أخبار وتقارير

الإثنين - 21 أغسطس 2023 - الساعة 10:04 م بتوقيت اليمن ،،،

كتبه البرفيسور أ. د. عبدالله بن عبدالله عمر


رسم الشاعر نصيب -رحمه الله -ۨ لليل صورة واضحة جليلة فيها تسلسل وتنوع، فمن يجمع ما تفرق من شعر نصيب - رحمه الله - في الليل يستطيع أن يری الصورة الجميلة التي رسمها نصيب لليل وإن تفرّقت أجزاؤها في أكثر من قصيدة.
والصورة الإجمالية هي أنّ الليل صديق لنصيب نصيب -رحمه الله - فهو يعاني، ثم يتحول الليل إلی مستمع للشكوی، ففي ظلام الليل ما يواسي نصيب وفي سهده ما يضنيه ويرهقه، ثم يُصور لنا نصيب - رحمه الله - الليل بإنسان ينصحه بالتوبة لكن نصيب بسبب نصيحته لنصيب بالتوبة يتهم نصيب الليل بالقساوة.
وإذا بحثنا عن هذه القساوة التي وصف نصيب بها الليل، سنجدها تتمثل في نصح الليل لنصيب بالتوبة، وأنّ البكاء ذنوب، هذا النصح لا يعجب نصيب.
إنّ موقف نصيب رحمه الله - من الليل لم يُفصح به شاعر من شعراء العربية، فلا نجد حتی كتابة مقالنا هذا شاعرًا رسم لليل صورة فنية جميلة بريشة تتممتع بها العربية، فنصيب فنان مبدع - وما أكثر المبدعين في الخضيرة لحج المهمل تراثهم والمجهولة آثارهم - ثم إنّ الناظر نظرة خاطفة إلی صزرة الليل عند نصيب - رحمه الله - قد يظنۥأنّ شاعرنا نصيب يتناقض، لكنّ لو أمعن التأمل سيجد أن نصيب رسم صورة لليل مكتملة متدرجة وإن توزّعت أجزاؤها.
وبعد ذلك فإنّ نصيب - رحمه الله - من كثر طول ليله طالب القمري أن يسجع ليصحو الورد من بدري.
وفي بيتين ما أروعهما يقول نصيب - رحمه الله- (سنفرد لهما موازانة مع بيتين لامرئ القيس تكلم فيهما عن الليل)، والبيتان هما:
أنا يومي بلا بكرهْ
وليلي ما طلع له نهار
ما سبق كان تعليقًا عامًا لكل ما جاء عن الليل في شعر نصيب -رحمه الله - ، ثم نأتي إلی بيان هذه الصورة مقترنةبما يوضِّحها من شعر الشاعر اللحجي نصيب - رحمه الله -
فالليل صديق وفي يشاطر نصيب - رحمه الله- الهم والغم والويل، وينقل لنا نصيب هذه المشاركة مع الليل فبفول:
وجيت وأنا مع الليل
في هم في غم في ويل
وفي تكرار حرف الجر (في) دلالة علی بيان شدة مايعانيه، وكأنّه يعاني كل ذلك علی حدة، وبتكرار حرف الجر (في) يتبين وهذا يعد تغاير بين الهم وبين الغم والويل
وتعددت أوضاع نصيب مع الليل، فتارة يشكو إلی الليل معاناته من غير أن يطلب المواساة منه، فيقول:
شكوتُ الليل من أمره
وفي قصيدة (يااللي تركت الدمع) يقول:
اشتكي لليل ظلمي والعذاب
لطلوع الفجر وأنا في عتاب
فنصيب يبث ظلم الحبيب وما يتعرض له من عذاب
و يُشرِك نصيب - رحمه الله- النجمة بعدما قسی عليه الليل، فيكثر من عتابها و لا يكتفي بذلك بل يحثها علی أن تعطيه الجواب.
وفي قصيدة (يلوموني) يذكر وحدته مع الليل الطويل، فلا صديق ولا أنيس ولا عدو، فيقول:
وطول الليل وأنا وحدي
فهو منفرد لا يجد من يجيبه، فيقول:
بانادي ما يجيبوني
فكلهم ترك الإجابة عدا دمعه وأناته، فهما قد تكفلا بالإجابة، وفي الإجابة مواساة، يقول:
بانادي ما يجيبوني
سوی دمعي وآناتي
ثم يحكم علی الليل بأنّه قاسي فقال:
وحتی الليل ما أقساه.
مسكين نصيب حتی الليل لم يرحمه ويعطف عليه.
لقد عانی صالح نصيب كثيرًْا من الليل ومع ذلك فليس الليل كله سيء عند نصيب - رحمه الله - ففي ظلام الليل وجد مواساة وفي سهد الليل عانی من الضنی، يقول:
ظلام الليل واساني
وسهد الليل أضاني
شبه الليل بإنسان يواسي ثم حذف المشبه به ورمز له
إنّ مجيء الليل يُشكل معاناة لنصيب، فتجده يخاطب النجمة، فيقول:
إذا جاء الليل يا نجمه
يبات القلب في همه
لم يقتصر نصيب علی ذكر الليل، بل حتی النهار شارك الليل في الضغط علی نصيب - رحمه الله - ففي النهار البلوی وفي الليل الشكوی، يقول نصيب - رحمه الله -
نهارك يحمل الشكوی
وليلك يحمل البلوی
وزادت روعة البيتين أنّه يخاطب نفسه في أسلوب تحسر وتألم.
ولا غرابة أن ينتهي نصيب مع أيامه وليله بقوله:
أنا يومي بلا بكره
وليلي ما طلع له نهار
ثم يُعلن نصيب رحمه الله - أنّه سيصبر علی المعاناة ويتعايش معها فيقول في قصيدته (عرفت الناس إلا أنت):
أنا باعيش في ناري
وباشرب دم أفكاري
ويُفسِّر لنا نصيب هذا القرار المصيري، العيش في ناره، وكنَّی بالنار عن الهموم والحرمان والسهد وما أروعه تصوير، شخّص المعنوی بحسي كأنّه نار، وقد علل نصيب هذا القرار بقوله:
لأنّك أنت اللي عتقته.
هذا ما سمح به الوقت.
وسنفرد بإذنه منشور نُوضِّح فيه الصور البلاغية وعلی رأسها الاستعارات التصريحية في الليل.
وللحديث بقية
موازنة بين ما قاله امرئ القيس في الليل
وما قاله نصيب في الليل.
كتبه البرفيسور أ. د. عبدالله بن عبدالله عمر
جامعة لحج
كلية صبر للعلوم والتربية صبر