أخبار وتقارير

الأحد - 28 ديسمبر 2025 - الساعة 03:41 م بتوقيت اليمن ،،،

صالح ابوعوذل


قبل الحرب بوقت غير قصير، وصل إلى عدن رجل قدّم نفسه بصفة أكاديمية، "الأستاذ الدكتور علي سعيد الطارق".

قوبل حينها بحفاوة لافتة، وفتحت له الأبواب على مصراعيها، كما لو أنه جاء يحمل معه مشروع اعتراف اليمن بدولة الجنوب.

يومها كنت محررا صحفيا في صحيفة محلية. كانت التصريحات تنهال عليّ من كل حدب وصوب، ولكن الطارق هذا –بالنسبة لي- ليس سوى ريحٍ خفيفة تمر أمام بابٍ على وشك السقوط، تُحدث فيه "قربعة" فقط، لا تشبه "قربعة في تنك".. ولا حتى "خربشة في قصب"..

جاءني أحد قيادات الحراك الجنوبي (يومها) بورقة مبتورة، لا تتجاوز 73 كلمة، سبع منها ناقصة الحرف الأخير.

سألت يومها بوجه متعب ومرهق :"مقالة أم تصريح؟"... تسمر في مكانه، فتداركت الأمر سريعا "لو سمحت… خطك غير واضح، لم أكن أنوي الهروب، لكني أردت الفهم؛ فهم الرسالة التي تحملها هذه القصاصة".

قال ثقة مفرطة: "هذا تصريح فيه إشادة بالدكتور علي الطارق ومواقفه الوطنية تجاه القضية الجنوبية، وفيه مقترح أن يكون سفير اليمن في عدن بعد استعادة دولة الجنوب".

وهو يغادر قال: "حرّر الموضوع بطريقتك "الجميلة"، وكأن هذه (الجميلة)، كفيلة بتنفيذ طلبه.. وقبل أن يخرج من الباب، قال: "لدينا عزومة على شرف الدكتور علي الطارق".

سمعت طرقة الباب، فتأكد لي أنه غادر بلا عودة (إن شاء الله).

الحفاوة التي قوبل بها علي الطارق أثارت غضب الكثيرين. خطر ببالي سؤال مربك حينها: ماذا لو أن القادم إلى الساحة كان علي عبدالله صالح، أو علي محسن الأحمر، أو حتى توكل كرمان، أو جميعهم، وجاؤوا ليقولوا: "نحن آسفون"؟

أصابني يومها قلق شديد.. ما الذي يجري، وربّ الكعبة؟.

في تلك الأيام، علّق أحد ناشطي الحراك، بنبرة أقرب إلى المزاح وأبعد عن البراءة، وهو يقضم بأسنانه المتهالكة قطعة خبز في شارع القصر بالمنصورة "يا أخي، تمنّيت لو كنت اليوم شماليا".
قالها ومضى، يرمي "علبة حليب"، كان يشرب فيها الشاهي داخل برميل، وهو على يقين أنه لن يستخدمها مرة أخرى.

لم تبقَ العبارة عالقة في ذاكرتي طويلا، لكن بقي معناها؛ فلكل شيء وظيفة، العلبة تستخدم "مرة أو أكثر" ليست مرة واحدة، إلا مرة واحدة، "افراغ الحليب منها، ثم شرب الشاهي فيها.. "مرة واحدة".. والبرميل… طريق إلى ما لا نهاية.

نحن من ندوّن التاريخ ونكتب الجغرافيا، لكننا لا نطرق الأبواب، ولا ندخل الأبواب المفتوحة، نعرف طريقنا جيدا، ونحترم أنفسنا، ولا ندخل إلا من باب يفتح لنا احتراما… لا مجاملة.

القادة الذين تحرّكهم العاطفة ليسوا قادة، إنهم يفضلون السير بين الورود، لكن الممشى ليس طويلا، والممرات المليئة بالأشواك بعيدة، لكنها تكسب (الرجل) صلابة، والرأس احتراما.

رسالة عتب… محذوفة.. والذاكرة ليست عدوا لأحد… لكنها لا تصاب بالعمى"..

#صالح_أبوعوذل