كتابات وآراء


الإثنين - 12 سبتمبر 2022 - الساعة 09:31 م

كُتب بواسطة : د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب



توفت منذ أيام الملكة إليزابيث الثانية، صاحبة الأطول فترة في حكم المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية وهي ٧٠ عاما بدأت في العام ١٩٥٢ لتنتهي في العام ٢٠٢٢م.

صحيح أن النظام البريطاني نظاماً ملكياً دستوريا، ويقتضي أن الملك او الملكة لا يتدخل في شؤون إدارة الحكومة وسياساتها الخارجية او الداخلية ولا حتى الاقتصادية والاجتماعية، وحتى العلاقات الإنسانية لا يتدخل فيها أفراد الاسرة المالكة إلا من خلال الجمعيات الخيرية التي يديرونها او يمولونها أو يدعمونها، بيد إن الملكة إليزابيث تميزت بخصال وسجايا جعلتها محل تقدير واحترام مميزين عن جميع أسلافها منذ عهد الملكة فيكتوريا.

كانت الملكة محل حب وتقدير غالبية الشعوب في المملكة، فلم تكن قط طرفاً في اي صراع من الصراعات الداخلية كما لم تتخل عن مواقفها المتوازنة تجاه القضايا الوطنية والدولية.

عاصرت الملكة إليزابيث الثانية ١٦ رئيس وزراء بريطانيين ممن ادوا اليمين امامها واولهم ولنستون تشيرشل داهية السياسة البريطانية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥م) واخرهم ليز تراس التي ادت اليمين امام الملكة منذ ايام، كما ارتبط بحكم الملكة إليزابيث الثانية، احداث عظيمة منذ تاسيس الكومنويلث حتى دخول السوق الاوروبية المشتركة فالاتحاد الاوروبي ثم الخروج من الاتحاد قبل سنتين،
شهدت الملكة استقلال العديد من المستعمرات البريطانية السابقة او خروجها عن السيطرة اليريطانية، منها مصر والعراق وجنوب اليمن وبلدان الخليج العربي (الكويت وعمان. الإمارلت وقطر والبحرين) ومعظم المستعمرات الافريقية كزامبيا وكينيا وزمبابوي وليسوتو وكذا هونج كونج في الصين وغيرها.

نجح عهد الملكة في الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة، من خلال حل المشكلة الآيرلندية مع قادة الجيش الجمهوري الآيرلندي السري، عبر اتفاق الجمعة العظيمة، في العام ١٩٩٨م الذي قضى بإنهاء النزاع وتقاسم السلطة بين البروتستانت والاغلبية الكاثوليكية الآيرلندية والتعايش بين المذهبين والمكونين في إطار المملكة المتحدة مع احتفاظ آيرلندا باسمها في تسمية المملكة خارجا عن بريطانيا العظمى.

في العام ٢٠١٤م اقر البرلمان والحكومة السكوتلنديين إجراء استفتاء لخروج سكوتلندا من المملكة وإعلان دولتها المستقلة، وكانت الأمور على وشك أن تحسم لصالح انفصال واستقلال سكوتلاندا، حيث كانت نتائج استطلاع الرأي العام تشير إلى تصويت أكثر من ٥٠% لصالح الاستقلال.

وعشية الاستفتاء ظهرت الملكة إليزابيت على شاشات التلفزة ، وهي قليلة الظهور لتقول للاسكتلنديين: نحن نحبكم، لذلك ندعوكم للتصويت لصالح بقاء المملكة موحدةً واسكتلندا جزء اصيل فيها.

كان لهذه الكلمات وقعها المدوي لدى غالبية الشعب السكتلندي وجاءت نتيجة الاستفتاء ٥٢ % لصالح بقاء اسكتلندا في إطار المملكة المتحدة بخلاف ما كانت تقوله استطلاعات الرأي العام.

جدير بالذكر ان عمر المملكة المتحدة يتجاوز القرون الثلاثة، منذ (مايو ١٧٠٧م)
لم تقل الملكة ان الوحدة "خط احمر" او إنها "معمدة بالدم"، ولم تتهم الشعب السكتلندي ب"العمالة والخيانة والانفصالية"، بل اعتبرت تصويته لاحد الخيارين هو حق من حقوقه لكنها فضلت البقاء في وحدة المملكة المتحدة.

وفاة الملكة إليزابيث ستترك حالةً من الفراغ الكبير واثراً عاطفياً قوياً لدى غالبية البريطانيين، وإن كانت لن تترك أثرا في السياسة البريطانية إلا من حيث مقدار الاحترام والاجلال الذي ظلت تحظى بهما طوال العقود السبعة من جلوسها على عرش الملك في المملكة المتحدة.