منوعات

الجمعة - 14 أبريل 2023 - الساعة 09:11 ص بتوقيت اليمن ،،،

أحمد حافظ


تقدم عدد من نواب البرلمان في مصر بطلبات إحاطة عاجلة إلى وزير الأوقاف المصري مختار جمعة ومسؤولي الهيئة الوطنية للإعلام باعتبارهم مكلفين بإدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون في مصر، لوقف سيل الإعلانات التي سيطرت بشكل كبير على إذاعة القرآن الكريم، ما تسبب في تراجع تأثيرها كمنبر تنويري معتدل.

وانتقد النواب تحول إذاعة القرآن الكريم لتكون محط أنظار وكالات الإعلانات التجارية، وهو ما يبتعد كثيرا عن جوهر رسالتها الدينية ومكانتها الروحية، فهي ليست إذاعة ربحية، كما أن هذه الإعلانات يتم تغليفها بصورة دينية من خلال الاستعانة بآيات من القرآن والسنة النبوية، وهي أمور تحتاج إلى مراجعة مع تطوير جذري في المحتوى.

وبدأت هيمنة الإعلانات التجارية على إذاعة القرآن الكريم تثير استفزاز الجمهور، حيث تركز فقط على جمع التبرعات لعلاج المرضى، وبناء المستشفيات، وإنشاء محطات مياه للبسطاء، والتأمين على الحياة من الحوادث، بشكل بات مملا ومحبطا لشريحة كبيرة من المستمعين، وهي إشكالية أصبحت مطروحة بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي، وكتب مغردون عنها بطريقة غاضبة دفعت نواب البرلمان إلى التحرك.

وكتب ناشط في هذا السياق:

FetyanSmih@

#نداء للسيد رئيس الإذاعة.

إذاعة القرآن الكريم أنشئت من أجل الدعوة وعلوم الدين وليس محطة إعلانية للجمعيات الأهلية والخيرية واللصوص والحرامية والصيدليات والشركات. إعلانات تستخدم وقت شاسع ولافت للنظر وممل. من أعطاك الحق.

هذه إذاعة دعوية وليست إعلانية.

وتتم إعادة إعلانات التبرعات على إذاعة القرآن الكريم على مدار اليوم، مع أن الجمهور تعوّد على أن يسمع من المحطة قراءة القرآن من أجمل الأصوات والأحاديث والابتهالات والمدائح النبوية والرد على الاستفسارات التي تصل إلى علماء الأزهر والأوقاف، لكن الجزء المخصص من الوقت لجلب التبرعات زاد وأضحى طويلا ومثيرا للشكوك، ويؤثر سلبا على المحتوى الديني والدعوي المعروف عن المحطة.

وقبل ظهور وسائل الاتصال الحديثة كانت إذاعة القرآن الكريم تحمل مكانة استثنائية عند فئة كبيرة من الجمهور المصري، لأنها الصوت الإذاعي اللافت الذي نجح في اختراق قلوب الناس وعقولهم على تنوع طبقاتهم الاجتماعية من خلال شخصيات وأصوات دينية مميزة تعد جزءا من تاريخ المصريين.

واعتاد فكري منصور، وهو رب أسرة خمسيني، أن يبدأ يومه بسماع القرآن الكريم في الإذاعة من خلال راديو السيارة، لكنه بمجرد بدء الفقرات الإعلانية يضطر للبحث عن محطة أخرى أو إغلاق الراديو، لأنه لا يتحمل استمرار بث إعلانات لفترة طويلة وحث الناس على التبرع بإلحاح وطريقة تبتز مشاعر المستمعين وتجبرهم على سماع ما لا يرغبون فيه.

وقال منصور لـ”العرب” إن الإعلانات التي تبث طوال اليوم على إذاعة القرآن الكريم هي متاجرة بالدين ولعب بمشاعر الناس مرتبطة وجدانيا بهذه المحطة، لكن لا يعني أن المستمعين منحوا الإذاعة شيكا على بياض لتنحرف عن مسارها وتخلط الدين بالتربح.

ويضيف أن القاعدة الجماهيرية الأكبر لإذاعة القرآن الكريم لم تعد تتعامل معها كمنبر إعلامي تثقيفي مع انخراطها في سياسة إعلانية مثيرة للاستفزاز، مع أن هناك بدائل عصرية يمكن الاستعانة بها، مثل وسائل التواصل والبرامج الدينية التي تبث على الهاتف والتطبيقات التي تنشر الفتاوى باستمرار.

ويرى متابعون أن أزمة مسؤولي الإعلام في مصر أنهم لا يدركون التغيرات التي حدثت في تركيبة الجمهور، فلم يعد يقبل فرض سياسة تلفزيونية أو إذاعية بأسلوب الأمر الواقع، وليس هناك شيء مقدس طوال الوقت مهما جرى تغليفه بغطاء روحي، فاللعب على هذا الوتر يكرس قطيعة الجمهور مع المنبر الإعلامي.

ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن رفع القدسية الدينية عن إذاعة القرآن الكريم وتمرد الجمهور على ما يقدم عليها من برامج تقليدية وإعلانات تجارية رسالة شديدة اللهجة إلى صانعي القرار الإعلامي بأن الإبقاء على نفس الوتيرة بدعوى أن المحطة انعكاس لصورة الإسلام ولا يجوز نقدها أصبح دربا من الخيال.

ووفق دراسة صدرت عام 2020 عن المركز المصري لدراسات الإعلام فإن محطة القرآن الكريم تحتل المرتبة الثانية على مستوى الإذاعات المصرية في معدلات الاستماع، لأن الشريحة الأكبر في المجتمع تربت ونشأت على التعامل معها باعتبارها المنبر الروحي المفضل لهم.

وأكد حسن مكاوي عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا أن نقد الإذاعة بداية لإعادتها إلى المسار الصحيح، وهذا مطلوب مع أيّ منبر إعلامي ينحرف عن الطريق المرسوم له، فالجمهور لم يعد يتقبل سوى المحتوى الذي يتناسب مع متطلباته، ولكن العناد مع الشريحة المستهدفة بالإبقاء على الأسلوب الدعائي لإذاعة القرآن الكريم يضرب هيبتها ورمزيتها عند الجمهور.

وأوضح لـ “العرب” أن استغلال جماهيرية إذاعة القرآن الكريم في بث إعلانات تجارية جعل بعض المستمعين يشعرون بخديعة، وهذا يتناقض مع الأعراف الإعلامية والمهنية والمعايير المنظمة للمحتوى الإعلاني، بدليل أن شريحة كبيرة من الجمهور أصبحت مستفزة من هذا الأسلوب، والتماهي مع ذات السياسة على الرغم من الرفض المجتمعي والبرلماني لها، لأنها تشوه صورة الإعلام برمته وتجعله ربحيا فقط وليس خدميا.

وتزامن الامتعاض الجماهيري مع إعلانات إذاعة القرآن الكريم مع تصاعد وتيرة الاستفزاز من الفقرات الإعلانية التي تتخلل المسلسلات الرمضانية، وطول مدتها وغياب عناصر الجذب والتشويق فيها، حتى أصبح هناك عداء ظاهر من الناس مع كل ما يرتبط بالسياسة الإعلانية على مستوى الإذاعة والتلفزيون.

ولفت مكاوي إلى أن أبرز سلبيات الإعلانات التجارية في الإعلام المصري يكمن في تعمد بعضها ممارسة الابتزاز العاطفي، وغير مقبول أمام حالة الامتعاض الجماهيري لهذه السياسة أن تستمر على نفس الوتيرة بمخاطبة الخيّرين، لأن الشعب الذي ثار على توظيف تيارات الإسلام السياسي للدين لن يقبل فرض الأمر الواقع عليه.

وبرر محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية في تصريحات إعلامية سيطرة الإعلانات على إذاعة القرآن الكريم بأن الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي دفعت المحطة لذلك، مبينا أن حصيلة الإعلانات وصلت إلى 25 مليون جنيه سنويا (نحو 860 ألف دولار)، مشيرا إلى أن هذه العوائد نتيجة لمصداقية المحطة.

ويقول معارضون لهذه السياسة ليس مطلوبا من الإعلام الرسمي أن ينفق على نفسه أو يطلب من الجمهور عوائد مالية بالإكراه مقابل الخدمة عبر الإجبار على سماع الإعلانات، لأن الحكومة مسؤولة عن توفير العوائد المالية للخدمة الإعلامية.

وما لم تتطرق الحكومة لمعضلة العزوف عن الاستماع لإذاعة القرآن الكريم ومعالجتها ستواجه مشكلة أكبر عندما تفقد أهم منبر يقدم رسالة دينية وسطية، ما يخدم تيارات متطرفة يستهويها سقوط الإعلام التوعوي لتنشر رسائلها عبر منابرها.