عرب وعالم

الإثنين - 29 ديسمبر 2025 - الساعة 12:17 م بتوقيت اليمن ،،،

الشيخ ولد السالك


واجه تنظيم الإخوان المسلمين أسوأ فتراته منذ نشأته خلال العقد الأخير، إذ صُنِّف في عدد من الدول العربية تنظيماً إرهابيا، من بينها مصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن، إضافة إلى دول أخرى. كما فُتحت في وجهه أبواب واسعة من التضييق والملاحقات في بعض الدول الأوروبية.

وفي المقابل، حظي التنظيم بدعم ملحوظ من بعض الدول، ولا سيما على المستوى الإعلامي، مثل قطر وتركيا وغيرها، إلا أن هذا الدعم اصطدم بتوترات حادة في العلاقات بين تلك الدول والدول المناهضة للإخوان، ما أدى إلى تراجعه، وأسفر عن مزيد من المعاناة للتنظيم.

ومع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واجه تنظيم الإخوان المسلمين تحدياً كبيراً بعد قراره تصنيف ثلاثة من أفرعه في مصر والأردن ولبنان تنظيماتٍ إرهابية، إلى جانب مطالبته وزارة الخارجية الأميركية بدراسة إدراج أفرع أخرى في دول مختلفة، وهو ما يمثل بداية مرحلة جديدة من الضغوط قد تستمر لسنوات قادمة، شريطة التوصل إلى موقف عربي موحّد يدعم الموقف الأميركي ويمده بالمعلومات الكافية حول خفايا هذا التنظيم، الذي تغلغل في المجتمعات العربية معتمداً العمل السري نهجاً له منذ نشأته.

ورغم ذلك، لا يزال التنظيم يسعى إلى العمل وفق استراتيجيات عميقة تهدف إلى ضرب التحالف العربي، الذي شهد خلال العقد الأخير أفضل سنوات التوافق، لا سيما بين دوله المحورية مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن.

ولا يختلف اثنان في أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت في طليعة المواجهة مع تنظيم الإخوان المسلمين، إذ دعمت الدول العربية الأخرى في التصدي له، وحاربته داخلياً وخارجياً. ولم تكن هذه المهمة سهلة، حيث واجهت الإمارات حملة إعلامية غير مسبوقة قادها التنظيم وأذرعه الدعائية، شملت محاولات ممنهجة لشيطنة الدولة عالمياً عبر فروع التنظيم المنتشرة في مختلف دول العالم.

كما خاضت المملكة العربية السعودية معركة حاسمة ضد تنظيم الإخوان داخلياً، ولا يزال عدد من قياداته يقبعون في السجون السعودية. وخاضت جمهورية مصر العربية بدورها معركة كبرى ضد التنظيم، معتمدةً بالأساس على المقاربة الأمنية. وقد تزامنت هذه المواجهات في البلدين مع تطور لافت في العلاقات بين السعودية ومصر من جهة، ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى.

وقد بلغت العلاقات السعودية الإماراتية أفضل مستوياتها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وكانت عملية “عاصفة الحزم” محطة مفصلية دشّنت مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، عقب تلبية الإمارات دعوة الملك سلمان للمشاركة في التصدي لانقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن. غير أن هذا المستوى المتقدم من العلاقات لم يكن محل قبول لدى جماعة الإخوان في اليمن، التي تُعد ركناً أساسياً فيما يُسمّى بالشرعية هناك، ما دفعها إلى عرقلة مشروع إسقاط الحوثيين.

كما شكّلت ثورة 30 يونيو، التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر، بداية عهد جديد في العلاقات المصرية الإماراتية. وقد بذلت الإمارات جهوداً كبيرة في دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقدّمت عشرات المليارات من الدولارات في صورة دعم مالي مباشر وودائع واستثمارات، إلى جانب مواقف دبلوماسية داعمة للقاهرة في مختلف المحافل الدولية ومراكز صنع القرار العالمية. وقد شكّل هذا الدعم ضربة موجعة لجماعة الإخوان، وضاعف من عدائها لدولة الإمارات، حتى باتت تعتبرها خصمها الأول.

إلا أن دعم مصر للجيش السوداني، الذي تشكّل في ظل دولة إخوانية حكمت السودان لثلاثة عقود، وكان منتسبوه يؤدون قسماً بالولاء للحركة الإسلامية، أفضى إلى تعقيدات إضافية. ورغم أن العلاقات المصرية الإماراتية لم تتأثر ظاهرياً، فإن محاولات النيل من سمعة الإمارات تصاعدت بشكل ملحوظ، نتيجة الاتهامات التي يروّج لها جيش البرهان في المحافل الدولية، مستنداً إلى الدعم المصري الذي يتلقاه باعتباره دليلاً على صحة روايته تجاه دولة الإمارات.

وقد أصبح ملفا اليمن والسودان مصدر قلق بالغ للمهتمين بمحاربة تنظيم الإخوان، إذ تموضع العدو بين الأشقاء، ووجد التنظيم في ذلك فرصة ذهبية وغير مسبوقة لمحاصرة دولة الإمارات ودفعها إلى خوض معركتها منفردة ضد هذا التنظيم المتشعب.

وتكشف التحديات في اليمن والسودان أن محاربة تنظيم الإخوان المسلمين ليست مجرد صراع سياسي، بل معركة وجودية ضد تفكيك الدولة الوطنية، حيث يستغل التنظيم الفراغات الأمنية والسياسية لإعادة التموضع، سواء عبر التغلغل في الهياكل الشرعية في اليمن، أو من خلال محاولات العودة إلى الحكم عبر المؤسسة العسكرية في السودان. والأخطر أن هذا التمدد لا يقتصر على الساحتين اليمنية والسودانية، بل يستهدف ضرب عمق الاستقرار الإقليمي من خلال تقويض التحالف العربي الحيوي، وما يمثله من تقارب استراتيجي بين الإمارات والسعودية ومصر.

ولا شك أن عداء تنظيم الإخوان المسلمين لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وللرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هو عداء عقائدي وتنظيمي عميق الجذور، يتجاوز الخلافات التكتيكية والمرحلية، ما يجعله عداءً لا يمكن احتواؤه باتفاقات مؤقتة. فبمجرد تأمين نفوذهم واستقرار مواقعهم في اليمن والسودان، وهما دولتان ترتبطان جغرافياً بحدود واسعة مع المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، سيتحول تركيز التنظيم إلى استهداف البلدين بشكل مباشر.

ولا يمكن إغفال حقيقة أن الرياض والقاهرة تدركان تماماً ما يضمره تنظيم الإخوان من نوايا عدائية تجاههما، غير أن تموضع التنظيم بين الأشقاء في الصراعات الراهنة يتيح له توجيه ضربات مؤلمة للجميع، مستغلاً تعقيدات المشهد الإقليمي وتشابك المصالح.

ومن هنا، تبرز الحاجة إلى وعي متجدد بخطر هذه الجماعة الراديكالية، التي تستهدف في المقام الأول الدولة الوطنية ومنظومة شرعيتها ومؤسساتها. إن الموقف التاريخي لدولة الإمارات بالوقوف إلى جانب الدولة الوطنية في مختلف أنحاء العالم العربي هو ما جعلها هدفاً لحملات هذه الجماعات الميليشياوية، التي تتخذ من الدين شعاراً زائفاً لتأليب الشعوب على السلطات الشرعية، في حين لم يؤدِّ حكمها في أي دولة عربية إلا إلى تدمير النسيج الوطني، وتأجيج الاحتقان الاجتماعي، وتوليد العنف الداخلي.

إن المعركة الحقيقية هي بين الدولة الوطنية والاستقرار السياسي والاجتماعي والتنمية المستدامة من جهة، وبين التفكك السياسي والفتنة الداخلية والانهيار الاقتصادي من جهة أخرى. ولقد كانت دولة الإمارات، منذ البداية ولا تزال، في الصف الأول دفاعاً عن أمن ووحدة واستقرار الدول العربية الشقيقة.

العرب