كتابات وآراء


الإثنين - 14 مارس 2022 - الساعة 01:01 ص

كُتب بواسطة : هاني سالم مسهور - ارشيف الكاتب


الهنود يصنعون كل شيء حتى المعجزات. هذه جملة لن تكون عابرة فهي لزعيم هندي مازال الكثيرون يرون فيه الملهم؛ هو غاندي الذي قال قبلاً “يجب أن تكون أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم”. مقولات تجسد اللحظة الراهنة من القرن الحادي والعشرين الذي يشهد صعود قوى دولية تقليدية كروسيا والصين وأخرى غير تقليدية، كالفيل الهندي الذي كان ينهض بينما العالم منشغل بمتابعة فيلم من أفلام بوليوود، السلاح الذي غزت به الهند العالم بوصفه أكثر القوى الناعمة تأثيراً.

في نهاية تسعينات القرن الماضي بدأت الهند رحلة الصعود الهادئة؛ تحولت من بلد يوصف بالفقر إلى بلد منتج للعباقرة. الإصلاح الاقتصادي اعتمد على رفع مستوى القوة الاقتصادية والسلطة الوطنية، ونحن نرى اليوم نوعاً من البراغماتية في السياسة الخارجية والسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة الهندية.

يمكن قراءة التغييرات التي حصلت في السياسة الخارجية للهند في غرب آسيا في إطار تغيير الدور الإقليمي لهذا البلد في التنافس مع باكستان والصين، حيث برزت أهمية موضوع العلاقات الاقتصادية مع دول غرب آسيا، الذي أعطى الأولوية للقضايا الاستراتيجية والضرورات الجيوسياسية لنيودلهي التي تسعى لتحقيق الأهداف طويلة ومتوسطة المدى المترتبة على هذه التغييرات.

تنامى الصعود الهندي دون ضجيج؛ الهنود كانوا بطريقة أو بأخرى خلال عهدة الرئيس ناريندرا مودي يعملون على توسيع نطاق التعليم في استثمار بعيد المدى، وهي سياسة نجحت بالفعل في تمكين الهند من تصدير القوى العاملة إلى الخارج بمختلف التخصصات المهنية، وهو ما ساعد على انتشار هذه المهارات من إدارة شركات التقنية في وادي السيلكون إلى أعمال البناء في الدول الصناعية.

احتاج الفيل الهندي إلى عقدين فقط لينهض ويتحول إلى قوة اقتصادية يحسب حسابها في العالم، مع مواصلة العمل في الإصلاحات السياسية الداخلية وإزاحة العوائق التي كانت تعيق التقدم الاقتصادي.

تاريخياً حافظت الهند على توازنها السياسي في حقبة الحرب الباردة، وهي تعد ضمن المبادئ والتقاليد التي صنعها جواهر لال نهرو، الزعيم الصانع لسياسات الهند الحديثة. ولكن، ما تشهده الهند في القرن الحادي والعشرين هو حقبة مختلفة نجحت فيها السياسة البراغماتية في تجاوز عثرات القرن العشرين.

التخطيط للمستقبل البعيد هو ما يميز سياسة نيودلهي اليوم، فحجم الشراكة الاقتصادية مثلا بين دولة الإمارات العربية المتحدة والهند ليس مثيراً للاهتمام لحجمه فقط، بل لامتداده الزمني في المستقبل، وهو ما يرسم ملامح السياسة الهندية في منطقة الشرق الأوسط، ويحدد إلى أيّ مدى سيلعب الهنود أدواراً سياسية في التوازنات الدولية بوصفهم قوة وازنة اقتصادياً.

بين الدب الروسي والتنين الصيني يأتي الفيل الهندي دون ملامح سياسية واضحة. رغم أن الهند لم تخف توجّسها من أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.

الآسيويون بلا شك قوى اقتصادية وازنة غير أن هذه القوى تعيش في استقطابات ستشكل أكثر من هويتها السياسية لتطال هويتها السياسية الدولية، خاصة وأن الاجتياح الروسي لأوكرانيا قد جدد الأزمة بين حلف الناتو وروسيا، ومن المتوقع في المدى القصير زيادة حدة الاستقطاب السياسي الذي سيؤثر على القوى الآسيوية المعتمدة على الروافع الاقتصادية.

أزمة النفط التي عانت منها الهند خلال العامين الأخيرين قد تنعكس على تحالفاتها في الشرق الأوسط. كانت أزمة صعبة تزامنت مع جائحة كورونا، وهي وإن تمت معالجتها، سيبقى تأثيرها السياسي بارزا ضمن مجموعة مؤثرات العلاقات السياسية، خاصة في علاقة نيودلهي مع تل أبيب، وكذلك في علاقتها مع أنقرة.

عندما يعبر الفيل الهندي منطقة الشرق الأوسط سيجد أبواب العواصم مفتوحة له. ولكن السؤال، هل سترغب الهند بلعب دور حيوي، أم ستكتفي بالانكفاء التقليدي واستعادة موقعها ضمن دول عدم الانحياز؟

أسئلة مفتوحة ننتظر إجابة أحفاد غاندي.