أخبار وتقارير

الأربعاء - 06 يوليو 2022 - الساعة 05:20 ص بتوقيت اليمن ،،،

فؤاد داؤد

لقد ترددت كثيرا ، أو بالأحرى امتنعت عن الخوض في مدى قانونية و صحة إجراءات نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في تلك الفترة و منذ الوهلة الأولى لصدور قرار نقله لأن مساحة التفاؤل و كمية الآمال المعقودة على ذلك القرار الجمهوري كانت كبيرة و نتيجة لذلك فلن يكون لطرحي في ذلك الحين أي صدى أو أدنى الالتفاتات إليه ...
كما أن طبيعة خارطة القرار السياسي قد كانت مختلفة ، حيث كانت الشرعية مستأثرة بالمجال السياسي و الإعلامي في الجنوب ، و منغمسة في سياسة التعطيل لكل القطاعات في الجنوب و بما يتماهى مع تنفيذ تحركاتها المشبوهة مع كل أعداء الجنوب
كنت أشعر دائما أن هذا القرار الجمهوري ما هو إلا بمثابة ذر الرماد على العيون ، إلا أنه و بعد كل تلك السنوات و كل ما جرى على الصعيد المالي و الاقتصادي أصبحت على يقين تام أن هناك مؤمرة خبيثة قد نصبتها شرعية الفساد مع كل قوى النفوذ و الهيمنة الشمالية و على رأسها الأخوان و الحوثيين لإحكام سيطرتهم على المشهد الاقتصادي و النقدي و إبعاد القوى الجنوبية عن التدخل في ذلك المشهد ، أو منعها من تنفيذ أي إجراءات حماية للمواطنين الجنوبيين الذين تضرروا كثيرا من تدهور الوضع الاقتصادي و تدهور سعر العملة
و في حقيقة الأمر فأنني أعتبر تلك المكيدة إحدى وسائل حرب التجويع و حرب الخدمات التي لا زالت تشن إلى اليوم ... إلا أن تلك الظروف قد تغيرت بشكل كبير فالحضور الجنوبي على خارطة القرار السياسي أصبح له ثقله ، كما أن القضية الجنوبية قد حضيت بالاعتراف الكامل على المستوى الأقليمي و الدولي ...
حضور دفع الجنوبيون عشرات الآلاف من الشهداء و الجرحى ثمنا له ، و صبر الجنوبيون سنوات طويلة لتحقيقه ، فبعد إعلان تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي كمظلة و رافعة سياسية للجنوبيين تغيرت بعض ملامح المشهد السياسي و تعزز الحضور السياسي للجنوبيين و قضيتهم على خارطة القرار و ذلك بتوقيع اتفاقية الرياض ، و إن كان توقيعه تم مع جنوبيي الوحدة ليأتي بعده إعلان تأسيس مجلس القيادة الرئاسي في 7 إبريل ليوضح أن للجنوبيين ثقلهم و لهم حصة من القرار على الخارطة السياسية و أن الجنوبيين طرف أصيل في الأزمة السياسية و لا يمكن تجاوزهم
هذا ما كان على الصعيد السياسي و لكن على الصعيد الاقتصادي فقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية ، بل و يتسارع ذلك التدهور بشكل مهول كلما حقق الجنوبيون نجاحات على الصعيد السياسي أو العسكري و هذا يعود بالأساس إلى إبعاد القوى السياسية الجنوبية و الجنوبيين بشكل عام على مستوى الأفراد عن إدارة المشهد الاقتصادي أو على الأقل إبعاد أيديهم عن سلطة اتخاذ القرار في الجانب الاقتصادي في إدارة الأزمة النقدية الناشئة حاليا .
*حقيقة البنك المركزي في عدن*
حديث أوجهه اليوم إلى اللجان الاقتصادية و القانونية التي أنشأها المجلس الانتقالي الجنوبي لدراسة و قراءة ما فيه من حقائق :
فالقرار الجمهوري رقم 119 لعام 2016 م احتوى على عيوب قانونية تجعله في حالة البطلان أو الانعدام و ذلك وفقا للقواعد القانونية و الدستورية ، ففي مادته الأولى مارس الرئيس المتنحي عبدربه منصور هادي إحدى صلاحياته الواردة في الدستور و هي تعيين قيادة البنك المركزي و يعاب إجرائيا على هذا القرار أنه صدر بالتعيين للأعضاء قبل فقرة نقل مقر البنك المركزي إلى عدن
و في فقرته الثانية أورد في مادته الثانية نقل مقر البنك المركزي إلى عدن ، و هنا يجب أن ننظر إلى الوضعية القانونية لهذه المادة ، فهي مشوبة بالبطلان ، بل أنها منعدمة الأثر القانوني ، فمقر البنك المركزي هو صنعاء و بالاستناد إلى المادة الرابعة من قانون البنك المركزي ، و لنقل البنك المركزي إلى عدن كان يتوجب إصدار قرار جمهوري بقانون لتعديل الفقرة الرابعة من قانون البنك المركزي و تسمية مدينة عدن كمقر له
أظن أن من صاغ أو أصدر هذا القرار كان يجهل ذلك على الرغم من أن مكتب الرئاسة كان يزخر بالمستشارين و المختصين القانونيين ، بل أن هناك وزارة الشئون القانونية ، إلا أن الحق و بالدرجة الأولى يعود على الجنوب و الجنوبيين و الذي جعل الكثيرين منهم ينساقوا إلى الاشتراك في هذه المؤمرة و المكيدة التي وقعوا فيها ، فذلك القرار الجمهوري أراد من وضعه بهذه الوضعية أن يصاب بالبطلان و الانعدام و بالتالي بطلان و انعدام كل الإجراءات و الخطوات التي ترتبت عليه ، و تمسك من يدعي ببطلانه بقانونية كل إجراء يقوم به بعد صدور هذا القرار الجمهوري المثير للاستغراب .
قرار جمهوري أنتج وضع نستطيع جميعنا وصفه بالباطل و الكارثي ، فهناك بنك مركزي في صنعاء يمارس كل المهام الواردة في قانون البنك المركزي و حسابات كل البنوك التجارية و فروع البنوك الأجنبية مودعة فيه و يدير كل التحويلات الداخلية و الخارجية و تحت سيطرته كل أنظمة النشاط النقدي و المالي الالكترونية و لا زال يتمتع بكامل الشخصية القانونية أمام الجهات و المؤسسات المالية الإقليمية و الدولية ، و حتى عملية التمثيل في المعاملات التجارية و أنشطة الاستيراد و التصدير هو من يقوم بها ، و تتدفق إلى حساباته الكثير من الموارد المالية و الإيرادية للجهات حسب القانون ، كما تتمتع كل المحررات و المستندات و الشيكات و الأوراق المالية الصادرة عنه بقوة القانون ، و يتحصن كل من يعمل فيه الآن أو يمارس أي مهام بحالة البطلان للقرار الجمهوري الصادر عن الرئيس المتنحي عبدربه منصور هادي .
*ماهية ما يسمى بالبنك المركزي عدن*
مع المشروعية الدولية التي كانت تكتسبها سلطة الرئيس المتنحي عبدربه منصور هادي و حيازته على التمثيل السياسي للدولة في الأمم المتحدة و الجامعة العربية ، و في كثير من المؤسسات الإقليمية و الدولية إلا أنه لم يستطع أن يسيطر على البنك المركزي في صنعاء ، بل أنه يمكن القول بأنه لم يكن هو و من يقف خلفه ، أو معه يريدون السيطرة على البنك المركزي و المشهد الاقتصادي ، بل أن الغرض الحقيقي من القرار الجمهوري الذي أصدره هو السيطرة على كل الموارد المتاحة في المحافظات الجنوبية و إبعادها عن أيدي الجنوبيين ، فما أنشأه في عدن ما هو إلا مجموعة حسابات مالية يغذي بها مصروفات المنظومة التي أنشأها حوله في المقام الأول ... بينما التحليل الاقتصادي و السياسي و القانوني للقرار الجمهوري السالف الذكر سنوضحه في مقالات لاحقة ، و مدى أضراره الاقتصادية و السياسية على مستوى الصعيد المحلي و الأقليمي ، كما سنتحدث أيضا عن معوقات الودائع السعودية و الإماراتية .

لكننا أردنا اليوم أن نضع المجلس الانتقالي ، و مجلس القيادة الرئاسي أمام الوضعية القانونية لما يسمى بالبنك المركزي في عدن ، و ندعو للبدئ بإصلاح هذه الصيغة المريبة له ، و بما يحقق أهداف إعلان مجلس الفيادة الرئاسي و مشاورات الرياض ... و للحديث بقية !!!