كتابات وآراء


الأحد - 13 يوليو 2025 - الساعة 10:35 م

كُتب بواسطة : محمد علي محمد أحمد - ارشيف الكاتب



شهدت الأيام الماضية مشهداً لا يصدق، وفضيحة بصرية بكل المقاييس، تجسدت في صورة واحدة كشفت عن مستوى التدهور الذي وصلت إليه هيبة بعض مسؤولينا الحكوميين.

ففي سابقة غريبة ومثيرة للاشمئزاز، قام مدير عام تنفيذي لمؤسسة وطنية حكومية هامة بزيارة مذلة لمدير موقع وصحيفة محلية، كغيرها من الصحف والمواقع.

لم يكن الأمر مجرد زيارة بروتوكولية عادية، بل كان مشهداً يعج بالدلالات السلبية، فالمدير العام، وهذا المسؤول الكبير المفترض أن يمثل هيبة الدولة ومؤسساتها، جلس في وضعية مهينة، وكأنه يتودد، على كرسي منخفض أمام مدير الصحيفة الذي تكبّر بجلسته على كرسيه الدوار، وكأنه يستجوب موظفًا لديه.

المشكلة لم تتوقف عند حدود هذا المشهد المخزي، بل تعدتها إلى ما هو أدهى وأمر، فقد قام هذا الصحفي و مالك الصحيفة، بنشر الصورة مرفقة بمنشور يفوح بالغطرسة، جاء فيه: "زارني فلان ابن علان، المدير التنفيذي للشركة الوطنية كذا، وناقشنا مجمل القضايا المتعلقة بما تقوم به الشركة..."
و لم يشر الصحفي ولو بكلمة احترام واحدة لهذا المسؤول الذي ارتضى لنفسه ولمنصبه الحكومي ولوزيره و ووزارته ولهيبة الحكومة بشكل عام ، ولم يشيد بقدومه أو حتى بمكانته، وكأن ذلكم الصحفي وزيراً أو النائب العام أو رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة استدعى هذا المسؤول لاستجوابه، أو لكأنه محافظاً للعاصمة عدن يستقبل مرؤوسيه.

إنها المهزلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى!

والمصيبة الأكبر لو أن هذا المسؤول لم يكن يعلم أن هذا الموقف سيتم تصويره ونشره بهذا الشكل المهين، لكن المصيبة الأعظم، والكارثة الحقيقية، هي إن كان هذا المسؤول على علم بتلك السقطة، وقبل أن يظهر بهذا المظهر الذي يطيح بكل معنى للهيبة والوقار.

والصورة وحدها، دون الحاجة لأي كلمات إضافية، تكفي مبرراً قاطعاً لإقالة هذا المسؤول، الذي لم يحفظ ماء وجهه، وكان بإمكانه التصريح في مكتبه معززاً مكرماً إن أراد أن يوضح للشعب أمراً يهمهم،وبهذا يكون قد أدى واجبه أمام من حق عليه إجابتهم، ليتم تقييمه بكل شفافية وبصدقه وكذبه يحدد مصيره، لا أن يهرول للمجهول ويرمي مصير أمته وثقة حكومته في أحضان من عن معاناة الشعب جهول، ومن لكسب الشهرة والمال مشغول، ومن صدَّقَ الهالة التي تحيطه ظناً بأنها لن تزول، فماهكذا ياهذا تورد العجول، أما الإبل الأصيلة لأهل الأصول، بل والله شعرة منها لن تطول.

فالمنصب العام أمانة، وهيبته جزء لا يتجزأ من هيبة الدولة، وعندما يقبل مسؤول رفيع بهذا الحجم أن يكون أداةً للمتاجرة الإعلامية الرخيصة، ويسمح لنفسه بالظهور في وضع يقلل من شأنه وشأن المؤسسة والوزراة التي يمثلها، فإنه يفقد بذلك أحقيته في البقاء على رأس عمله.

فهل نسي أولئك المسؤولون أنهم يمثلون الشعب والدولة؟

هل تلاشت الحدود بين الاحترام للمقام والمسؤولية بصدق، وبين التذلل والتسلق؟

هذا المشهد ليس مجرد خطأ عابر، بل هو مؤشر خطير على تآكل قيم الاحترام الذاتي والمؤسسي، و وصول بعض من يتولون المناصب إلى مستوى من اللامبالاة بحجم المسؤولية التي يحملونها.

أما آن الأوان لوقفة جادة لتصحيح هذا المسار، وإعادة الهيبة الضائعة لمؤسساتنا ومسؤولينا، حتى يستعيد المواطن حقوقه ويحظى حياة كريمة، تعوضه سنوات الذل والمهانة التي سقاه إياها من فرّط بمكانته، فكيف يُرجى منه حفظ مكانة شعب وهو عنه مسؤول.