كتابات وآراء


الجمعة - 23 فبراير 2024 - الساعة 09:29 م

كُتب بواسطة : د. عارف محمد الحسني - ارشيف الكاتب



ماذا بعد كل هذا العبث الصهيوني ؟ لقد تغيب الفعل العربي بدولةِ العديدة ، وقدرته في إحداث فعل سياسي ضاغط يرتقي إلى موقعنا الجغرافي والاقتصادي ، وتاريخنا الحضاري ، وذلك عند رفضنا الخجول لكل هذه التعديات على شعب غزة الأعزل ، أثناء العدوان الصهيوني الغاشم ، وحتى الآن ، بتهديده بدخول مدينة رفح؛ عند عدم البحث بجدية عن مخارج عملية في إطار حل سياسي يُفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة بعد انتهاء هذا الانتظار المخزي لنتائج الحرب المُدمِرة لأمة ، والذي يمكن للمُشاهِد العربي أن يراه واقعاً يُصحح أخطاء ما سبق من مواقف ، وبنفس السرعة ، والجدية الشبيهة لمطالب شخصية لكل دولة .

سلوكيات تُظهرها دولنا العربية تفتقر إلى أبجديات السياسة بمقولة "أنا موجود" لتوطيد فكرة لا تفريط في قضايانا العادلة ، عند إنكار المثل القائل "رب ضارة نافعة" من أنفسنا ، وسلوكنا السياسي الدبلوماسي كمشاركة فاعلة مع ما تعتلي نفوس شعوبكم بمواقفه المشرفة بمبدأ الاستعداد للتضحية .

محاولات احتجاز فكرة التعبير عن آمال شعوبكم ، نتيجة مُجبراً عليها ، في مسعى لتجاهل ومراقبة أحلامه وتطلعاته ، فصنعنا بسلوكنا هذا واقع عربي مُغيب عن واقعة ، مُذل لقياداته السياسية أولاً وشعوبهم المحكومة بهم ثانية ؛ فتراكمت المواقف المُذِلة ، دون أن تمنحنا إعفاءات ، تؤهلنا إلى فرض إرادتنا في واقع سياسي وعسكري ضيق المخارج ، أمام شعوبنا ، يمكن به استعادة كرامة نفس ، سلوكها دائماً الطاعة .

فقضيتنا قضية عادِلة لا تحتاج حتى لعقلٍ للتفكير في ظل معكوس أحاسيسنا الإنسانية باتجاه كلب يداس من سائق متهور عند قيادة سيارة معروض في إحدى شبكات التواصل العديدة ، فما بالنا بشعب يُسحق في كل لحظة نراه في شاشاتنا ؛ حيث تجاوزنا بهذا السلوك صفات الجماد، عند انهيار كل قيمنا الإنسانية ، بإعفاءات عالية الخسائر ، لحاضرنا ومستقبلنا ، وأمسينا نسدد ديون ، ماذا اشترينا بها ؟ غير فكْرة الإجبار على السكوتِ والمهادنة ؛ ففقدنا المال ، وأرباحه لصالح آمال تأكل من فوق رؤوسها الطير ، أموات غير أحياء في ذاكرة التاريخ الجديد لقضايا أمته يُسطر في وسائل الإعلام العديدة الحديثة ، ثابتة ، لا تمحى ، ولا تُنسي على مر تواريخُ الحياة .

فتركنا بتخاذلنا آخرون من يقلب صفحات تاريخنا القريب، ويقرأ مواقف الأبطال ، كانوا لأمتهم منابر نور ، وعلَّم يُهْتدوا به ، ويحكوها قصصاً نثرية ، وشعراً للأجيال اللذين نريد منهم أن يتطبعوا بصفةِ الجماد ، ولكن الجماد يمكن أن يتحول يوماً بفعل مواقفنا المترددة إلى إحدى صور الحياة ، فقد يتحول إلى سائل يجرف كل عالق ما زال بصورته الأولى " حالة جمادية" .

أزمة خلف أزمة تُصْنع لنا ، ونحن نُراكمها كديون مطلوبة السداد منهم ، ولكن عدم مطالبتنا بها سهلت للدائن من مهرب السداد ، فترقى بطلب المزيد من فائض عندنا ، ولم نمنحها لشعب أراد الحياة ، فضاقت عليه سُبله في خارطتنا العربية ، فالتجأ إلى خارج المكان من عقدين من عمر الزمان ، فعاتبناه نسْيانً ، لقد تجاوزت الحدود ، فقاتلا أنه وربك الجديد إنا هاهُنا قاعِدون ، فأنتصر لدعوتهِ ، وأصبحنا نحن الخاسرون .

فاستشار بعدها كبار قومنا غربهم ، وأمريكا البعيد ، فقالوا لهم لا تتركوا قيادة السيارة للغريب ، يجب أن تدينوا أفعالنا حتى بأقل القليل ، لترضوا نفوساً ما زالت على العهدِ القديم ؛ كل بني آدم خطاء فالعودة العودة من قريب ، فأصبح واعضً في مسجدِنا العربي الكبير ، حتى تضمنوا بقائكم وبقائنا بعذرٍ لعمر آخر طويل ، فاستحسن القوم النصيحة باقتراح الصديق ، فأمسى الوضع شاذاً ، فقلنا خيمة عزاء ننصبها بدلاً من بكاء في قارعة الطريق ، قبلناها مواقف مشرفة في قضية شعب يذبح من الوريد للوريد ، وموت تحت أنقاض منازلهم من سبع طوابق تهدمت أعمدتها فانهارت ، شبيهة بسماءٍ دون عمد للخالقِ القدير ، كعذاب يوم القيامة ذلك اليوم القريب.

إذاً من ينقذهم غير الأخوة الأشقاء ، ليصنعوا طريق آخر جديد للحلول والترويج عبر أعلام نزيه ، لِنُحسن الظنون عند امة فقدت مع حكامها الجديد ، لِيكسب التأييد ، بتصريح صريح " لا نقبل العودة إلى الوضع القديم" .

فأصبح الطَرَقَ على وضعٍ خارج من كَّير المعركة أجدى ، قبل أن يبْرد الحديد ، هكذا رأينا كل حداد مُجِدٌ نشيط ، ليصنع منه كل أدوات البقاء الأكيد ، فأس ليقطع به كل شجرة شوك غريب نبتت في أرض الجدود ، ومجرفة لنزرع بها نخل ، وشجر زيتون مديد .

لا انسحاب بعد كل هذا الدمار الكبير، إلا بوضع الحلول، لنعطي أملاً بالقادم الجديد ؛ بأن خيار اللاعودة للوضع القريب هو المطروح على طاولة سيد البحار ؛ هل ننجح ، أم تخوننا الآمال بمزيد من الضرر ، بأخبار لقد انهار السلام ، فأنه ما زال بعيد المنال ، وفق إعلان بليد ، لا يتحقق معه امن مستدام ، ولكن نثني ببيان مشترك موقف العالم من مساندته لقضيتنا العادلة بهتاناً وتزوير حتى زمن آخر بعيد للانكسار ، ونسينا درسنا " أن العصي إذا تجمعت أبعدت عن نفسها الانكسار ، وإن تفرقت صارت ضعيفة كدمية مصنوعة من فِخار.

وأخيراً تعَّلمُوا من "حكومة الدمار" ماذا تريد لشعبها غير الانتصار ؛ ونحن نريد الهزيمة ، والذل ، عار .

د. عارف محمد أحمد علي