أخبار وتقارير

الأحد - 15 أكتوبر 2023 - الساعة 01:59 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


أثارت الدعوات لإنشاء ممر إنساني أو طريق فرار للفلسطينيين من غزة تحت وقع القصف الإسرائيلي مخاوف مصر من تكرار سيناريو الأردن في 1948 و1967، حيث اضطرت عمان لاستقبال عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين فروا تحت تأثير سياسة التهجير الإسرائيلية.

ولم تخف القاهرة انزعاجها من تلميحات سياسية إسرائيلية تشير إلى أن دعوة الفلسطينيين إلى الاتجاه جنوبا تحت وقع قصف عنيف تمهيدا لدفع موجة لجوء فلسطينية إلى مصر والضغط عليها لتوطينهم في سيناء في تكرار لما عرفه الأردن في السابق، خاصة في ظل عناصر تشابه ترجّح هذا الخيار.

فغزة أقرب إلى وضع الأردن بحكم طبيعة الهجرة الجماعية المشابهة لما جرى في السابق. كما أن غزة كانت تحت حكم المصريين إلى عام 1967، ما يجعل موجة النزوح أقرب إلى مصر من أيّ بلد آخر، وهو نفس وضع الارتباط بين الضفة والأردن وعلاقة الأردن بالقدس الشرقية وحماية المقدسات والوصاية الأردنية على الضفة إلى عام 1967 ثم فك الارتباط لاحقا.

وفي 1948، هاجر وشُرّد نحو 800 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم من أصل 1.4 مليون شخص كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية في ذلك العام.

وفي أعقاب حرب عام 1967، فقدت المملكة سيطرتها على الضفة الغربية، ونزح إلى الضفة الشرقية حوالي 380 ألف فلسطيني من الضفة الغربية (منهم 240 ألفاً من لاجئي عام 1948)، و40 ألفاً من سكان قطاع غزة.

ويرى مراقبون أن سكان القطاع سيجدون أنفسهم أقرب إلى مصر، وإذا خُيّروا بين التوطين في سيناء أو في مكان آخر فسيقبلون البقاء في مصر لوجود مشتركات كثيرة ومصاهرات، خاصة أن اللاجئين الفلسطينيين في دول عربية أخرى مثل لبنان يعيشون أوضاعا صعبة جدا، حيث رفض المجتمع اللبناني استيعابهم واستبعدهم من التمتع بمعظم الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية.

كما أن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا صعبة أمنيا واقتصاديا بسبب ما حف بالحرب الأهلية من تطورات ومواقف من الفصائل الفلسطينية.

وفي رد مبطّن على التلميحات بشأن دفع الفلسطينيين إلى العبور نحو مصر، شدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء على أن أمن مصر القومي مسؤوليته الأولى. وقال “لا تهاون أو تفريط في أمن مصر القومي تحت أيّ ظرف، وإن الشعب المصري يجب أن يكون واعيا بتعقيدات الموقف ومدركا لحجم التهديد”.

وبالنسبة إلى الفلسطينيين فإن فكرة الرحيل أو إجبارهم على الخروج من الأرض التي يريدون إقامة دولتهم عليها تحمل أصداء “النكبة” عندما فر الكثير من الفلسطينيين من منازلهم خلال حرب عام 1948 التي صاحبت قيام إسرائيل.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في مؤتمر صحفي الجمعة، إن “اللجوء الذي حصل عام 1948 لن يتكرر (..) شعبنا لن يغادر أرضه، ومنذ عام 1950 وإسرائيل تحاول توطين اللاجئين في الدول العربية، واليوم تحاول توزيع سكان قطاع غزة على دول العالم”.

ونبّه الجيش الإسرائيلي الجمعة على المدنيين في مدينة غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، إلى الانتقال جنوبا خلال 24 ساعة حفاظا على سلامتهم، في إشارة إلى أن إسرائيل قد تشن غزوا بريا قريبا.

وتطلق المساجد في غزة نداءات تقول “تمسكوا ببيوتكم، تشبثوا بأرضكم”، وذلك في ظل توجه عشرات الآلاف من الغزيين صوب جنوب القطاع.

وردا على ذلك، حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني “من أيّ محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبب في نزوحهم، مشددا على عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين”.

وقالت الولايات المتحدة قبل أيام إنها تجري محادثات مع إسرائيل ومصر بخصوص فكرة الممر الآمن للمدنيين من غزة.

وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة “المدنيون في حاجة إلى الحماية. لا نريد أن نرى نزوحا جماعيا لسكان غزة”.

وقال مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان إن التحذير بالإخلاء يهدف إلى “نقل (الناس) جنوبا مؤقتا.. للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”. وكان يتحدث خلال فعالية في الأمم المتحدة مع عائلات الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس.

ويشكل مصير اللاجئين الفلسطينيين أحد القضايا الشائكة في عملية السلام المتداعية. ويقول الفلسطينيون والدول العربية إن الاتفاق يجب أن يشمل حق هؤلاء اللاجئين وأحفادهم في العودة، وهو أمر ترفضه إسرائيل دائما.

وأثارت بعض التصريحات الإسرائيلية مخاوف عربية.

وقال متحدث عسكري إسرائيلي الثلاثاء الماضي إنه سينصح الفلسطينيين “بالخروج” عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر.

وأصدر الجيش الإسرائيلي توضيحا يفيد بأن المعبر كان مغلقا في ذلك الوقت.

ويعد معبر رفح البوابة الرئيسية بين سكان غزة والعالم الخارجي. وتؤدي جميع المعابر الأخرى إلى إسرائيل.

وتقول مصر إن معبر رفح مفتوح وإنها تحاول تأمين توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة، على الرغم من أن القصف الإسرائيلي بالقرب من الحدود يعرقل ذلك. كما أشارت القاهرة إلى أن حل القضية من خلال أيّ نزوح جماعي للفلسطينيين أمر غير مقبول.

وتضرب معارضة التهجير الجديد للفلسطينيين بجذورها العميقة في مصر، إذ تضمنت معاهدة السلام مع إسرائيل قبل أكثر من أربعة عقود انسحابا إسرائيليا من شبه جزيرة سيناء، لكنها لم تؤد أبدا إلى المصالحة على المستوى الشعبي.

وقال إتش إيه هيلير، وهو زميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، “سيرى الرأي العام المصري بأغلبية ساحقة أن هذا مقدمة للتطهير العرقي، والتهجير القسري، والطرد بشكل أساسي، حيث من المتوقع حينها أنهم لن يعودوا أبدا”.

كما أثار الصراع حول غزة مخاوف طويلة الأمد في الأردن، موطن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم، من أن اندلاع صراع أوسع نطاقا من شأنه أن يمنح الإسرائيليين الفرصة لتنفيذ سياسة طرد الفلسطينيين بشكل جماعي من الضفة الغربية.

وقررت السلطات الأردنية الجمعة إغلاق معبرين حدوديين من أصل ثلاثة تربط المملكة بإسرائيل نتيجة الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية.

ويرتبط الأردن مع إسرائيل بثلاثة معابر حدودية هي الشيخ حسين (معبر نهر الأردن من الجانب الإسرائيلي) وجسر الملك حسين (ألنبي من جانب إسرائيل) ووادي عربة (معبر إسحاق رابين من جهة إسرائيل).

وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي “الحرب التي أعلنت إسرائيل أن هدفها القضاء على حماس تقتل وتشرد الأبرياء الفلسطينيين، وستترك المنطقة والعالم في مواجهة تداعيات بيئة الدمار واليأس والقهر التي ستحيل إسرائيل غزة إليها، ولن تحقق أمناً ولن تقود إلى سلام”.