كتابات وآراء


الأحد - 19 نوفمبر 2023 - الساعة 11:49 م

كُتب بواسطة : د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب



ستكون هذه المرة هي الرابعة التي تأتي اليمنيين فيها البشارة من الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية الشقيقة، فقد كان مؤتمر الرياض الأول في النصف الثاني من مايو عام 2015م في أوجَّ عدوان التحالف الانقلابي (الحوثي-العفاشي) على عدن والمحافظات المجاورة لها بجانب الهجمات على الجماعات المقاومة للمشروع الانقلابي في بعض مديريات إب وتعز ومأرب والحديدة وذمار.

وتمخض المؤتمر عن "وثيقة الرياض" التي أكدت على "استعادة شرعية الدولة وبناء دولة اتحادية تحتفظ بمكانتها في الأسرة الدولية".

وتمثلت البشارة الثانية في "اتفاق الرياض" الموقع في 5 نوفمبر 2019م بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي والتي تمخضت عن تشكيل حكومة مناصفة تتولى توفير الخدمات والمرتبات وإنهاء الحرب في أبين وشبوة وحشد الطاقات لهزيمة المشروع الانقلابي الحوثي المدعوم من إيران.

وجاءت "مشاورات الرياض" مطلع أبريل 2022م كبشارة ثالثة استمر فيها المتشاورون عشرة أيام وتمخضت عن نقل السلطة من الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي مع التأكيد على إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق السلام وحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ووضع إطار تفاوضي خاص بالقضية الجنوبية في إطار مفاوضات الحل النهائي.

واليوم تأتي البشارة الرابعة لتقول لليمنيين إن سلاماً قادماً يطرق أبوابهم وإن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية سوف يتم التغلب عليها بفضل الاتفاق المزمع إبرامه بين أطراف الشرعية والجماعة الانقلابية الحوثية.

لن أخوض في التسريبات التي بدت هذه المرة متوافقة بين جميع المصادر الإعلامية والتي تتحدث عن اتفاق أولي يشمل الجانبين الإنساني والاقتصادي، لكنني سأتوقف على عجل عند السؤال: ما الذي تحقق من نتائج البشارات الثلاث السابقة؟

فالنجاح المحقق من مخرجات مؤتمر الرياض الأول تلخص في تحرير محافظات عدن والضالع ولحج وأبين وبعض مديريات شبوة والساحل الغربي من الجماعة الانقلابية وقواتها، وتحرير مديريات ساحل حضرموت وبعض مديريات شبوة وأبين من المعسكرات والجيوب الإرهابية التابعة لتنظيمي داعش والقاعدة، ومقابل ذلك استكملت الجماعة الحوثية إجهازها على محافظات صنعاء ومأرب والبيضاء والجوف التي أسقطتها في أقل من شهرين، حينما انسحبت منها قوات "الجيش الوطني"، "لتحرر" المناطق المحررة في أبين وشبوة الجنوبيتين.

ولم ينفذ من اتفاق الرياض سوى تشكيل حكومة "المناصفة المغشوشة" التي استبسل رئيسها ووزراؤها في "الحفاظ" على معدل الفساد فيها، وتوسيع دائرته وتفريغ البنك المركزي من كل موجوداته المالية-النقدية وزيادة معانات المواطنين الجنوبيين من خلال سياسات التجويع وحرب الخدمات، بمقابل استشراس الجماعة الحوثية واستئسادها في وجه مواطني الشمال وتوسيع دائرة القمع والنهب والاستحواذ في ظل التهدئة الكلية بينها وبين دول التحالف العربي والغياب الكلي لما كان يُعرَف بــ"الجيش الوطني".

وفشل مجلس القيادة الرئاسي في إحداث أي مؤشر من مؤشرات التحسن في أداء أجهزة "الدولة المفترضة" عدا في محاولة تفكيك المجتمع الجنوبي وزرع جيوب مناطقية واستقطاب بعض الجماعات من دائرة التمسك بالمشروع الجنوبي إلى دائرة الحفاظ على "الشرعية الغائبة-المغيبة" مع استمرار عذابات الجنوبيين وحرمانهم من أبسط المتطلبات الحياتية الأولية، بمقابل ترسيخ دائرة نفوذ وقوة الجماعة الحوثية في ظل رفع الحصار عليها ومدها بالطاقة المعنوية والمادية لتواصل عبثها بمقدرات وحقوق وحريات المواطنين الشماليين وفرش الطريق للاعتراف بها كحكومة أمر واقع ونزوعها لتمديد نفوذها على أرض الجنوب.

لا يوجد شخص طبيعي على هذه الأرض لا يميل إلى السلام وتوقف الحرب واستئناف الناس لحياتهم الطبيعية الآمنة والمستقرة ولو في أبسط حدودها ولهذا فقد تقاطرت أطراف الشرعية على تبايناتها إلى الرياض ربما للاستماع إلى ما سيتناوله الاتفاق المزمع، أو لخوض النقاشات في الممكن وغير الممكن فوراء العناوين الجميلة والشعارات البراقة توجد التفاصيل التي يكمن الشيطان في ثناياها كما يقال.

لن أتوقف طويلاً عن السؤال : لماذا أخفقت كل البشارات السابقة وتحولت إلى خيبات بالنسبة لجميع اليمنيين، باستثناء الجماعة الحوثية التي حصدت كل مخزونها المعنوي والمادي من تلك الخيبات، لكنني سأختصر الرد في ثلاثة عناوين:

• كل المبادرات والفعاليات التي جرت لم تتعرض للتقييم وتحديد أين نجحت وأين أخفقت وما هي أسباب النجاح وعوامل الإخفاق وفي بعض المواقف كانت تتم مكافأة المخفقين ومعاقبة الناجحين.

• إن مخرجات الفعاليات الثلاث لم تُبنَ على دراسة دقيقة للمعطيات المادية والبشرية والمعنوية على أرض (المعركة) ببعدها العسكري والسياسي والمعنوي والإنساني، وغالباً ما تكون قد بُنِيَت على رغبات وتمنيات لم تستشرف إمكانيات تحقيقها على الأرض، ولم تستوفِ دراسة المشهد بكل تعقيداته لتستأصل مواطن الداء وتشفي آلام اليمنيين في مناطق هيمنة الدولتين.

• إن جميع مخرجات الفعاليات الثلاث قد راهنت على قوى مترهلة وفاسدة وغير جادة في تحقيق تلك المخرجات، فراحت تلك القوى لتستثمر هذه المخرجات في صناعة المكائد لشركائها والإثراء وتكديس المليارات من خلال العبث بالموارد المحلية الشحيحة وبالدعم المادي والعيني المقدم من دول التحالف الشقيقة، بل وبالمعونات الإنسانية المقدمة من بعض المنظمات الدولية.

ويبقى السؤال: هل سيلتقط المحاور الجنوبي ما تضمنته المبادرة المسرَّبة عن تشكيل حكومتين في كل من صنعاء وعدن ليجعل الجنوب وأرضه وشعبه وموارده بيد أبنائه بعيداً عن وصاية الأشقاء القادمين من مناطق الهيمنة الحوثية؟

هذا السؤال يمكن مناقشته بتوسع في وقفة قادمة.

" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"

-------------

قبل البدء

كان الغزاويون يعيشون في حصار لا يختلف عن الحصار الذي يعيشه الجنوبيون في عدن وبقية محافظات الجنوب، من حرمان من الماء والكهرباء والوقود والدواء وحتى المعونات الدولية التي يهيمن عليها في بلادنا رئيس الوزراء الهارب هو وأكثر من نصف وزرائه من ديارهم بعد أن هيمن عليها الحوثيون.

وهكذا
كان الفارق بين الغزاويين والجنوبيين يكمن في أن غزة يحاصرها محتل عنصر نازي عدواني ما انفك يدَّعي بأن وصايا أجداده تبيح له أرض العرب من النيل إلى الفرات، أما الجنوب وأهله فيحاصرهم رئيس ورئيس وزراء وحكومة تزعم بأنها شرعية لكنها تخنق الجنوبيين في كل متعلقات حياتهم وتقدمهم للموت مجاناً، بطريقة "الخنق عن طريق العناق" كما يقول الموروث العربي، بعد أن كان أساطينها يقتلون الجنوبيين بالرصاص الحي أثناء فعالياتهم الاحتجاجية السلمية.

واليوم:
تتسارع الأحداث باتجاه توقيع شرعية رشاد العليمي ومعين عبد الملك اتفاقية سلام مع أشقائهم الحوثيين تقضي بالحفاظ على "وحدة اليمن واستقراره"، وهما "الوحدة" و"الاستقرار" اللذان صنعتهما غزوتان دمويتان ألحقتا بالجنوب والجنوبيين من الدمار والخراب والجراح والآلام النفسية والجسدية والاجتماعية ما لا تمحوه قرون من الزمن.

اليوم يطلب من المفاوض الجنوبي أن يوقع على هذا الاتفاق ويهيل التراب على ذاكرة أهالي ورفاق وذوي عشرات الآلاف من الشهداء وأضعافهم من الجرحى ومئات المليارات المنهوبة من ثروات الجنوب وموارده ومنسآتها ومؤسساته الاقتصادية الانتاجية والخدمية، بما فيها ممتلكات المواطنين الخاصة، خلال حربي 1994م و2015 وما بينهما وما بعدهما على أيدي الغزاة والغزاة "الشرعيين".

أيها الجنوبيون!!
غادروا صمتكم واستكانتكم وأخرجوا إلى الشوارع ونظموا الاعتصامات والمظاهرات والفعاليات الاحتجاجية الرافضة للإملاءات التي تستهدف وأد قضيتكم وإعادتكم إلى مربع 7/7 المشؤوم وإخضاعكم مرةً أخرى لهيمنة أساطين الغزوتين اللعينتين.

استنهضوا طاقاتكم ولا تستهينوا بما تدخرون من إرادات تعلو على أرادات اللصوص والغزاة فأنتم الأقوى والأكثر عدداً والأشد مراساً وأصحاب الأحقية الأكبر والمشروعية الأجدر.

أيها الجنوبيون!!
علموا أطفالكم أن لهم الحق في دولة جنوبية عادلة يديرها أبناؤها ولا تخضع لإملاءات أو ابتزازات أحد، وأن لديهم من الثروات المادية والبشرية أفضل مما لدى تلك الأصنام البشرية التي لا تتضارب إلا على تقاسم خيرات الجنوب والتحكم بمصائر أبنائه.

ادعموا المفاوض الجنوبي الذي يتعرض لشتى أنواع الضغط والابتزاز من قبل من لا يريدون للجنوب ولا حتى لكل اليمن خيراً سوى تقاسم الموارد والهيمنة على الأرض واستمرار التحكم بمصائر الأجيال.

ارفضوا الأملااءات وسياسات الابتزاز قبل أن تتحولوا إلى غزاويين جدد ويتحول الجنوب كل الجنوب إلى غزة جديدة.
والسلام عليكم ورحمة ألله وبركاته.