عرب وعالم

الأحد - 16 أبريل 2023 - الساعة 04:20 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


تشير التطورات المتلاحقة في السودان إلى أنه أمام ما يمكن وصفه بـ”الربيع العسكري” للقضاء على ازدواجية القرار العسكري في البلاد وما يسبّبه من ارتباكات سياسية تستفيد منها جهات تتربص للوثوب على السلطة.

واستبقت قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) انقلابا عسكريا محتملا كان فلول الرئيس السابق عمر البشير وقيادات محسوبة على جماعة الإخوان داخل الجيش يعدون للقيام به لقلب الطاولة على العملية السياسية.

وأجهض تحرك الدعم السريع السبت ما تردد بشأن محاولة انقلابية جديدة بمعرفة قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، والذي ظل يناور ويراوغ الفترة الماضية للتنصل من عملية تسليم السلطة للقوى المدنية وفقا للاتفاق الإطاري.

ويؤدي استمرار الاقتتال واتساع نطاقه إلى وضع السودان على فوهة بركان مع وجود حركات مسلحة عديدة تنتشر في مناطق مختلفة وتملك معدات قتالية متباينة يمكن أن تنزلق أقدامها إذا انحازت لأيّ من الطرفين المتصارعين.

ويقول مراقبون إن السودان أمام ربيع عسكري يمكن أن يفض الاشتباك بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع بعد أن أصبح وضع الجنرال البرهان صعبا في ظل معلومات متداولة حول وجود انقسام داخل الجيش، وممانعة بعض القيادات العسكرية لميوله ودعم تسليم السلطة للمدنيين، والقبول بتحرك قوات الدعم السريع.

ويضيف المراقبون أن عناصر كثيرة في الجيش أدركت أن الهدف من التسويف والمماطلة التي ظهرت ملامحهما في ممارسات قائد الجيش مؤخرا هو توفير فرصة لعودة فلول البشير والإخوان من خلال تهيئة الأجواء لانقلاب عسكري.

وقال المحلل السياسي السوداني شوقي عبدالعظيم إن ما يدور في السودان يرجع إلى أن أطرافا داخل الجيش كانت لديها رؤية مخالفة لما يجري في الفضاء السياسي العام، وهي من دفعت نحو الانزلاق إلى الصراع المسلح، وأن حديث بعض قيادات الجيش عن الهدوء والتفاهم لم يكن محل اتفاق داخل صفوفه.

وأشار لـ”العرب” إلى أن استخبارات الدعم السريع رصدت تحركات مريبة منذ فترة تتجه إلى تمهيد الطريق نحو الانقلاب على اللعبة السياسية، وبدا أن الحديث عن التهدئة مجرد مراوغة ضمن الخداع الإستراتيجي الذي تتسم به الحروب.

وأبدى متابعون للتطورات مخاوفهم من أن ينزلق السودان إلى حرب أهلية واسعة وممتدة إذا لم تتم معالجة الأمر سريعا وبحكمة ، وبالتالي تتعطل العملية السياسية برمتها، ويعد ذلك أحد الأهداف التي يسعى إليها فلول البشير، وقد يدفع ثمنه المواطنون الذين يهمهم توفير الأمن أولاً ودفع الطرفين للتهدئة.

وتحركت وساطات من جانب أطراف داخلية وخارجية مبكرا، غير أنها لم تتمكن من تقريب المسافات بين الجيش والدعم السريع بسبب تباعد الرؤى، لكنّ هناك انحيازا شعبيا وسياسيا نحو مواقف الدعم السريع بعد تكشف معلومات حول مؤامرة الانقلاب التي كان فلول البشير والإخوان يحضرون لها للقفز على السلطة.

ولفت شوقي لـ”العرب” إلى أن كل طرف يحاول كسر قوة الطرف الآخر، ومن قام بإطلاق أول رصاصة قد لا يعلم كيف يُنهي الصراع الذي من المتوقع أن ينتقل من الخرطوم إلى مناطق أخرى، وأن التعويل يبقى على تدخل الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية والإقليمية لحث الطرفين على وقف القتال.

وعبّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن بالغ قلقه إزاء تقارير عن تصاعد العنف بين الجيش وقوات الدعم السريع، ودعا إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية.

وأجرت قيادة قوات الدعم السريع اتصالات مع الآلية الرباعية، المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، ومجموعة الوساطة المشكلة من ثلاثة من قادة حركات مسلحة، وهم: مالك عقار ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، وأطلعتهم على الأمر وما جرى من تطورات في الساعات الأخيرة.

وقدم كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع رواية متناقضة مع الآخر حول أسباب اندلاع الاشتباكات بين الجانبين، فقد أصدر مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش بيانا قال فيه “في مواصلة لمسيرتها في الغدر والخيانة حاولت قوات الدعم السريع مهاجمة قواتنا في المدينة الرياضية ومواقع أخرى”.

بينما أصدرت الدعم السريع بيانا جاء فيه “تفاجأت قوات الدعم السريع صباح السبت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل إلى مقر تواجد القوات في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم، وضربت القوات السودانية حصارا على القوات المتواجدة هناك ثم انهالت عليها بهجوم كاسح بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة”.

وأوضح الجنرال حميدتي في تصريحات إعلامية السبت “لن نتوقف إلا بعد السيطرة على كل مواقع الجيش، ولا أستطيع أن أحدد متى ينتهي القتال، فالحرب كرّ وفرّ”.

وأصدرت دول عربية عديدة بيانات منفصلة عبرت فيها عن قلقها البالغ من التطورات في السودان، وطالبت كافة الأطراف السودانية بضبط النفس.

وكان لموقف القاهرة من الأزمة بين البرهان وحميدتي أهمية كبيرة، وكان العديد من السودانيين ينتظرونه لمعرفة فحواه بعد أن راجت معلومات حول وجود طائرات مصرية في قاعدة مروي العسكرية في إطار تدريبات وتعاون بين جيشي البلدين قيل إنه يمكن أن تستخدم في الصراع العسكري بين القوتين السودانيتين.

وحسمت وزارة الخارجية المصرية هذا الأمر السبت عندما أصدرت بيانا قالت فيه “تتابع مصر بقلق بالغ تطورات الوضع في السودان على إثر الاشتباكات الدائرة هناك، وتطالب كافة الأطراف بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب الشقيق، وإعلاء للمصالح العليا للوطن”.

وخشيت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن يكون العقد العسكري قد انفرط في السودان، بما يجعل من الصعوبة العودة إلى العملية السياسية، بعد أن وصلت الأوضاع إلى الصراع المسلح الذي لا يعلم أحد المنتصر فيه.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن ما حدث انتصار للثورة السودانية، لكن قد يمثل وبالاً على المكونات العسكرية، حيث برهن على مدى الخلاف الكبير داخل الجيش الذي كان يتّهم المدنيين بشكل مستمر بأنهم من يعرقلون عملية التحول الديمقراطي، وتأتي أهمية ما يحدث ليؤكد أن المؤسسة العسكرية لن تعود إلى الحكم.

وأكدت تماضر الطيب أن اشتباكات السبت هي بداية النهاية لكل الخارجين عن القانون داخل المؤسسة العسكرية، وسوف تقود إلى تصفية جديدة داخل قوات الجيش، وربما تكون لها تأثيرات سلبية على الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.