منوعات

الخميس - 30 مارس 2023 - الساعة 09:04 ص بتوقيت اليمن ،،،

حكيم مرزوقي


لماذا تعرض غالبية القنوات الرسمية وشبه الرسمية في العالم العربي دراماها المحلية في الموسم الرمضاني الحالي، فيقبل عليها جمهورها وتحقق نوعا من “الاكتفاء الذاتي” في هذا الشهر على الأقل؟

هل أن الأمر صار أشبه بأطباق الأكل والحلويات التقليدية التي يحبذ عموم الناس التهامها في المناسبات والأعياد ثم يشيحون عنها وينفضون من حولها في باقي الأيام؟

نعم، تصح هذه المقاربة بين المطبخ والدراما إلى حد بعيد، فقلما صادفنا واحدا يقتني البيتزا كوجبة للإفطار ويفضلها على ما يجود به مطبخ البيت.

وإذا استثنينا المحطات الإنتاجية الضخمة واسعة الانتشار كمجموعة "إم.بي.سي" ومنصاتها، فإن غالبية القنوات المحلية العربية تتصالح مع جمهورها المحلي، وتدير ظهرها إلى ما اعتادت أن تتابعه منذ سنوات خلت، من أعمال تدعي التوجه إلى جميع العرب.

نستطيع القول هذا العام، إن مسلسلات البيئة الشامية، والجوسسة والملاحم الحربية والشخصيات الدينية والتاريخية قد كسدت سوقها، وقل متابعوها إلى حد كبير.

وبالمقابل، فإن الدراما الاجتماعية المحلية التي تتناول الواقع المعاش، وجدت نفسها تحت أنظار واهتمام جمهور يتزايد أكثر، حتى وإن كانت بمواصفات فنية متوسطة أو متواضعة بالمعيار النقدي التخصصي.

ترى، ما سر هذه الهبّة والمناصرة غير المسبوقة للإنتاج المحلي في كل بلد على حدة؟ هل تخلى الناس فجأة عن “حسهم القومي” في الدراما وتحولوا إلى “حس قطري” وفق المنطق الأيديولوجي التقليدي؟

الجواب: طبعا لا، لكن مجموعة عوامل وتحولات ظاهرة ومخفية قد صنعت هذا الالتفاف حول الدراما الرمضانية في موسمها الحالي، ويأتي على رأسها الاهتمام بمشاكل المجتمع والاقتراب من همومه.

المسألة إذن لا تتعلق بحس وطني أو أممي، ولا بمناصرة الإنتاج المحلي وتشجيعه أو التعصب له، فالموضوع لا يتعلق بفريق كرة قدم، ولا بمنافسة في مسابقة بمهرجان، والسعي لافتكاك جائزة، ولا من يحزنون.

كل ما في الأمر أن جمهور التلفزيون المتجمع أمام الشاشة في الموسم الرمضاني ينتظر من منتجي الدراما في بلاده أن يقدموا له مسلسلا يتحدث عنه الآن وهنا.

يجب أن نعترف بأن الهموم العربية ليست نفسها على امتداد هذه الرقعة الشاسعة من الأرض، رغم كثرة ما يجمعنا ويوحدنا على الصعد الثقافية والسياسية وغيرها.

ما الذي يشد المتفرج الخليجي، مثلا، إلى دراما العشوائيات في مصر أكثر من حب الاطلاع، وما الذي يشد التونسي إلى البيئة الشامية في الفترة العثمانية غير الفضول وعنصر الطرافة، وما الذي يهم العراقي أو اليمني مما يحدث في المؤسسات التربوية التونسية مثلا، سوى غرابة الواقع؟

انتهت مرحلة التركيز على قضية مركزية جامعة لاهتمامات العرب جميعا لصالح تقصي الخصوصيات والبحث فيها دون شطط وتشتت تحت ذرائع واهية وغير مقنعة.

ولى زمن “رأفت الهجان” و”ليالي الحلمية” و”باب الحارة” وحتى كوميديا ياسر العظمة و”طاش ما طاش” رغم جماهيريتها وملامستها للواقع، لكن هذا الواقع بات متحركا بشكل دراماتيكي.

متوفرة هي المواضيع التي يمكن لها أن تجمع أقطار المشرق بأقطار المغرب، لكنها قليلة وصعبة، ويلزمها كتاب على درجة عالية من الكفاءة والتمكن. وهي مهمة الجهات الإنتاجية ذات الإمكانات الضخمة والموارد البشرية المتميزة على غرار مجموعة “إم.بي.سي”. وبالمناسبة، المسألة هنا ليست عملية رمي ورود أو دعاية مجانية لجهة لا تحتاج إلى الدعاية أصلا، لكنه واقع يقر به القاصي والداني.

الهموم المشتركة بين الدول العربية موجودة، وعلى رأسها التطرف والفساد، لكنها لا تصنع عملا دراميا مشتركا، وجديرا بالمشاهدة إلا إذا راعى خصوصية كل بلد دون تعميم وتسطيح ووضع الجميع في سلة واحدة.

وفي هذا الصدد، يجتمع نقاد الدراما هذا العام على ضعف مستوى الكتابة في غالبية الأعمال، فما بالك لو أضيف إلى هذا الضعف الكتابي ارتباك آخر في إيجاد تبرير مقنع لجمع ممثلين من دول متعددة. ساعتها تكون الحصيلة مزدوجة النتائج السلبية.

وما تنامي الاهتمام لدى الجمهور العريض بالأعمال التي تهم بلده إلا تصويبا منه لوجهة منتجي الدراما نحو مشاكل المجتمع الذي يعيشون فيه، فلقد ولى زمن “مسلسلات الستاندر” أي تلك التي تأتي على جميع المقاسات في كل المجتمعات. أما ما يشد الانتباه أكثر في أعمال هذا الموسم هو حدة النقد من الجمهور العريض قبل فصيلة النقاد المتخصصين الذين صاروا يستمهلون الناس، ويطلبون منهم الانتظار حتى انتصاف المسلسل الواحد على الأقل.

وهذا يدل على أن الجمهور العربي صار متطلبا، ولا يتسامح مع أعمال تستخف بذائقته وتسخر من وعيه كما هو حاصل مع أعمال مصرية تعج بالأخطاء الفنية والتاريخية، وأخرى سورية تعيد المكرر من البيئة الشامية أو تتطرق للأزمة بخلفيات سياسية جاهزة، بالإضافة إلى أعمال تونسية ربحت جمهورا عريضا لكنه منقسم على نفسه إزاء أحداث ومشاهد صادمة.

لم يعد من السهل تجميع الجمهور العربي أمام شاشة واحدة لاعتبارات موضوعية تتعلق بخصوصيات كل مجتمع وحرصه على أن يرى همومه في هذا العمل أو ذاك، بالإضافة إلى تطور ذائقته ونفوره من تلك المسلسلات التي تعمل على تزييف الواقع وتسطيحه ثم أن الريادة أو الصدارة في إنتاج الدراما لم تعد لبلد دون غيره كما كان الأمر لدى مصر وسوريا.

صار حريا بكل بلد أن يصنع دراماه الخاصة وقد استفاد من أخطاء ما كان سائدا ومروجا فلقد انتهت مرحلة الانبهار بأعمال لا تشبهنا وحانت ساعة البحث عن ذواتنا بذواتنا كما في النموذجين الخليجي والتونسي.