عرب وعالم

الإثنين - 21 فبراير 2022 - الساعة 12:46 ص بتوقيت اليمن ،،،

أحمد حافظ

بلغ الجدل الإعلامي في مصر مداه على وقع تذمر واسع من تشكيك في رحلة الإسراء والمعراج، ما دفع النيابة العامة الأحد، إلى فتح تحقيق قضائي مع الإعلامي إبراهيم عيسى مقدم برنامج “حديث القاهرة” على فضائية “القاهرة والناس”، الذي أثار القضية قبل أيام، وقال إن “المعراج قصة وهمية”.

ورد الأزهر على عيسى بعد تشكيكه في رحلة المعراج ووصف ذلك بـ”التحريف المتعمّد”، وقدم أدلة من القرآن والسنة النبوية تطعن في صحة ما ساقه الإعلامي أخيرا. وبدا أن الأزهر انتقى لنفسه معركة جديدة للابتعاد عن دوره في مواجهة التشدد.

ووصلت الأزمة إلى البرلمان المصري بعدما أصدر عدد من أعضائه بيانات طالبوا فيها بوقف الفوضى الإعلامية ووضع حدّ للإثارة بقضايا دينية في توقيتات خاطئة، ما يؤثر على الأمن والسلم، ويفتح الباب لاحتقانات شعبية، كما تدخل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بالتحقيق في الواقعة.

وبادرت بعض وسائل الإعلام منذ أن أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعوته إلى تجديد الخطاب الديني بالدخول في نقاش حاد حول الملف، ما أدخلها في صدامات مع الأزهر الذي أبدى امتعاضه من الطريقة التي يتناول بها الإعلام قضية تجديد الخطاب.

وثمة إشكالية ترتبط بهوية الإعلاميين المهتمين بملف التراث الإسلامي وتجديد الخطاب الديني، إذ يعتمدون على صدم المجتمع من خلال البحث في قضية دينية شديدة الخلاف، ما يمنح الأزهر حصانة شعبية عندما يرد وتكون كلمته أصدق.

ويعد الإعلامي إبراهيم عيسى نموذجا لشريحة من الإعلاميين درج أصحابها على الحديث عن المسكوت عنه في التراث وسبق وشكك في شرعية ارتداء النساء للحجاب، مستندا عند مطالبته بتحرر المرأة إلى واقعة غير مقنعة، عندما قال إن بعض سيدات الصعيد (جنوب مصر) ارتدين “المايوه” في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، مع أن الصعيد مجتمع محافظ.

يتعمّد عيسى الإيحاء بأنه يقوم بمهمة تجديد الخطاب الديني رسميا بعد أن صار يحضر الكثير من الفعاليات الرئاسية ويناقش رئيس الدولة في بعض أفكاره على الهواء مباشرة ويدعمه في ما يرتبط بنشر حرية التدين كمدخل للتعايش الإنساني.

تكمن أزمة الإعلام عند قيامه بمهمة تجديد الخطاب الديني أنه يبرر ذلك بتنفيذه ضمنيا رؤية الرئيس السيسي في هذا المجال، مع أن الأخير طالب المنابر الإعلامية أكثر من مرة بالحذر الشديد عند مناقشة التراث الإسلامي، كي لا يُفهم أن هناك دعوة إلى دين جديد أو نسف لموروثات دينية عريقة من خلال التشكيك في كل شيء بشكل
متهور.

ويرى مراقبون أن الإعلام المصري على هيئته الحالية غير مؤهل للقيام بمهمة تجديد الخطاب الديني بدلا من الأزهر ويعيش فوضى غير مسبوقة وضاعف تزييف الوعي بتركيزه على قضايا ساذجة، بالتالي لا يمتلك أدوات تنوير العقول.

وقال حسن عماد مكاوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إن الفوضى التي يعيشها الإعلام المصري تُظهره عندما يقوم بتجديد الخطاب الديني كأنه يمارس حربا على الدين، حيث يشارك في تغييب الوعي ولا يبحث عن المنطق في ما يقدمه.

وأضاف لـ”العرب” أن ثقة الجمهور تدنت في الإعلام لافتقاده التفسير والتوجيه والنقد والتعمق والتنوع والتعدد والرأي الآخر، وكل ذلك يجعله عاجزا عن إقناع الناس بأي قضية مهما كانت عدالتها.

واعتاد الأزهر توظيف إشكالية التشكيك في بعض الثوابت بالتصعيد دوما ضد الإعلام، ودفع البعض من شيوخه للحديث عن ضرورة تجديد الخطاب الإعلامي أولا إذا كانت منابره صادقة في السعي نحو تجديد الخطاب الديني.

وتفتح العديد من المنابر الإعلامية ملف تجديد الخطاب الديني باستمرار ويتم تناوله بصورة تميل نحو الإثارة وتبتعد عن الاشتباك مع الفكر والتراث القديم عبر الاستعانة برؤى مختلفة من رجال دين ومفكرين وكتاب ومثقفين من دون خطة توضح ملامح تجديد الخطاب الديني، وهل يحدث ذلك بتنقيح التراث أم بالثورة عليه بلا تمييز.

ويعيب الكثير من خبراء الإعلام على بعض الصحف والقنوات الفضائية أنها عندما تبادر بالنبش في القضية تركز على النقاط المثيرة للجدل في التراث، ومن الطبيعي أن تكون نتائج ذلك سلبية لأن طريقة التناول تعتمد على التشكيك في الثوابت بلا أدلة.

وسبق أن قال أحمد الطيب شيخ الأزهر إن “قضية تجديد الخطاب الديني لم تجد تحركا جماعيا من الإعلام، وكل منبر يناقشها بطريقته الخاصة ما يثير ارتباكا عند الناس”، ولا يزال الكثير من علماء الأزهر يستندون لهذا الكلام للإيحاء بأنهم لا يمانعون مشاركة المنابر الإعلامية في تجديد الخطاب، لكن بطريقة علمية.

وأكد حسن عماد مكاوي أن تجديد الخطاب الديني يفترض أن يكون مسؤولية مشتركة بين الإعلام والنخب والمؤسسات الدينية وليس من طرف واحد، ولأن الإعلام اعتاد غياب الرأي الآخر، فإن من يحاولون التجديد من خلال الإعلام يرغبون في توصيل وجهات نظرهم دون حاجة إلى آراء الآخرين المعنيين بالأمر.

وتأتي أزمة الإعلام في مصر من انقسامه على نفسه في الكثير من الأحيان في مسألة تجديد الخطاب، فهناك من يبادر بالخطوة ولا يُدرك حجم تذمر الشارع من كل ما هو إعلامي لتراجع المصداقية والمهنية، وهناك من لديه جرأة للحديث في التراث بمجهود ذاتي وتتعامل معه بعض المنابر كخصم وتبادر باستضافة علماء من الأزهر للطعن في أفكاره. ولذلك لا توجد خطة موحدة وثابتة وواضحة لدى كل وسائل الإعلام تعالج ملف تجديد الخطاب الديني بعقلانية، وصار الأمر أقرب إلى معارك كلامية بين عدوين لدودين.

وينشغل الإعلام المصري بتجديد الخطاب الديني بأسلوب يقوم على الترويج والدعاية أكثر من الانشغال بالقضية الجوهرية وما تحتاجه من أسانيد علمية، ولم يخلق ذلك التوافق المجتمعي المطلوب، خاصة مع تعمد تهميش رجال الدين. ولا يدرك هؤلاء أن الأزهر مهتم بالحفاظ على نفوذه وسطوته ووصايته أكثر من أيّ شيء آخر ويترك الساحة لمن يسمون بـ”المجددين” في الإعلام كي يتساقطوا ويتمكن في النهاية من الإجهاز عليهم الواحد بعد الآخر في لحظة مناسبة.

وأمام الفوضى الإعلامية في التجديد وجد الأزهر نفسه أمام حصانة شعبية تمنحه جرعات مضاعفة من الثقة والنفوذ والتمسك بعدم تنقيح التراث من بعض الأفكار، بعدما نجح في تصدير صورة عامة للناس بأن الإعلام يسعى إلى هدم الدين، حتى صار كل من يتحدث عن تجديد الخطاب شخصية غير مقبولة من شريحة كبيرة في المجتمع.

*العرب