منوعات

الثلاثاء - 11 أبريل 2023 - الساعة 09:02 ص بتوقيت اليمن ،،،

وكالات


يقول فواز بن علي الدهاس مدير عام مركز تاريخ مكة المكرمة سابقا لوكالة الأنباء السعودية (واس) “عندما قدم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة المكرمة في العام 17 للهجرة، بعد علمه بما تعرض له المسجد الحرام من خراب عقب مداهمة السيل له، أمر ببناء سور أو حائط حول صحن المطاف يحدد مساحته، ولم يكن هذا الحائط يرتفع بأكثر من قامة؛ وبذلك أصبح للمسجد الحرام خصوصية تفصله عن دور قريش، ووضع مصابيح تضيء في صحن المسجد”.

وتروي كتب التاريخ استخدام المسلمين لأنواع من الإضاءة كالمصابيح والسرج والزيوت والشموع والقناديل التي تنوعت ما بين الذهب والفضة والنحاس؛ رغبةً في إضاءة ساحات المسجد الحرام سواءً للصلاة أم مجالس الذكر أم لأداء العمرة، وكان يستخدم ما يعرف بالفتيل في وسط هذه القناديل، وذلك خلال العصر المملوكي وما تلاه من العصر العثماني، بحسب الدهاس.

وكانت هذه القناديل تجلب من بلاد الشام وبلاد الروم وغيرها، وكانت العواميد تقام حول المطاف وتعلق بها هذه القناديل، ثم استبدلت بالحجارة، ومع تواتر السنين أصبحت من الحديد والنحاس المطلي باللون الأصفر. وفي عهد معاوية بن أبي سفيان أضيء المسجد الحرام بالقناديل واستخدم الزيت وقودا للإضاءة، وجعلت نفقته من بيت المال، ثم خُصص عمال يقومون بهذه المهمة.

ونالت إضاءة الحرم المكي في عهد الدولة العباسية عناية الخلفاء العباسيين، فأضيئت جنبات المسجد الحرام الأربع فضلا عن صحن الطواف الذي ركزت الإضاءة فيه بشكل دائري لتغطي المطاف، وتم تعيين عمال لأداء هذه المهمة، وخُصص مستودع بجوار المسجد لصيانة هذه القناديل التي كانت تتضاعف في شهري رمضان وذي الحجة لكثرة المصلين والمعتمرين والحجاج.

وامتد اهتمام العباسيين بالعناية بالمسعى، فأنشئت أعمدة تعلق عليها هذه القناديل بين الصفا والمروة، واستمر الأمر كذلك خلال العصر المملوكي، وأصبحت هناك أسر معينة توارثت هذه المهنة، وخصصت أوقات لهذه الخدمة تحت إشراف شيخ الوقادين.

وكان من مهمات الوقادين إخراج الشمع والمصابيح والقناديل وتجهيزها وتنظيفها وتلميعها وتعبئتها بالزيت استعدادا لغروب ذلك اليوم، ويتم توزيع الإضاءة في نواحي المسجد.

واستمرت إضاءة المسجد الحرام بالوسائل التقليدية حتى سنة 1339هـ (بين سنتي 1920 و1921 م)، حيث استبدلت بمصابيح كهربائية على نطاق ضيق، حتى كان عام 1347هـ (1928 – 1929 م)، حيث أمر الملك عبدالعزيز آل سعود بتجديد مصابيح المسجد الحرام وزيادتها إلى ألف مصباح، وفي عام 1349هـ (1930 – 1931 م) وجَّه بشراء ماكينة لتوليد الطاقة الكهربائية.

وفي عام 1373هـ (1953 – 1954 م) تم إدخال الكهرباء بصفة رسمية إلى مكة المكرمة وأنير بها المسجد الحرام، وأسندت المهمة إلى الشركة السعودية للكهرباء.

ونظرا لما شهده المسجد الحرام من توسعة عرفت في التاريخ بالتوسعة الأولى، أمر بها الملك عبدالعزيز ونفذت في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز ثم الملك فيصل بن عبدالعزيز، أنشئت في 1405 هـ (1984 – 1985 م) شبكة كهربائية متطورة، تتكون من 4 محطات في منطقة باب الملك عبدالعزيز وباب العمرة وباب “الفتح” وباب الصفا؛ كان الهدف منها تفادي انقطاع التيار الكهربائي عن المسجد بجوانبه وأدواره المختلفة.

وفي عام 1992 تم تحديث هذه الشبكة لتواكب التطور العمراني الذي يشهده المسجد الحرام، وفي العام 1993 وبعد إنجاز التوسعة السعودية الثانية تم إنشاء محطتي تغذية رئيسة لتواكب هذه التوسعة مع إنشاء محطتين لتغذية المعدات الميكانيكية؛ لتعمل على تكييف الهواء في سائر أنحاء التوسعة.

وشهدت إضاءة الحرم المكي في العصر الحالي نقلة نوعية استخدمت فيها التقنية الحديثة، حيث تميزت الثريات والقناديل والنجف بطابعها الإسلامي الفريد، التي صنعت خصيصاً للبيت العتيق بأشكال وأحجام مختلفة وبأعلى المواصفات؛ لتضفي لمسة جمالية تضيء أرجاء المسجد الحرام وساحاته وسطحه ومناراته.

ويوجد في المسجد الحرام أكثر من 500 نجفة مختلفة الأشكال والأحجام، وتتميز الثريات والفوانيس والمصابيح بتشكيل زخرفي مستوحى من الطراز الإسلامي، حيث رسم على عددٍ منها آيات قرآنية بخطوط فنية وزخرفية غاية في الروعة.

ويبلغ عدد وحدات الإنارة في أرجاء المسجد الحرام وساحاته والسطح والمنارات والتوسعة أكثر من 120 ألف وحدة إنارة ترتبط بمحطة خاصة للتحكّم فيها من خلال تزويد البيت العتيق بأحدث التقنيات المتوافرة من الإنارة والتحكّم بها وبكثافتها، كما يوجد أكثر من ألف وحدة إنارة مثبتة على الأعمدة والأسوار الخارجية المحيطة.

وتعمل هذه الثريات والفوانيس والمصابيح بنظام إنارة مرشدة للطاقة “ليد”؛ بهدف رفع كفاءة الإضاءة وتوفير الطاقة، مع تصميمها الفريد المتسق مع الطابع المعماري للمسجد والمصنوعة من الإستانل ستيل والمطلية بالذهب، وتزن الثريا الواحدة 280 كيلوغراما، مع طبقة حماية من اللاكر ذات المقاومة العالية للخدوش والصدمات.

كما يتميز نظام التعليق المخصص لها بديناميكية ومرونة عاليتين من نوع “دوبلكس” المقاومة للتيارات الهوائية والتغيرات المناخية، طبقًا لأفضل المواصفات الفنية والممارسات الهندسية المتبعة في هذا المجال، ووفقاً لنظام كود البناء السعودي.

وتعمل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الصيانة اللازمة لإنارة المسجد الحرام بشكل دوري، تشمل أعمال التلميع والتأكد من عمل الكشافات وتوصيلاتها بشكل دائم ومستمر، كما تحرص فرق الصيانة على الكشافات الخاصة بفوانيس حجر إسماعيل، حيث يُغير الكشاف بالكامل في حالة تعطله، كما يُجدد دهان تلك الفوانيس من خلال فك أجزائها وإزالة الطلاء القديم ومعالجته، ومن ثم صقل الفانوس بواسطة جهة مختصة في مجال الأعمال المعدنية وبمواد وأجهزة مخصصة في عملية إعادة تأهيل وصيانة المعادن، ليتم بعدها طلاء الفانوس بماء الذهب، كما تقوم الإدارة العامة للتشغيل والصيانة بعمل صيانة شهرية لثريات حجر إسماعيل الثلاث، التي صممت على شكل فانوس قائم على قاعدة عريضة مزخرفة على هيئة أقواس وخلفية من الزجاج تسمح بنفاذ الضوء، منتهياً برأس مدبب على شكل هلال وفي كل فانوس كشاف ليد يضيء باللون الأخضر.