كتبه أ. د. عبدالله بن عبدالله عمر
القمندان -رحمه الله - شاعرًا ومؤرخًا، شعره وثبقة تاريخية.
قصيدتا (طلبنا الله ذي يغفر ويرحم) و(آن الحصاد) ٖأنموذجًا
الشعر اللحجي وتحديدًا شعر شعراء الحوطة وتبن وشعر القمندان -رحمه الله - علی وجه الخصوص يعد وثيقة تاريخية لتاريخ لحج إبان السلطنة العبدلية.
ولأنّ موضوعنا منشورنا القمندان -رحمه الله- فسنقف عنده نسجلي ما يثبت ترجمة العنوان، فقد اكتنز شعر القمندان -رحمه الله - كثيرًا من أوضاع الحياة الزراعية والاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية؛ ولأنّ لحج أرض زراعية (الحوطة وتبن)، فقد صوّر القمندان -رحمه الله - في شعره كثيرًا من شؤون حياة أبناء السلطنة العبدلية الزراعية، فعلاقة القمندان الأمير -رحمه الله - بالأرض الزراعية علاقة وطيدة أكدتها إيراد القمندان -رحمه الله - لكثير من ألفاظ الزراعة و ذكر ما يخص المزارعين في شعره، بل تجد في شعره أسماء مواضع وأماكن منها قری و أراضي زراعية، كذكره الرمادة والعرایس، وذكره قری مثل قرية سفيان والقريشي وجول مدرم..
يعد شعر القمندان- رحمه الله - معجمًا لغويًا لكثير من الألفاظ التي يعتقد كثيرون أنّها ألفاظ غير فصيحة (عامية أو دارجة)، معظم تلك الألفاظ كانت محل تداول أبناء السلطنة العبدلية.
وفي القصيدتين المصدّر بها عنوان المنشور، تعد أمثلة لشعر القمندان -رحمه الله - لا للحصر لتصوير الحياة في الحوطة وتبن بمختلف مجالاتها لا سيما الحياة الزراعية والحياة الاجتماعية.
نماذج من أبيات القصيدتين:
للتدليل علی أنّ شعر القمندان -رحمه الله - ديوان للحياة في الحوطة وتبن بمختلف مجالاتها، نورد أبياتًا تؤكد ذلك.
يقول القمندان رحمه الله في قصيدة (آن الحصاد)
يا غربة الإحسان زال الجراد
وسال ماء السقو في كل واد
فما علی الزّرع إن قبصوا
لحصدك النصاد آن الحصاد
ففي هذه الأبيات يذكر القمدان - -رحمه الله - سيلان ماء السقو، (اواو بالعامية والفصحی السقي بالياء) و(نبا) بالعامية (نبغي) بالفصحی و يقول: إنّ الحصاد قد حان وقته فما علی المزراعين إلا العمل.
ويقول في قصيدة (طلبنا ذي يغفر ويرحم)، وهو يتكلم عن انتظار الناس ماء السيل كي يسقي المزارعون أراضيهم، فقال:
سهون الماء إذا ربي تكرّم
نبا نسقي الرمادة من عبابه
فالألفاظ: سهون، نبا، كلمات عامية، و الرمادة اسم موضع، وهو يدعو ربه بأن يكرمهم بالغيث كي يسقوا أرضهم الجذبة.
ويذكر في قصيدته هذه عددًا من الشخصيات منها السلطان ومنها غير السلطان، فيقول:
وقالوا لي علي مانع وصل ثم
وسلطان الحواشب مرحبًا به
عسی ماشي خرب في جول مدرم
ولا شي صاب مناعه وذابه
مناعه وذابه: قيل إنّها أسماء جبال في جول مدرم.
فذكر سلطان الحواشب وذكر جول مدرم والجبال التي بها فهذا يفيد في صناعة معجم جغرافي من شعر القمندان.
ويذكر طرفًا من حياة اللهو والمرح ومغامرات العشاق، فيقول:
سری العاشق سری شنّف ودرّم
علی رأس الحنش يدعس ونابه
هذا العاشق الولهان، صوّر القمندان -رحمه الله - حاله وما كان عليه، من المغامرات التي تشبه ولو من طرفٍ خفي مغامرات شعراء العرب للوصول إلی مبتغاهم.
فقد خرج العاشق الولهان ليلًا وفي قوله: (سری العاشق) دلالات علی حسن اختيار القمندان لألفاظ فصيحة ومزجه مع ألفاظ عامية في نصٍّ واحد، وذكر أنّ هذا العشاق سری وفي مسراه ليلًا دس رأس الخنش ولم يُعوِّل علی ماذا دعس.
بل تجد القمندان -رحمه الله - يدعو إلی اغتنام وقت الشباب، وهذه دعوته لا يجوز أن نفسرها بأنّه يدعو إلی ما يغضب الله عز وجل - فالقمندان -رحمه الله - قد بدأ قصيدته بما يُشعرك باهتمامه بذكر ألفاظ فيها الشعور الديني، والرغبة في إرضاء الله، فيقول في مطلعها:
طلبنا الله ذي يغفر ويرحم
وذي ينجي عباده من عذابه
فهو يذكر أنّه ممن يطلب رضا الله الغفور الرحيم، فوصفه بصفة ذي يغفر وذي يرحم.
ثم قال:
وصلی الله ربي ثم سلم
علی طه وأهلهْ والصحابهْ
فهو يصلي علی نبي الأمة ويسلم عليه.
وهنا لطيفة أنّ القمندان رحمه الله - وغيره من شعراء السلطنة العبدلية كان عندهم حس ديني وتعظيم ربهم ول نبيهم، بل في كثير من قصائدهم يعمدون إلی ذكر الله -عز وجل -وذكر رسوله- عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك أيضًا دليل علی انتشار الفقه والعلم بالدين بين أوساط أبناء السلطنة، ودليل آخر علی انتشار موضوع التوبة في شعرهم، فقلما تجد شاعرًا إلا وله قصيدة في التوبة أو إشارة إليها، فتجده يخاطب قلبه أن يتوب من هوی المحبوب.
وهكذا يمضي القمندان -رحمه الله - في قصيدته هذه في ذكر كثير من شؤون حياة الناس سياسيًا واجتماعيًا وزراعيًا. وعاطفيًا.
وفي ختام منشورنا هذا نأمل أن يتيسر لنا كتابة شرحًا لهذه القصيدة وبيان ما تحمله من ألفاظ وصور للحياة إبّان السلطنة.
انتهی المطلوب بتوفيق ربنا الألهة المحبوب.