جعلت السعودية من مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار”، الذي أصبح عادة سنوية يجتمع فيها قادة الفكر السياسي والأعمال والمبتكرين، هدفا لترويج جاذبية بيئة الأعمال بعد أن تتالى قدوم رؤوس الأموال إلى البلاد منذ النسخة الأولى من هذا الحدث العالمي.
والمؤتمر الذي يوصف بأنه “دافوس في الصحراء” أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عام 2017 بهدف تأسيس قاعدة من الاستثمارات المتنوعة في كافة المجالات يكون الأجانب طرفا رئيسيا فيها لتنويع اقتصاد البلد المعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط.
وتسعى الرياض إلى جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية المباشرة مستندة على الطفرة التي حققتها خلال السنوات الست الماضية من خلال ثورة التشريعات والقوانين وإصلاح اللوائح التنظيمية للأعمال التي تمكنت بفضلها من جذب الكثير من الشركات.
وسيكون المؤتمر منصة مثالية ليس لمناقشة ما يمر به الاقتصاد العالمي والحياد الكربوني فقط، بل سيتيح للرياض عقد شراكات جديدة وإقناع الشركات بفتخ مكاتب إقليمية لها في العاصمة الرياض لمنافسة جيرانها في المنطقة وفي مقدمتهم دبي.
وخلال افتتاح المؤتمر شدد ريتشارد آتياس، الرئيس التنفيذي لمعهد مبادرة مستقبل الاستثمار، على أهمية العمل الجماعي لتحقيق التأثير الكبير على مجالات دعم الإنسانية خاصة في ظل ما يواجهه العالم من مشاكل صعبة ونظام عالمي جديد.
وسعى المعهد، الجهة المنظمة للمؤتمر، إلى تأسيس هوية مستقلة للفاعلية وتضمنت الجهود إنشاء ذراع استثمارية وعقد فعاليات في أماكن مختلفة مثل لندن ونيويورك، بالإضافة إلى الحدث الرئيسي في الرياض.
وأثناء مؤتمر صُحفي للتعريف بتفاصيل المؤتمر، عشية انطلاق الحدث، أكد آتياس أن المبادرة ليست مؤتمرا عن السعودية، بل هي “مؤتمر دولي يعقد في السعودية، يظهر أنها أصبحت بالتأكيد مركزا عالميا”.
وتتضمن نسخة 2022، التي يشارك فيها رؤساء أكبر المصارف العالمية وشركات إدارة الأصول وصناديق استثمار عالمية تحت عنوان “الاستثمار في الإنسانية.. تمكين نظام عالمي جديد”، على مدار ثلاثة أيام مؤتمرات وجلسات حوارية وأربع قمم مصغرة.
ويؤكد محللون أن نسخة هذا العام تمثل اختبار ثقة المستثمرين بالسعودية في ظل بروز خلافات في وجهات النظر مع الولايات المتحدة حول الطاقة.
والهدف الأساسي من المؤتمر اقتصادي ويرمي إلى تقييم اتجاهات تدفق الأموال الخارجية بشكل مباشر وأيضا القواعد التجارية وإجراءات الشفافية، والتركيز على قطاعات رئيسية مثل السياحة وأركان التحول الرقمي.
وجذبت سياسات الانفتاح التي يتبناها الأمير محمد خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من الشركات ورواد الأعمال للعمل في أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وسيناقش أكثر من 500 متحدث وبحضور 600 مشارك من مختلف دول العالم مواضيع مهمة من بينها موازنة النجاح مع الاستدامة والصعود الجيواقتصادي والمساواة في عالم غير متساو وما يواجهه قادة العالم.
ويأتي ذلك ضمن محاولتهم لإعادة العالم إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا، وما تواجهه اقتصادات الدول من تحديات مستعصية وغير متوقعة.
وأكّد محافظ صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي) ياسر الرميان أن المبادرة تعدّ بمثابة المحرك للتعاون العالمي مع أهمية الالتزام بالمقدرات ومن أبرزها الاستثمار في الإنسانية في نظام عالمي جديد.
وبيّن الرميان الذي يرأس مجلس إدارة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار أن الصناعات المختلفة، مثل قطاعات الاتصالات والصحة والتجزئة والقطاعات الأخرى، من العوامل الرئيسية التي أسهمت في الحراك العالمي.
وشدد على أن جائحة كورونا أسهمت في تسريع هذا الحراك الصناعي “وهو ما قادنا إلى استغلال الفرص المتاحة”. وأوضح الرميان أن المبادرة طورت إطارا للحوكمة والبيئة الاجتماعية للأسواق الجديدة مع التركيز على قياس الأداء وأثر الحوكمة البيئية والاجتماعية.
وتعتبر البيانات عاملا مهما في طريقة التعامل مع الأزمات العالمية مثل تغير المناخ، فأرامكو على سبيل المثال تمكنت من تطوير نظام جديد سيطلق في العام المقبل، يسهم في العمل على استيعاب انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وشدد الرميان على ضرورة أن يكون العالم منفتحاً على الابتكار وأهمية أن يكون المستثمرون متحدين للوصول إلى تحقيق الطموحات على المدى البعيد.
وبفضل سياسة الإصلاح المستمرة لتنويع الاقتصاد وتطوير التشريعات تمكنت السعودية من تأسيس شراكات مع شركات عالمية بتناغم كامل لتحقق الاستدامة وفي جميع أنحاء العالم، كما أنها تسعى إلى تطوير مناخ الأعمال لجعله أكثر مرونة.
وفي خضم ذلك جدد كبار المصرفيين في وول ستريت تحذيراتهم بشأن الاقتصاد العالمي، وسط توترات جيوسياسية وزيادات حادة في أسعار الفائدة، لمواجهة التضخم المرتفع منذ عقود.
وقال رئيس بنك غولدمان ساكس ديفيد سولومون خلال إحدى الجلسات إن الظروف الاقتصادية “ستشدد بشكل ملموس من هنا”، وإن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) قد يرفع نسبة الفائدة من 4.5 إلى 4.75 في المئة إذا لم يشهد تغيرات حقيقية في السلوك.
وأشار إلى أنهم إذا لم يروا تغييرات حقيقية -لا يزال العمل ضيقا جدا- فمن الواضح أنهم يلعبون فقط مع جانب الطلب من خلال التشديد. ولكن إذا لم يروا تغييرات حقيقية في السلوك “فأعتقد أنهم سوف يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك”.
وفي حديثه في مؤتمر الاستثمار السعودي الرئيسي في الرياض، قال إنه من الصعب الخروج من “التضخم الكامن” دون حدوث تباطؤ اقتصادي. وأضاف سولومون أن عملية فك 40 عاما من “أسواق الدخل الثابت المؤممة معطلة”.
وقال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي.بي مورغان تشيس وشركائه متحدثًا في نفس الجلسة، إن “الوضع الجيوسياسي مقلق أكثر من الركود المحتمل في الولايات المتحدة”. وأكد أن “الصراع بين روسيا وأوكرانيا والتوترات بين الولايات المتحدة والصين أكثر إثارة للقلق من ركود محتمل في الولايات المتحدة”.