عرب وعالم

الإثنين - 07 مارس 2022 - الساعة 12:16 ص بتوقيت اليمن ،،،

سبوتنيك

أيام فقط كانت كفيلة بقلب موازين العالم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا أيضا، منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، الأمر الذي شكل صدمة حقيقة لدى الغرب، حيث تعتبر هذه العملية أكبر انكسار لسياسة القطب الواحد من أكثر من 30 عاما.

العملية التي وصف، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لحظة اتخاذ قرارها، بالقرار الصعب، كان وقعها أصعب بكثير على حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي ظهر واقعه الحقيقي على الأرض بعيدا عن الإعلام.

نسر برأسين... القوة والسلام


11 يوما استمر فيها الجيش الروسي بالتقدم بصمت، متجاهلا الحرب الإعلامية الشرسة التي نفذها الناتو أو المؤسسات والشركات التابعة والمندرجة تحت سلطة دوله، مثل "فيسبوك" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي التي بثت آلاف الرسائل الموجهة إلى الداخل الروسي، لكن الواقع على الأرض مختلف تماما واقع "أبطال السوشيال"، بتغريداتهم ومقاطهم المصورة التي ثبت تزوير الكثير منها.

"نسر برأسين، أحدهم ينظر إلى الشرق، والآخر إلى الغرب، هو شعار الدولة الروسية، الذي تقيدت به أيضا في سياساتها، عندما هدد أمنها القومي من الغرب، فتحرك نسرها بشكل عاجل ليقف تقدم "ناتو" ماسكا بإحدى يديه، صولجان القوة، في إشارة إلى القوة الضاربة التي يتمتع بها المنتصر في الحرب العالمية الثانية، وبيده الأخرى، رمز السلام، وهو ما تؤكده موسكو، من خلال سعيها الدائم لحل الأزمات من خلال المفاوضات، وهو ما شهدناه في سوريا أيضا".

لكن يبقى السؤال، ماذا سيحدث بعد انتهاء العمليات؟ الأمر المؤكد، هو أن انتصار الجيش الروسي، أمر محسوم، لا يناقشه أحد سواء من أعضاء حلف الناتو أو غيرهم من الضالعين في العلوم العسكرية، مهما حاولوا تقديم دعم لحكومة كييف، وهو أمر بدأ يعترف به الرئيس الأوكراني، وبدأ يظهر جليا على أرض الواقع، خصوصا مع وجود مناصرين كثر داخل أكرانيا لروسيا، بعضهم في البرلمان، لكن تبعات العملية عالميا ستكون كبيرة أيضا، وتجلياتها ستكون أكبر.

العالم شطر إلى نصفين... شرق وغرب

قد تبدو التصريحات الصادرة عن دول الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ومنع الطيران، وغيرها من الإجراءات الكثيرة، بمثابة "قنبلة إعلامية كبيرة" إلى حد ما، لكن الجغرافيا وعلى أرض الواقع، لها معايير أخرى، خصوصا إذا علمنا أن كل الجغرافيا المغلقة أمام روسيا، أي الجزء الأوروبي، لا يتعدى بمساحته، الجزء الأوروبي من روسيا ذاتها.

لكن عند إعادة النظر إلى الخريطة العالمية، سنجد أن العالم قد قسم بالفعل، حيث تظهر دول كثيرة لم تعلن عن أي إجراءات ضد روسيا، بل أعلن العملاق الصيني دعمه بشكل واضح وصريح، وحذرت بكين اليوم واشنطن من "صب الزيت على النار" في أوكرانيا.

هذا الدعم الآسيوي لروسيا لم يأتي من فراغ ركزت موسكو في الفترات الأخيرة علاقتها بشكل وثيق مع دول أسيا على رأسها الصين، وهو أمر يلاحظه أي طالب في الجامعات الروسية، حيث ينتشر عدد كبير من الطلبة من الصين وكرويا وباكستان بالإضافة إلى الكثير من الدول العربية.

"أهلا بكم في العالم الجديد"... ماذا سيحدث؟

قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، معلقا على قرار ألمانيا بشأن "التيار الشمالي 2"، جملة مختصرة لكنها معبرة: "حسنا مرحبا بكم في العالم الجديد، حيث سيدفع الأوروبيون قريبا 2000 يورو لكل ألف متر مكعب من الغاز"، لكن الأسعار فاقت التنبؤ الذي توقعه ميدفيديف، الأمر الذي اضطر شركة "شيل" لإعلانها أمس شراء النفط من روسيا، في مؤشر على أن التصريحات الإعلامية التي أطلقها الغرب، يقابها الكثير من عدم الواقعية.

ولم يقتصر الأمر على شركة "شيل"، حيث قالت رئيسة شركة الطاقة الفرنسية "إنجي"، اليوم، إن "وقف الإمدادات سيكون له عواقب وخيمة وسريعة للغاية. في هذه الحالة، سندخل واقعا جديدا للطاقة بصدمة تعريفة غير مسبوقة".

المعاملات البنكية ليست حكرا... "العجلة تم اختراعها"

تداولت وسائل الإعلام الغربية آلاف الأخبار حول فصل مصارف روسيا من نظام "سويفت" البنكي، وكأن الدولة التي تفصل من هذا النظام، يحكم عليها "بالإعدام"، لكن إعلان البنوك الروسية اليوم عزمها استخدام نظام البطاقات الصيني "يونيون باي" بديلا عن "فيزا" و"ماستر كارد" بعد قرار الأخيرة، قد يؤسس إلى شبكة عالمية بديلة تربط جميع دول آسيا بشبكة دفع موازية لتلك الأمريكية، خصوصا أن التجارة العالمية، لم تعد حكرا على أوروبا أيضا، والصين شاهد قوي على ذلك.

"المؤكد أن أغلب دول آسيا، وعلى رأسها روسيا والصين، وبعض الدول العربية ستسعى جاهدة إلى تأسيس شبكة بنكية موازية لنظام "سويفت" لمنع استخدام الأخير كورقة ضغط دائمة على الدول، حيث أن تأسيس مثل هذه الشبكة، ليس بالأمر الصعب في وقتنا الحالي، خصوصا إذا علمنا أن أنظمة الدفع الإلكتروني ما زالت مستمرة داخليا في روسيا بعد العقوبات، أن هذه التقنيات لم تعد حكرا على أحد، وليس على روسيا سوى ربط هذا النظام بشكة أخرى موازية ليصبح دوليا".

تحالف ضخم يعيد تشكيل العالم

اعتبرت بعض الصحف والمحللين السياسيين أن موقف الصين كان "متواضعا" بسب احتياجاتها التجارية، لكن الصين تعاني ما عانته روسيا تماما، ويمكن القول بأن التنين الصيني، ينتظر بفارغ الصبر، اللحظة المناسبة لفرض شروطه في بحر الصين الجنوبي، حيث تعهدت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية وشددت على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه أن يثير "قلقا كبيرا"، بحسب "بي بي سي".

الطريقة الأمريكية بالتعاطي مع الأزمات الدولية، عن طريق التسليح تارة، والهجوم المباشر تارة أخرى، يحتم على دول آسيا التكتل وإنشاء أحلاف من شأنها مواجهة توسع الناتو المستمر على حساب مصالح الدول الأخرى، وهو ما حذر منه مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، الذي كان مسؤول سياسي في السفارة الأمريكية في موسكو، والذي أبلغ واشنطن أن "العداء (لأمريكا) ظهر في وقت مبكر، أن توسع الناتو محسوس عالميا تقريبا"، بحسب "theconversation".

وبحسب "ذا غارديان" فإن توسع الناتو سيكون له نتائج عكسية، حيث حذر جورج كينان، الأب الفكري لسياسة الاحتواء الأمريكية خلال الحرب الباردة، من ذلك معتبرا أنه "خطأ مأساوي. لم يكن هناك سبب لهذا على الإطلاق. لم يكن أحد يهدد أي شخص آخر"، لكن هذا التوسع، سيجر دولا أخرى إلى الأحلاف المناهضة له.

عالم رقمي جديد.. ووسائل تواصل اجتماعي أكثر أمانا

استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في الأزمة الحالية، من المؤكد أنه، لن يمر مرور الكرام، حيث من المتوقع أن يبدأ العمل بشكل جدي على الحد من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية، في روسيا وفي آسيا أيضا، حيث لعبت دورا حساسا وخطيرا في محاولة تجييش الرأي العام الداخلي، في أكثر من مناشبة، بدأ من أحداث الربيع العربي وصولا إلى روسيا.


المقال يعبر عن رأي كاتبه