تعليق | أ. د. عبدالله عبدالله عمر
يقول أحمد مهدي ناجي المشهور ب (الحراجي) في منظومته (صباح الخير يا لحج) متغنِّيًا بصباحاتها الجميلة:
صباح الخير يا لحج
صباح الفل والكاذي
صباح الصبح لو شعشع
ومدّ السهل والوادي
صباح الطير لو غرّد
بصوت البلبل الشادي
صباح الماي والخضرهْ
ذي يُروَی بها الصادي
صباح فجرك إذا أقبل
للرايح الغادي
كتب بالنور إشراقه
أعلن ذا يوم ميلادي
صباحك أنتِ يا حلوهْ
ويا شامة علی بلادي
علی فرقك أنا ما أقدر
أحبك حبَّ لا إرادي
فراق الدنيا شي هين
وفرقك أنت مش عادي
صباح الخير يا لحج
صباح الفل والكاذي
يطلعنا الحراجي - حفظه الله - في منظومته المتواضعة علی مفاتن لحج القمندان (أم المساكين) ويكشفُ عن جمال لحج منتقيًا وقت الصباح الباكر حين تُشرق شمسُه ويبزغ فجره ويسطع نور إشراقه.
لقد جمع أحمد مهدي ناجي (الحراجي) للحج الخير كله، وصبّحهها به، وجمع لها بين جمال اللون والمنظر المتمثل في الخضرة بين الروائح الزكية العطرة التي تفوح برائحة الفل والكاذي و وسم الحراجي صباح بجمال الصوت المتمثل في تغريد البلبل الشادي المترنم بأعذب الألحان، وجمال المنظر المتمثل في المياه الجارية في السيول والوديان.
استهل الحراجي منظومته بمخاطبة لحج وبالتغنِّي بصباحاتها الجميلة التي ألبستها حُللًا بهيجة، وذهب الحراجي يُعدِّد جماليات الصباح في لحج القمندان، فيقول:
صباح الخير يا لحج
صباح الفل والكاذي
فلحج بلد الفل والكاذي الفل ذو الشكل الجميل واللون الخّلاب أبيض علی أخضر، الفل الذي تتزيّن به الأعراس و تُعطِّر رائحته العبقة مكان انتشاره، فتنتعش النفوس وتُسرُّ القلوب، ثم يذكر الخير الذي يُشعشع في أرجاء لحج وشولرععا، ويمتد في سهلها والوادي، فيقول:
صباح الخير لو شعشع
ومد السهل والوادي
صورة بديعة جعل الصباح يُشعشع فيتمد ويمد السهل والوادي، فالممتد هو السهل والوادي وليس الصباح.
ثم ينتقل إلی بيان ما يصنعه الطير باختلاف أنواعه وتعدد أشكاله وتنوع نغماته، فيضفي علی المكان أصواتًا جميلة، تُعزف فرحًا باستقبال كل صباح، فيقول:
صياح الطير لو غرّد
بصوت البلبل الشادي
فأصوات الطير تخترق صباح لحج البهيج بأنغام جميلة تشدو بها الطيور، هذه لحج فل وكاذي وتغريد الطير بصوت شادي، ثم ينتقل إلی شكل آخر من الأشكال التي تُعطي للحج صورة رائعة تُكمِل اللوحة الفنية التي رسمها الحراجي للحج، فيقول:
صباح الماي والخضرة
ذي يُروَی بها الصادي
الماي علی أصلها بالياء قبل انقلابها همزة، فالماء منعش الحياة في لحج، بل هو الحياة وهو غذاء للنفس وللزرع وللبدن، وقد أبدع الحراجي حين جمع بين الماء والخضرة في بيت واحد، فتوفر الماء في لحج أوجد الخضرة في روابيها ويشهد لذلك قول القمندان:
في الحسيني جناين
وفي الرمادة زراعة
ولذا قيل للحج لحج الخضيرة لكثرة الخضرة التي تنتشر في أراضيها خضرة فيها منفعة وفيها جمال وحُسن يأسر الألباب ويبهر العقول، فلحج مشهورة بجريان الماء فيها علی شرقها وغربها، الماء الذي تنتج عنه خضرة تُزّين لحج، فتبهج الناظر وتُسرُّ الخاطر وتروي الصادي (العطشان) ترويه من عطش الظمأ ومن عطش الرغبة في رؤية كل جميل وسماع كل لحن وشم كل عطر فوّاح،
ومن أروع أبيات منظومة الحراجي
قوله:
صباح فجرك إذا أقبل للرايح الغادي
كتب بالنور إشراقه
تحوُل الفجر إلی كاتب، وتحوّل النور إلی مداد كتب به الفجر إشراقه، وتصل روعة الحراجي -في حديثه عن الفجر قمتها - حين يقول:
أعلن ذا يوم ميلادي
فإشراق الفجر بنوره هو إعلان عن يوم ميلاد جديد له يوم يتصف بكل ما جميل ورائع.
ولحج عند الحراجي حسناء فاتنة حالية، وقد ناداها بحلاوتها فقال: صباح الخير يا حلوة.
ويا شامة علی بلادي
ثم يُخبرنا أحمد مهدي ناجي المشهور ب (الجراحي) عن عدم قدرته علی مفارقة لحج وأنّه يحبها حب غير لا حدود له، فيقول:
علی فرقك أنا ما أقدر
أحبك حب لا إرادي
بل يذهب الحراجي في عشقه للحج إلی أبعد من مجرد أنّه يعاني من فرقتها، فيقول:
فراق الدنيا شي هين
وفرقك أنت مش عادي
فالحراجي تسهل عليه أن يفرق الدنيا ويتركها ففراق الدنيا شي هين و مقدور عليه بخلاف فراق لحج فأمره غير عادي.
شكرًا للحراجي علی وصفه معشوقته لحج بكل جميل لون وصوت ومنظر ورائحة.