كتابات وآراء


الخميس - 08 سبتمبر 2022 - الساعة 10:30 ص

كُتب بواسطة : محمد الثريا - ارشيف الكاتب



نافذة !

ليس تزامنا بمحض الصدفة، فجميع التحركات الحالية على ضفتي المشهد دون شك تنتمي لمرحلة مابعد الحرب، ومانشاهده اليوم ليس إلا محطة الإعداد وتهيئة كل طرف نفسه لمعركة الإستحقاقات السياسية القادمة على طاولة مفاوضات الحل الشامل .

لطالما كانت لغة الأمم المتحدة واضحة بشأن ملف القضية الجنوبية وعلى وجه الخصوص اثناء لقاءات مبعوثيها الأخيرين البريطاني مارتن جريفيث والسويدي هانس جروندبيرج بالقيادات الجنوبية خلال فترات الحرب الماضية، حيث تم التأكيد هناك مرارا على أن مسألة طرح ملف القضية الجنوبية للمعالجة الأممية متوقف على أمرين أساسيين وهما :

أولا، ضرورة إنتهاء الحرب بإتفاق سلام دائم موقع بين طرفي الحرب المعروفين؛ وعلى إعتبار أن القضية الجنوبية ليست سبب القتال الدائر منذ ثمانية أعوام، وأن من يمثلونها سياسيا لم يكونوا قط طرفا مباشرا في قيام الحرب الحالية، فقد كان واضحا القول حينها أن لامجال لمناقشة القضية الجنوبية قبيل توقف القتال، بما يعني أن موقع نقاش تلك القضية سيكون عمليا على طاولة مفاوضات الحل الشامل للأزمة اليمنية ككل .

ثانيا، ضرورة وجود ائتلاف جنوبي موحد يشمل معظم المكونات الجنوبية الحاضرة على الساحة السياسية، ليعلن ذلك الائتلاف بدوره عن خطاب تبني ملف القضية رسميا، ومن ثم تشكيله بعد ذلك فريقا تفاوضيا منبثقا عنه في مهمة التمثيل السياسي لنيل الإستحقاقات التي تجسدها قضية الجنوبيين .

وبالمناسبة، حتى تصريحات المسؤولين في التحالف وبقية الإقليم المهتم بالشأن اليمني كانت قد أتت جميعها في هذا الجانب مؤكدة على حديث الأمم المتحدة وإشتراطاتها المذكورة .

تحول طارئ !

ظلت الرؤية الأممية لحل الأزمة باليمن تتحدث عن فريقين تفاوضيين وحيدين لحل الصراع باليمن وهما الشرعية والحوثي بصفتهما ( طرفي الأزمة الرئيسيين )، وظل التمثيل الجنوبي وفق تلك الرؤية عبارة عن جزء ملحق بفريق الشرعية .

عدا أن سيل التحولات الأخيرة على المستويين السياسي والعسكري قد ذهب بمسار الصراع اليمني بعيدا، وبدا أن تلك التحولات وماسبقها من وقائع الحرب بسنواتها الثمان قد باتت تصب كثيرا في صالح تنامي الحضور الجنوبي وبما يصنع له فرصة توسيع التمثيل التفاوضي وضمان التعبير السياسي عن رؤيته بشكل أبلغ لدى أي تسوية محتملة للحل، ولكن دائما ليس قبل تحقق شرطية إيجاد الائتلاف التوافقي كضرورة ملحة تسبق الدور المفترض، وتأكيد قناعة المسؤولين الأممين بإكتمال ذلك الدور وأهميته .

كما أن تلك التحولات لم تبتعد كثيرا عن معطى التأكيد على تلاشي حضور القوى المناوئة للحوثيين بالشمال، وتغول هيمنة الجماعة الحوثية أكثر باتجاه إحتواء جميع تفاصيل المشهد العام شمالا، حيث لازال بالإمكان مشاهدة التماهي الدولي الواضح مع سلوك الحوثيين المعطل، وإستمرار غض الطرف الأممي تجاه ممارسات الحوثي وتعنته في وجه جهود السلام المتواصلة .

مؤشرات هامة !

لم تكن مصادفة، فالكثير من المؤشرات أصبحت بالفعل تدعم فرضية توقف الحرب وشيكا ولو عبر سلسلة هدن مزمنة وصولا الى إتفاق وقف إطلاق نار دائم، وهو الأمر الذي سيدفع بالضرورة إلى إنتقال أطراف الحرب نحو الإعداد لمرحلة مابعد الحرب وإهتمام كل طرف بترتيب بيته الداخلي قبيل الإنخراط في العملية السياسية المؤدية إلى تسوية الحل الشامل .

برزت بنود الهدن الأخيرة كمداخل تطبيع علاقة سياسية، وجعل تطبيقها واقعا بمثابة إعتراف سياسي واضح بسلطة الحوثيين وتكريسا لها، لاسيما مع إقرار الأمم المتحدة بواقع سيطرة الحوثيين على معظم مناطق الشمال كسلطة أمر حاكمة ومتحكمة هناك، فأصبحت الجماعة على إثر ذلك تفرض شروطا جديدة في كل مرة، كما وباتت تستغل جيدا كل مناسبة تحل لإستعراض عضلاتها والتباهي بقدراتها تارة عبر عروض عسكرية منتفخة، وتارة أخرى عبر خطابات سياسية منتشية .

على الضفة الأخرى، سنجد هناك إعادة الإنتشار العسكري الذي شهدته مؤخرا المناطق الجنوبية، والذي وإن بدا أن حدوثه جاء إستجابة لمتطلبات مصالح الكبار باليمن، إلا أن نطاق التحرك وسحنة الإنتشار العسكري ذاك قد جاءتا عمليا ممهدة ومكرسة لحضور سياسي مختلف يتم تهيئته في تلك الجغرافيا المهمة .

فيما الأمر الأخر سنلحظه في خلفية الحركة النشطة التي يسعى من خلالها المجلس الإنتقالي إلى ضم أكبر عدد ممكن من القيادات الجنوبية إلى صفه مستفيدا من واقع إنتشاره العسكري الأخير كإحدى مساع إعادة تشكيل الخارطة السياسية جنوبا بهدف إرسائها واقعا جديدا، والتي ستنتمي بالنتيجة لحزمة محاولات إدراك إستحقاق الإصطفاف الجنوبي؛ الشرطية الثانية بعد شرطية توقف الحرب .

مخاض سياسي !

غير أن تلك المساع لن تخل مطلقا من وجود عتبة التحديات أمامها، فهناك - في نظري - توجد عقبة مرور وأخرى قنطرة عبور، أما عقبة المرور فهي أثناء سعي المجلس الإنتقالي إلى جعل ذلك الإصطفاف بقيادته وتحت مظلته السياسية وليس وفق معايير الشراكة السياسية والتمثيل المتكافئ بين جميع المكونات الجنوبية، وهو ما قد يعيق إمكانية الوصول إلى تحقيق ذلك الإصطفاف بصورة مقنعة لدى المسؤولين الأممين كي يتم إعتماده آلية التعاطي الرسمي مع فريق التمثيل خاصته، كما قد يرى أمميا ذلك التشويش بيئة غير سانحة لإنفاذ أي حلول مستدامة تتعلق بواقع القضية الجنوبية بعيدا عن فرضية الإنزلاق نحو دورات عنف أهلية .

بينما تتمثل قنطرة العبور في إستفادة الإنتقالي ولجؤه إلى ذات الفكرة التي ظل يتحرك من خلالها الحوثيون، وهي ميزة السيطرة على الأرض وتأكيد سلطة الأمر الواقع، ذلك أن على الأمم المتحدة في نهاية المطاف إتخاذ قرار التسليم بواقع الأرض، والبناء عليه للخروج من نفق الصراع المتجدد باليمن .

إذ أنه وبالأخير، لايمكن للمجتمع الدولي أمام تلك الوقائع المدعومة سوى الخضوع لمطابخ صانعي القرار الدولي الخاص باليمن كحاضن وداعم سياسي لسلطات الأمر الواقع من بوابة أنها باتت تشكل واجهات التمثيل المحلي الجديد لمنظومة المصالح الدولية التي يتعين تصدرها مشهد المرحلة القادمة باليمن بتوافق خارجي غير معلن .

تموضع مرحلي !

يتبقى مصير الحرس القديم وموقع الكتلة التقليدية لأحزاب السلطة السابقة على خارطة التحولات تلك، وهنا قد يتطلب الأمر إعادة تأطير معينة للابقاء عليها كعامل توازن جيوسياسي، وقد يتم قولبتها لمصلحة السيطرة على جغرافيا محددة والحفاظ على مصالح معينة، غير أنها عموما ستميل الى واقع الخمول العسكري والسكون السياسي على الأقل في إنتظار الحاجة إليها مستقبلا كمنطلق تحول مفترض، وكتلة إحلال جاهزة وقت الطلب .

علاقة متحكمة !

وقبل أن نختم مشهد الداخل ربما تجدر بنا الإشارة هنا إلى أهمية التأكيد مجددا على علاقة مسار تحولات الداخل وإرتباطه بتحولات العلاقة الحاصلة بالمنطقة، وتأثير حزمة التطورات الإقليمية على مسار الصراع باليمن، وخلال ذلك أيضا لامناص من الحديث عن إسقاطات مايدور بشأن الإتفاق النووي الإيراني ومستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية في ظل التحركات الدبلوماسية الأخيرة على منحى تحولات الداخل الحالية .

فكل طرف إقليمي سيعمل جاهدا حينها على تعزيز نفوذ أدواته المحلية باليمن، وضمان بقائها في صدارة المشهد كورقة سياسية حيوية خاضعة لمتطلبات كسب معركة النفوذ الإقليمي مع الطرف الأخر .

ومن هنا ربما ستبدو مساع طهران ومسقط واضحة في دعم سلطة الحوثيين وتهيئتهم كطرف رئيسي في مقابل رغبة التحالف الداعمة لسلطة مجلس القيادة الرئاسي بصفته الطرف الشرعي المخول بعقد تسوية الحل مع سلطة الحوثي، ومع وضوح البصمة الإماراتية على توجهات التحالف وتحديدا عقب عملية التحول السياسي الأخيرة ورحيل هادي سنجد أن ثمة لاعبا مفترضا يقف خلف درع مجلس القيادة، ومن المرجح تهيئته كطرف مكافئ للحوثيين ولو من زاوية الإستعداد المسبق لجميع إحتمالات تطور الصراع؛ لتتشكل بذلك الصورة الحقيقية لصراع المصالح الخارجية المشتعل خلف غبار صراع المشاريع المحلية وجبهات الداخل خاصتها .

غاية التحديث الجاري !

غير أن تصدر تلك المشاريع وقرار تحديث اللاعبين تواكبا مع متطلباتها لايعني بالمطلق أنها تضع خاتمة مشهد الصراع باليمن، فهناك بعد الأزمة الإقليمية غير المتوقف عن تحوير بعدها المحلي تبعا لتحولات العلاقة، ومتطلبات المصالح لدى قوى الإقليم ذات الصلة .

وهناك أيضا المتغيرات الدولية المؤثرة على مسار الأحداث بالداخل، وجميعها ستؤكد أن ما يدلف إليه ملف اليمن وشيكا ليس إلا مرحلة صراع أخرى تخوضها أطراف الداخل برغبة أكثر جموحا وتديرها الأطراف الخارجية بإستراتيجية محدثة لكنها ليست أقل عبثا من سابقاتها .