفوعات من جهات أجنبية، وأخرى تقدم بها مدعيان عامان من ولايتين أميركيتين.

وكان السبب الرئيسي لرفض تلك القضايا “انعدام الصفة القانونية” للمدعين، أي أنهم لا يشكلون طرفًا متضررًا مباشرًا، ما يجعل فتح باب التقاضي أمرًا بالغ الصعوبة في مثل هذه الحالات.

ولم تُعالج المحاكم الأميركية حتى الآن، بشكل مباشر، القضايا المرتبطة بـ”المكافآت” الأجنبية بمفهومها الدستوري.

ولا تزال التعريفات فضفاضة والتطبيق الفعلي نادر. لكن تجربة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عام 2009 حين قبل جائزة نوبل للسلام بقيمة مالية تجاوزت 100 مليون دولار، اعتُبرت قانونية، لأن الجهة المانحة – لجنة نوبل – ليست حكومة أجنبية.

لكن، في حالة الطائرة القطرية فالمسألة تبدو أكثر وضوحًا من حيث الجهة المانحة، إذ تمثل قطر كيانًا حكوميًا. وهنا تتعزز المخاوف من تعارض الهدية مع روح القانون الدستوري الأميركي.

ويعد قانون الهدايا والأوسمة الأجنبية من القوانين التنظيمية التي تضع حدودًا إضافية، حيث لا يمكن لأي مسؤول – بما في ذلك الرئيس – الاحتفاظ بهدية تتجاوز قيمتها 480 دولارًا، ما لم تُسجل لصالح الحكومة أو يتم دفع قيمتها الفعلية للحكومة الأميركية.

وهذا يعني أن ترامب – في حال أراد الاحتفاظ بالطائرة – سيكون ملزمًا بدفع 400 مليون دولار للخزانة الأميركية، وهو أمر غير مرجّح عمليًا، ويفتح باب التساؤل حول طبيعة الهدية: هل هي شخصية؟ أم للدولة؟ أم في إطار علاقات تجارية أو دبلوماسية غامضة؟

ويقول مراقبون إنه لا يمكن فصل قضية الطائرة القطرية عن السياق السياسي العام في الولايات المتحدة. فترامب لا يزال شخصية مثيرة للجدل، وتاريخ إدارته السابقة حافل بالمخاوف من تضارب المصالح مع أعماله الخاصة، والقبول بهدية فاخرة من دولة أجنبية يزيد من الشكوك حول طبيعة علاقاته بالدول التي قد تبحث عن نفوذ داخل القرار الأميركي.

كما أن وجود حواجز قانونية أمام ملاحقته قضائيًا لا يعني بالضرورة أن القضية بلا عواقب، إذ يمكن للكونغرس، في حال تغير التوازن السياسي فيه، أن يستخدم هذه القضية ضمن أدوات رقابية قد تصل إلى التحقيق أو المطالبة بالمحاسبة.

وتحمل قضية الطائرة القطرية أبعادا سياسية ودبلوماسية تتجاوز مجرد الجدل القانوني حول شرعية قبولها، لتندرج ضمن تحولات أعمق في كيفية توظيف الهدايا السياسية كوسيلة للتأثير الناعم على شخصيات نافذة في مراكز القرار الأميركي.

وبينما يحتدم النقاش في واشنطن حول مدى دستورية قبول ترامب لهذه الهدية دون موافقة الكونغرس، تنظر دوائر السياسة الخارجية إلى الخطوة بوصفها مؤشرا على طموح قطر للتموضع بشكل أوضح داخل منظومة النفوذ الأميركي.

وتُقرأ هذه الخطوة المحتملة في سياق تراكم مصالح قطرية مع شخصيات تنتمي إلى جناح ترامب السياسي، بدءًا من استثمارات في مؤسسات أميركية ذات طابع فكري أو إعلامي، مرورًا بعلاقات شخصية مع مستشارين له، وليس انتهاءً بالرهان على مقاربة “أميركا أولاً” التي يرفعها ترامب، والتي كثيرًا ما أوجدت هامشًا أوسع للدول الصغيرة أو المتوسطة التي تجيد المناورة بين الملفات الحساسة دون الوقوع في الاستقطاب الحاد بين القوى الكبرى.

ويقول محللون إن تقديم طائرة فاخرة لترامب لا يفهم فقط باعتباره عملا رمزيا أو مجاملة سياسية، بل كأداة استثمار إستراتيجي تسعى من خلالها الدوحة لضمان علاقة خاصة مع الرئيس الأميركي.

ولطالما اعتمدت قطر على أدوات النفوذ غير التقليدية – من الإعلام إلى الوساطة الإقليمية، ومن الاستثمار الرياضي إلى الدعم الإنساني – تدرك أن علاقتها المباشرة مع ترامب تتيح لها مجالاً خاصاً للمناورة، خاصة إذا ما تراجعت العلاقات مع الإدارة الديمقراطية الحالية أو تعرضت للمزيد من الضغوط من جهات نافذة في الكونغرس.

ومن هذا المنظور، فإن قضية الطائرة ليست مجرد اختبار للضوابط الدستورية الأميركية، بل هي تعبير عن فلسفة سياسية ترى أن النفوذ في واشنطن لا يُبنى فقط عبر السفارات أو التحالفات العسكرية، بل أيضاً عبر العلاقة الشخصية مع من يملكون القرار.

وبينما لم يُعرف بعد ما إذا كانت الطائرة ستُمنح فعلاً أو كيف ستُسجّل رسميًا، فإن مجرد تداول الفكرة علنًا يكفي ليشكّل ضغطا أخلاقيا على ترامب، ويفتح الباب أمام نقاش أوسع حول حدود التأثير الخارجي في السياسات الداخلية الأميركية عبر الوسائل غير التقليدية.