أخبار وتقارير

الخميس - 01 يونيو 2023 - الساعة 12:31 ص بتوقيت اليمن ،،،

جميل الهادي


لقد تنبه مؤرخون مسلمون في عصور لاحقة لذلك وانتقدوا أساليب من سبقهم مثل ابن خلدون.

ولكن من بين الإخباريين الذين بذلوا جهداً معقولاً في هذا الجانب كان المؤرخ والجغرافي اليمني أبو محمد الهمداني مؤلف صفة جزيرة العرب، إذ كان من القلائل الذين حاولوا قراءة نصوص المسند على الأقل، وقد زار المواقع الأثرية بنفسه ودون ما رآه وهو مجهود لم يفعله أحد من المؤرخين المسلمين.

ولكنه مع ذلك وقع في أخطاء فادحة.

ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحضارات القديمة منبثقة من حضارات بدائية قامت في العصر البرونزي (امتدادًا للعصور الحجرية) في اليمن أم أنهم نازحون من مناطق أخرى خلال العصر الحديدي.

البعض يعتقد أن السبئيين وغيرهم كانوا امتداداً لحضارات بدائية قديمة جداً قامت في اليمن، إلا أن الارتباط اللغوي للعرب الجنوبيين مع الكنعانيين بالذات يرجح نزوحهم إلى الجنوب على رأي علماء المدرسة الألمانية القديمة.

وتبقى هذه مجرد نظرية، فسبب النزوح إن حدث فعلا لا يزال غير معروف. اكتشفت كتابة مصرية عن تلقي تحتمس الثالث هدايا من يمنيين في القرن الخامس العشر قبل الميلاد، وهذه الهدايا كانت بخورًا مما يدل على قدم سيطرة اليمنيين على مناطق إنتاج البخور ويضعف فرضية النزوح في العصر الحديدي.

كشفت أبحاث قصيرة في عام 2001 عن وجود حضارة زراعية تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد.

ذكرت التوراة ما يٌفترض أنه نسب سبأ ثلاث مرات مختلفة فذكر سبأ من نسل الشخصية التوراتية إبراهيم من ولد اسمه "قيشان" كان شقيقاً لمدين الذي أنجب ديدان.

وذكرت التوراة كذلك أن السبئيين كانوا يغيرون على أيوب ويسرقون ويقتلون الأطفال وهي تعطي دلالة أن عدداً من السبئيين كان بدوياً ويغير على المزارعين في مواقع قريبة من اليهود.

وذكرت التوراة أيضا سبأ أخرى شقيقة لحضرموت ومن أبناء يقطان بن عابر وهو الادعاء الذي تمسك به النسابة والإخباريون الذين ظهروا بعد الإسلام. وأنهم كانوا يسكنون "ميشع" ونزحوا إلى "سفار"، ويعتقد الباحثون أن المقصود بسفار عند اليهود هو ظفار يريم.

وذكروا سبأ من نسل كوش وهي إشارة لشرق أفريقيا. إن أثبت هذا التعدد شيئاً، فهو امتداد نفوذ السبئيين إلى عدة مناطق، وتعدد المناطق التي قدمت منها القوافل السبئية خلط الأمور على اليهود.

ذكر الباحثون في سياسة العرب الجنوبيين تكوين مستعمرات وتمهيد الطرق للقوافل، وبناءً على ذلك فلا شك أن جماعة من السبئيين كانوا يسكنون على مقربة من أرض كنعان.

وقد عثرت بعثة اسكتشاف أمريكية على آثار من النحاس والحديد وكتابات بخط المسند تعود إلى القرن الثامن ق.م في موقع تل الخليفة بالأردن يرى الباحثون أن لها علاقة بالمعينيين في العلا.

هذا لا يعني اعتبار التوراة مرجعًا ولكن الوارد فيها قد يعطي لمحة لبعض التواريخ. وقد عثر الأثريون على كتابات سبئية ومعينية في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية في قرية الفاو بل في العراق كذلك في موقع وركاء على شاهد قبر قديم.

واكتشفت كتابات معينية في ميناء عصيون جابر وهو حسب العهد القديم أحد الموانئ المهمة للملك سليمان وكتابات مشابهة في القطيف.

ورد في نصوص سومرية كلمة "سبا" في كتابة "لجش تلو" ويعتقد أن المقصود أرض سبأ وذلك منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقال هومل أن كلمة "سابوم" الواردة في نصوص لملوك أور هي ذاتها سبأ المذكورة في العهد القديم والقرآن.

كان التبادل التجاري مبلغ علم العبرانيين، فلا يوجد في كتبهم سوى أن السبئيين كانوا أثرياء وتجار بخور ولبان وأحجار كريمة.

المهم في هذه الكتابات اليهودية هو توصيفها لحال الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية. وقد وجدت كتابات تصف وضعا مشابها في كتابات اليونانيين والرومان.

كانت الكتابات اليونانية في البداية مبالغًا فيها ويشوبها عنصر الأسطورة ولكنها تحسنت بعد الاتصال المباشر لليونانيين باليمنيين القدماء. زيادة أطماع اليونان السياسية كانت دافعًا لهم لدراسة الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، ودراسة مواطن ضعفه حتى أنهم خزنوا ما كتبوه عن اليمن القديم في خزانة مكتبة الإسكندرية واعتبروه من أسرار الدولة التي لا يطلع عليها العامة.

أما الوارد بشأن جرهم وإسماعيل فهي قصص متأثرة بتراث ديني والتأكد منها من ناحية الآثار يكاد يكون مستحيلا.

ورد اسم قحطان ولكن في كتابات مسندية متأخرة للغاية عن القرن الثاني عشر أو التاسع قبل الميلاد، ولم تكن بالصورة التي صورها الإخباريون؛ فقد جاء ذكر قحطن كاسم أرض تابعة لأحد ملوك كندة. رغم أن عدد النقوش والآثار المكتشفة يتجاوز العشرة الآف نقش، إلا أن الباحثين يعتقدون أن ما تحت الأنقاض يتجاوز ذلك بكثير.

وجدت شواهد لقبور ميغاليث تعود إلى العصر الحجري القديم ولا زالت الدراسات بشأن تاريخ اليمن القديم في بداياتها، فكثير من الأمور لا تزال غامضة. بدأت تظهر علامات على التحضر في أواسط الألفية الثانية قبل الميلاد في منطقة صبر تحديدا تعود إلى العصر البرونزي وتسبق الممالك الخمس المعروفة. حيث وجدت أطلال لمدينة قديمة ولها أسواق ومباني صغيرة وحفر تقود إلى مخابئ لتخزين الأمتعة الثمينة؛ ولا زالت الأبحاث جارية حول هذه الحضارة الصغيرة من قبل مختصين ألمان.

لم تجر أبحاث حول الحضارات الأصلية التي انبثقت عنها الممالك الأربع.

مملكة سبأ

في الفترة ما بين 1300 - 1000 قبل الميلاد نشأت مملكة سبأ، وكانت اتحادا ضم عدداً كبيراً من القبائل. ويُعرف انتماء القبيلة في نصوص خط المسند بعبارات دلالية من قبيل أبناء الإله إلمقه أو أبناء الإله عم و"سبأ وأشعبهمو" (سبأ وقبائلهم) وماشابهها من عبارات ساعدت الباحثين في تحديد انتماءات وأصول القبائل.

استطاع عدد من المكاربة تشييد عدد من السدود الصغيرة لحفظ المياه والاستفادة من مياه الأمطار لري الأراضي، واكتشف عدد من الرسومات الفنية والنقوش المصورة لحيوانات في الغالب تعود إلى هذه الفترة ونقوش تشير إلى بناء وتشييد لمعابد، معبد أوام تحديدًا، وذلك في القرن الثامن قبل الميلاد.

أقام السبئيون علاقات تجارية مع الهند والآشوريين، واشتهروا بكونهم تجار عطور وطيب وبخور وذهب وفضة وبهارات، وكلها عناصر مهمة للعالم القديم.

ورد في نص آشوري للملك سرجون الثاني تلقيه هدية من مكرب سبئي يدعى يثع أمر، ووجد اسم المكرب في نقوش يمنية.

ووجدت كتابة أخرى للملك سنحاريب وتشير إلى تلقيه هدية من مكرب يدعى كرب إيل أو كرب إيلو حسب اللفظ الآشوري.

ويستبعد أن يكون نفوذ الآشوريين قد وصل إلى اليمن، وهدف إرسال الهدية كان مجرد تعبير عن الصداقة التي تجمع سبأ وآشور لارتباطات تجارية قديمة بينهما ومن باب التلطف للآشوريين إذ كان للسبئيين تجارة في أسواق بلاد الرافدين.

ويعود تاريخ الكتابة إلى 715 ق.م، ولم يورد الآشوريون اسمه كاملا في النص مكتفين بكرب إيل واسمه الكامل كرب إيل بين. لقبه الآشوريون بملك وهي دلالة على عدم معرفتهم بألقاب حكام العربية الجنوبية في تلك الفترة.

قام عدد من المكاربة بإنشاء عدد من السدود وعملوا على إيصال المياه إلى مناطق عديدة في اليمن. قاموا بتعلية سد رحبم وتقوية دعائمه فزادت مساحة الأراضي الزراعية وازداد ثراء المزارعين في هذه الفترة وبالذات في مأرب التي أصبحت تنافس صرواح عاصمة سبأ في تلك الفترة حوالي القرن الثامن ق.م،

ظهرت في هذه الفترة نقوش عن عدد من الحروب والانتصارات لسبأ على معين وقتبان ونجران. وكعادة النقوش، فإنها لا تبدي أسبابا للاقتتال وتكتفي بذكر الموقع واسم الملك وعدد القتلى المبالغ فيه عادةً من الجانب المهزوم. وكان عدد القتلى في نجران هو الأعلى خلال حملة المكرب يثع أمر بين هذه إذ ورد في النص أن خمسة وأربعين ألف شخص قتلوا خلال إحراقه لمدنها وقراها.

في بدايات القرن السابع قبل الميلاد، غير المكرب كربئيل وتر لقبه من مكرب سبأ إلى ملك. يعتقد أن ملك مملكة أوسان بدأ بالهجوم واستطاع السيطرة على ممالك صغيرة تابعة لمملكة حضرموت وقتبان.

توجه الملك إلى المناطق الساحلية الجنوبية الغربية لليمن للسيطرة على الممالك التي استولت عليها أوسان. استطاع إخضاع هذه الممالك ومنعها من أي محاولة للاستفراد بالطريق التجارية.

وترجمة أوسان أو "أوسن" كما وردت في نصوص المسند هي الأوس، لأن النون في آخر الأعلام هي أداة التعريف بلغة السبئيين.

كانت سبأ قد بلغت أوجها حتى أواخر القرن الثاني أو بدايات الأول ق.م.[62] كان كربئيل وتر ملكا محاربا. دون هذا الملك كتابة طويلة يحكي فيها إنجازاته؛ عرفت الكتابة عند المتشرقين باسم "كتابة صرواح".

هيمنت سبأ على جنوب الجزيرة العربية وبقي الملك في سلالة هذا الملك أمداً طويلاً من القرن السابع ق.م وحتى القرن الثالث ق.م إثر انقلاب قام به الملك وهبئيل يحز.

ووردت عدة نصوص في نفس الفترة عن تأديب قوات من حاشد لبدو لم يحددوهم تطاولوا على أربابهم ملوك سبأ كما يُقرأ من النص، وتم استرداد أموال سلبها هولاء البدو وأُخذوا إلى معبد المقة بمأرب لينظر في مصيرهم.

وشهد القرن السابع والسادس إصلاحات وتشييدا لأبراج وقلاع وحصون، وتحسين نظام الري وبناء عدد من السدود وإيصالها ببعضها البعض. واستخدمت الأحجار الكريمة مثل البلق لبناء الأبراج في تلك الفترة.

كانت مملكة كندة القديمة التي تعاقب على دعمها أكثر من ملك في صنعاء ومأرب من يوفر الأمان للقوافل التجارية الخارجة من اليمن إلى العراق وفارس. وكانت مملكة ديدان تقوم بنفس الوظيفة ولكن للقوافل المتجهة نحو الشام ومصر ودول البحر الأبيض المتوسط وغيرها من الممالك المنتشرة على طول الطريق التجارية.

لم تكن علاقة هذه الممالك في الصحراء جيدة دائما مع ممالك اليمن، حيث تكشف عدد من النصوص عن استغلال سلطتهم على الأعراب لشن هجمات على قوافل خارجة من اليمن أو عائدة إليه على حسب الظروف والمصالح.

ملوك وممالك اليمن القديم: معبد أوام ومملكة أوسان