كتابات وآراء


الأربعاء - 31 أغسطس 2022 - الساعة 01:07 ص

كُتب بواسطة : د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب



تكتظ بعض أحياء وحارات مدينة القاهرة العاصمة المصرية وخصوصا منطقتي الهرم وفيصل بمحافظة الجيزة، بعشرات وربما مئات الجرحى الذين تصادفهم وانت آتٍ أو ذاهب من حيث تقيم.

كنت قد شاهدت العشرات من الجرحى ممن يمشون على العكاكيز او المربطة جراحهم ومناطق الإصابات.

بالامس استوقفت احد هؤلاء الذين تبدو عليهم الملامح الجنوبية وتدل لهجتهم التي يتحدثون بها على هذا، فسألته عن اسمه فرد علي بان اسمه فضل أسعد فضل محمد اللحجي،

وحينما سالته عن صلة القرابة بالفنان المرحوم فضل اللحجي اجاب بانه جده، وتدخل آخرون ليعرفوه بشخصي.

فضل فقد عينه اليمنى في المواجهات الاخيرة في شبوة، وقال لي بلهجة اعتيادية لا تدل على غبن او ندم، بانه موعود بزراعة عين اصطناعية، ومثل فضل المئات من الجرحي، ممن فقدوا بعض اطرافهم او ممن يحملون جراحهم الداخلية ويمضون بصمت لا يعلم معاناتهم إلا أهلهم أو من اقترب منهم او استمع لقصصهم.

اثنا حديثنا مع الجريح فضل وأخيه رائد الذي يرافقه، التحق بنا شابان يبدو انهما يعرفان كاتب هذه السطور، طلبا التحية والتقاط الصورة التذكارية معهما، واتضح انهما الجريح صلاح علي حسن الصبيحي ويرافقه زميله مجدي الردفاني.

الجريح صلاح تعرض لإصابة بشظية راجعة اخترقت إحدى رئتيه وعرضته لمعاناة وصعوبة شديدة في التنفس لكن الاطباء عجزوا عن أستخراجها، وفضلوا بقاءها تجنباً للمخاطر التي قد تصاحب محاولة الاستخراج، طالما وقدرته على التنفس تتحسن لكنه قال لي إنه ما يزال يشكو من صعوبة التنفس في بعض الحالات.

قصة الجرحى في القاهرة تكثف مأساة اكبر من مجرد جريح يبحث عن علاج لكنها تلخص عدة قضايا اهمها مأساة الحروب العبثية وما تنتجه من دمار نفسي وإنساني وأخلاقي ومادي، ومسألة غياب الدولة المفترض ان تتولى بنفسها تعويض اهالي الشهداء وعلاج جرحى الحرب الذين سقطوا من اجلها ورعايتهم وتحمل مسؤوليتهم، ثم الانهيار الكبير الذي شهدته الخدمات الطبية بسبب الحرب وغياب الدولة وانهيارها.

والاهم من كل هذا انها تلخص عبثية الحروب ولاعقلانيتها وإلا ماذا يمكن ان يفهم من تمرد ضابط شرطة ضد السلطة المحلية لانه لا يريد ان يتغير او ينتقل من موقعه للعمل في مكان آخر.

هذه المزاجية أدت إلى مآسي وويلات كان الناس في غنى عنها، تبدأ بفقدان الارواح وإراقة الدماء ولا تنتهي بانهيار كل شيء في البلد من الدولة إلى الاقتصاد المعيشة والخدمات، والإنتاج والعملة وكل ما يدل على وجود المجتمع السليم.

كل التضامن مع جرحى الحروب والابتهال إلى الله بشفائهم العاجل.