جددت المملكة العربية السعودية دعمها للاقتصاد المصري وأعلنت قبل أيام تمديد أجل استحقاق وديعتها البالغة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري لمدة عام آخر، وهي الخطوة التي أثارت ارتياحا مؤقتا لأنها خففت جزءا من وطأة الشح الحاصل في العملات الأجنبية، بما انعكس على العديد من المناحي الاقتصادية.
تلقت مصر الوديعة السعودية في مارس الماضي كجزء من حوالي 22 مليار دولار تعهدت بها دول مجلس التعاون الخليجي للمساعدة في دعم المالية العامة لمصر واحتواء تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على اقتصاد البلاد.
وكشف تقرير للبنك المركزي المصري في أغسطس الماضي أن إجمالي ودائع أربع دول خليجية، هي السعودية والإمارات وقطر والكويت، طويلة الأجل في البنك 15 مليار دولار، بينما تبلغ الودائع قصيرة الأجل 13 مليار دولار، بقيمة إجمالية قدرها 28 مليار دولار، من بين 33 مليار دولار هي الاحتياطي المصري في الوقت الراهن.
وتبلغ ودائع السعودية طويلة وقصيرة الأجل 10.3 مليار دولار، بينما تصل ودائع الإمارات إلى 10.7 مليار دولار، وتملك الكويت وديعة في البنك المركزي المصري بنحو 4 مليارات دولار، وقطر 3 مليارات دولار.
ويأتي الحديث عن الودائع الخليجية بمصر حاليا في فترة تواجه فيها البلاد مجموعة من التحديات، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وانخفاض عائدات السياحة، وتخارج العديد من المستثمرين الأجانب من أدوات الدين بالأسواق الناشئة، وكلها أمور تضغط على ميزان المدفوعات.
وتدعم الودائع الخليجية الاستقرار الاقتصادي في ظل معاناة مصر من فجوة تمويلية كبيرة وضغوط جراء سداد فوائد وأقساط القروض، ويمنح تمديد أجل الودائع، كما فعلت الرياض أخيرا، القاهرة فرصة لالتقاط الأنفاس.
ويوفر استمرار الودائع الخليجية خيارات عدة أمام الحكومة المصرية بتوجيهها إلى احتياجات تمويلية أخرى بدلاً من ردها، وذلك باستخدامها في دعم الاحتياطي النقدي أو في استيراد السلع الأساسية، وهي خطوة تسهم في تخفيف الضغط على الجنيه.
وقال الخبير المصرفي هاني أبوالفتوح إن البنك المركزي المصري مازال يدعم ويتدخل إداريًا في تحديد سعر صرف الجنيه، في ظل النقص الحاد في الدولار داخل البلاد، واستمرار تقييد فتح الاعتمادات المستندية للمستثمرين.
وعقب إعلان البنك المركزي عن تطبيق سياسة سعر الصرف المرن “التعويم الكاملة للجنيه” ارتفع سعر الدولار في البلاد من 19 جنيهًا إلى مستويات 22 ثم 23 جنيها وحاليًا بدأ يتجاوز نطاق الـ24 جنيهًا، وإذا كان يشهد ارتفاعات طفيفة على فترات فهذا يعني أن السلطات النقدية لا تزال تتدخل لضبط سعره.
وأقرّ البنك المركزي اعتماد تلك السياسة في أكتوبر الماضي طبقًا لآلية العرض والطلب في السوق، وهو ما دفع الدولار إلى الصعود بنحو 25.5 في المئة خلال شهر إلى 24.6 جنيه، وبذلك يقفز بنحو 57 في المئة منذ مارس الماضي.
ولا يتدخل البنك المركزي في تحديد سعر صرف الجنيه، إلا في حال وفرة الدولار بالبنوك وإمكانية شراء الأفراد للدولار من المصارف لأغراض السفر أو غير ذلك.
ويلتزم البنك المركزي بعد التدخل بشكل مؤثر في تحديد سعر الصرف حسب اتفاقه مع صندوق النقد الدولي، وترك العملة في البداية، لكن الصندوق يتفهم أن البنك المركزي لا يملك كل خيوط اللعبة.
وأوضح هاني أبوالفتوح لـ”العرب” أن “أهمية الودائع الخليجية تكمن في أنها توجه لدعم السلع الإستراتيجية من الغذاء، وتعزز إمكانية تغطية احتياجات البلاد لمدة ستة أشهر، كما أن الفترة الحالية حرجة مع ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا، وبالتالي زيادة أعباء القروض والحاجة الماسة إلى ثبات أو زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي”.
وراهن المركزي المصري على عدد من العوامل عند اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف لكنها لم تتحقق عمليًا، منها عدم زيادة تحويلات العاملين في الخارج، وعدم تنازل الأفراد عما في حوزتهم من العملة الأجنبية، واستمرار رواج السوق السوداء.
وتصل قيمة الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر إلى نحو 33 مليار دولار، ومن ثم فإن قرار تمديد الوديعة السعودية أنقذ الاحتياطي في البلاد من التآكل، حيث كان سيهبط إلى 28 مليار دولار، ما يفتح الباب لمضاربات على الدولار في السوق السوداء، وهي السوق الموازية للسوق الرسمية.
وتتعدد حلول أزمة سعر العملة في مصر، لتشمل أدوات عاجلة أولاها الاقتراض بآجال طويلة والإسراع في تنفيذ برامج تخارج الحكومة من شركاتها عبر بيعها لمستثمر إستراتيجي أجنبي، كما توجد آليات على المديين المتوسط والطويل مثل زيادة الصادرات وتوطين الصناعة وترك الواردات تدريجيًا.
وعلى الرغم من أن الودائع الخليجية تعد سيولة إضافية لدى السلطات في مصر، لكن استخدامها محصور في نطاقات ضيقة مثل تأمين احتياجات البلاد من الغذاء، ولا يمكن من خلالها حل أزمة الصناع أو المستوردين، لكنها بمثابة طمأنة قوية تعزز استقرار العملة مؤقتًا في البلاد.
وأكد أبوالفتوح لـ”العرب” أنه “ليس منطقيًا أن تعلن الحكومة عن أغراض استخدام الودائع الخليجية، فهي تعد دعمًا غير منظور للبلاد، غير أنها في صميم عمل البنك المركزي الذي يتخذ آليات تعزز ثبات العملة قدر الإمكان”.
ومع مساعي تمديد أو الحصول على ودائع خليجية جديدة، فتحت القاهرة أبواب الاستحواذ على شركاتها من قبل الأجانب، وطرح الشهادات الدولارية بعائد جذاب، ما يستقطب الكثير من الزبائن، بجانب الإعلان عن مبادرة إعفاء سيارات المغتربين من الرسوم الجمركية مقابل وديعة دولارية.
وأشارت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي إلى أن ودائع الخليج تدعم بقوة الاقتصاد المصري، إلا أن الاحتياجات الكبيرة من الاستيراد تدفع البلاد إلى البحث عن قنوات جديدة مثل الاقتراض من صندوق النقد كثقة تعزز تدفق الاستثمار المباشر إلى البلاد.
وأضافت لـ”العرب” أن “الودائع الخليجية منحت الحكومة فرصة لالتقاط الأنفاس من أجل سداد ديونها وتحديد جدول زمني لمواجهة أعباء الاقتراض من المؤسسات الدولية”.
ومثّلت هذه الودائع خطوة تمهيدية للسلطات المصرية من أجل تخفيف ضغوط التمويل قصير الأجل وأسهمت في قرْب حصول البلاد على قرض من صندوق النقدي الدولي”.
وبدأت المفاوضات بين القاهرة وصندوق النقد الدولي منذ مارس الماضي، وهي بداية تلقّي البلاد للودائع الخليجية، ولم يتم التوصل إلى اتفاق إلا في شهر أكتوبر الماضي على أمل أن تحصل البلاد على أول شريحة خلال شهر ديسمبر الجاري.
ونجحت مصر في الوصول إلى اتفاق بشأن قرض قيمته 9 مليارات دولار، بينها 3 مليارات دولار من صندوق النقد، ومليار دولار من صندوق الاستدامة والمرونة، و5 مليارات دولار من الشركاء الدوليين.